Voice of Preaching the Gospel

vopg

أذار (مارس) 2009

نصل اليوم إلى هذا التساؤل  فنقول: العالم كله يشهد أن المسيح جاء برسالة سلام لم ينطق بمثلها أحد، فهو نادى وعلّم أتباعه الابتعاد عن الحروب والخصام والعنف والتشاحن، ودعى أتباعه أن يتسامحوا مع جميع الناس حتى ولو اختلفوا عنهم في الرأي أو الدّين أو العقيدة.


كما أدان المسيح أدواتِ الحرب وأساليب القتال، وكلماته هناك جاءت قوية. ففي أحد المواقف قال لواحدٍ من أتباعه حاول أن يدافع عن سيده، فاستلّ سيفه وضرب أحد مهاجميه، فقال له المسيح:
"رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ"، بمعنى أنّ الذين ينادون بالحروب يؤخذون بها، وبالمقابل، فالمسيح نادى بالتسامح، إذ قال: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ".
وقال: "طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ".
وفي إحدى خطبه المشهورة بالعظة على الجبل قال لشعبه: "طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ. طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ".
وقال: "أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ..."، "أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ..."، "فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ".
وقال أيضاً: "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا".
كما قال: "لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا".
فكيفما قلَّبنا صفحاتِ إنجيله نجده يتحدث عن السلام والحب والتسامح مع الغير، ويرفض الحرب والانتقام من الطرف المعادي. فالمسيح بهذه المبادئ علّم شعبه أن يكونوا مسالمين محبين متسامحين. والجدير بالذكر أنه هو نفسه طبّقها على ذاته.. فعندما صلبوه وأهانوه وهو معلَّقٌ على الصليب، صلّى قائلاً: "يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ".
أيها الأصدقاء: تخطرني اليوم نبوَّة وردت عن المسيح في سفرٍ إشعياء، وإشعياء النبي هذا عاش قبل ميلاد المسيح بسبعمائة وخمسين سنة، لكنه تحدّث عن المسيح بأنه سيُولد من عذراء، وأنه سيكون رئيساً للسلام، وتحدّث عن ألوهيته بهذا الكلام صريح: "هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ. لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ (أي لا يؤذي حتى القصبة المرضوضة)، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ" (متى 18:12-21).
هنا يُذكّر البشير متى قرّاءه بما ورد في هذه النبوَّة.فالنبوَّة تنطبق تماماً على صفات وسلوكيات المسيح، فهو لم يؤذِ من عاداه، ولم يدعُ بالخراب على مقاوميه، ولم يجنّد أتباعه لمعاداة من رفض رسالته، ومع ذلك انتشرت رسالته وعمّت شعوب الأرض حتى أصبحت الديانة الأكثر انتشاراً في العالم!!!
ما السر في ذلك؟
من الجدير بالذكر هنا أن أتباع المسيح ساروا من بعده على نفس النّهج، وعملوا كما أوصاهم سيّدهم. فبعد صعوده إلى السماء ومغادرته الأرض حملوا رسالته، وقاموا بنشر الدّعوة بين الشعوب، ودعوا الناس للتوبة والإيمان بالإنجيل. وكثيرون استشهدوا ولم يحملوا سيفاً في وجه أحد،ولم يُكرهوا أحداً للدخول في دين الله، بل قدّموا ما لديهم من رسالةٍ بأسلوبٍ إنسانيٍّ لطيفٍ بلا تهديدٍ أو وعيدٍ، وتركوا للناس الخيار في القبول أو الرفض دونَ استعلاءٍ على أحد. فمنْ قبِلَ رسالتهم قَبِلها بحريّته واعتزَّ بها وتغيّر، ومن لم يقبل رَجَوا له الهداية دون إيذاء، إذ كيف للعقل أو الضمير أن يُجبَرَ على عقيدةٍ لم يقتنع بها بقرارٍ ذاتيٍّ دون إكراه!
والعجيب هنا أنه مع كل هذه السماحة وهذا اللّين انتشرت المسيحية بهذا الاتساع حتى أصبحت أكبر ديانة في العالم دون قتالٍ! فكيف قضت المسيحية على أصنام الشعوب الوثنية واجتذبت أتباعها دون حربٍ أو إذلال؟!
ومن جهةٍ أخرى، لنفترض جدلاً أن المسيحية كافرة تنادي بثلاثة آلهة كما يتوهّم البعض، أو أنها مبنية على باطل كما يحلو للبعض أن يصوِّرها، فديانةٌ بهذا البُطْل كيف امتدّت واتّسعت بدون الله، وكيف نجحت في مسعاها ولا ربٌّ يباركها ولا سيفٌ يحميها ويشقُّ طريقها بين الشعوب؟! والمُذهل أنْ الشعوب الوثنية التي تتجاور مع أوساط مسيحية، تطمئن لها وتشعرُ بالأمان حتى ولو بقيت على دينها، لأن المسيحية لا تُهدِّد ولا تتوعَّد. فالمحبة لديها أقوى من السلاح وصولةِ الرّماح، والدعوة للإيمان لديها لا تتأتى بقهر الشعوب وإذلالها، لأن الخوف أو الرّعب والترهيب يشلُّ العقل، ويُغيّب الإرادة، وينفي فرصة الاختيار الحرّ لدى الإنسان. بينما في المقابل المحبة تخترق القلوب، وتلثمُ الجراح، وتعطي الدفء والاطمئنان، وتغرس في النفس المستهدفة نفسيَّة هادئة مرتاحة، وتنفي عنها الشعور بعدائية الطرف الآخر. ولذلك نقول إن انتشار المسيحية الواسع في العالم مردُّه إلى سلاحٍ أمضى من السيف والعصا والخنجر. فبالحب والرحمة والعطف والحنان تشكّلت الأدوات القتالية، وهذه التي شقَّت الطريق أمام المسيحية لتصل إلى مختلف الشعوب. والشعوب التي قبلت دعوتها تميّزت بين الأمم، والأفراد الذين التزموا بمبادئ الإيمان المسيحي تميّزوا بين أقرانهم وفي مجتمعاتهم، والمواطنون من حولهم يدركون ذلك ويشهدون له.
قارئي الكريم،
المسيحية هي المسيح، والمسيح هو المسيحية! ومن التزم بتعاليم المسيح في إنجيله لا يقدر إلا أن يسلك بنفس الروح التي نادى بها المسيح وعلّم. فالحب، والتّسامح، والصدق، والأمانة والطهر، والرحمة، والإنسانية، هذه ليست مجرّد شعارات ترفعها المسيحية، بل هي مبادئ فعلية تمارسها وتنادي بها. وهي ما أورثها المسيح لأتباعه، وبها انتشرت إلى زوايا الأرض دون غالب أو مغلوب، لأن السّعي ليس لإذلال الآخر، والشعوب التي اختارت المسيحية اختارتها بملء حريتها.
في هذا قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
وُلد الرّفقُ يوم مولد عيسى
والمروءات والهدى والحياءُ
وسرَت آية المسيح كما يسري
من الفجر في الوجود الضياءُ
إلى أن قال:
لا وعيدٌ لا صولةٌ لا انتقامٌ
لا حسامٌ لا غزوةٌ لا دماءُ
أبياتٌ صادقة تصوّر الحقيقة، وتتناغم مع ما طرحناه من إيضاحٍ للتساؤل في كيف انتشرت المسيحية بين شعوب الأرض دون أن يدعمها حسامٌ أو غزوةٌ أو قتال!
أليس في هذا سرّ يحتاج للبحث والتأمل؟!
أوَليس الحبّ أقوى من الكراهية!... والتسامح أقوى من الانتقام!... والرحمة أقوى من قسْوة السلاح!... والرفقُ أقوى من وحشية الحروب!... واللجوء إلى الله بضميرٍ حرٍّ دون إكراه أقوى من الرمح والعصا أو الخنجر والبندقية!؟
فالعصا لا تُجبرني على الصلاة والإيمان بالله. لكنني بالحبِّ اقترب إلى الله وأفتح القلب إليه ليدخل ويملك عليه... بهذا الأسلوب قدَّمت المسيحية رسالتها للشعوب، وأثمرت في ما سعت إليه، وما زالت وستبقى هكذا حتى قيام الساعة.

 

نصل اليوم إلى هذا التساؤل  فنقول: العالم كله يشهد أن المسيح جاء برسالة سلام لم ينطق بمثلها أحد، فهو نادى وعلّم أتباعه الابتعاد عن الحروب والخصام والعنف والتشاحن، ودعى أتباعه أن يتسامحوا مع جميع الناس حتى ولو اختلفوا عنهم في الرأي أو الدّين أو العقيدة.

كما أدان المسيح أدواتِ الحرب وأساليب القتال، وكلماته هناك جاءت قوية. ففي أحد المواقف قال لواحدٍ من أتباعه حاول أن يدافع عن سيده، فاستلّ سيفه وضرب أحد مهاجميه، فقال له المسيح:

"رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ"، بمعنى أنّ الذين ينادون بالحروب يؤخذون بها، وبالمقابل، فالمسيح نادى بالتسامح، إذ قال: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ".

وقال: "طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ".

وفي إحدى خطبه المشهورة بالعظة على الجبل قال لشعبه: "طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ. طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ".

وقال: "أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ..."، "أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ..."، "فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ".

وقال أيضاً: "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا".

كما قال: "لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا".

فكيفما قلَّبنا صفحاتِ إنجيله نجده يتحدث عن السلام والحب والتسامح مع الغير، ويرفض الحرب والانتقام من الطرف المعادي. فالمسيح بهذه المبادئ علّم شعبه أن يكونوا مسالمين محبين متسامحين. والجدير بالذكر أنه هو نفسه طبّقها على ذاته.. فعندما صلبوه وأهانوه وهو معلَّقٌ على الصليب، صلّى قائلاً: "يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ".

أيها الأصدقاء: تخطرني اليوم نبوَّة وردت عن المسيح في سفرٍ إشعياء، وإشعياء النبي هذا عاش قبل ميلاد المسيح بسبعمائة وخمسين سنة، لكنه تحدّث عن المسيح بأنه سيُولد من عذراء، وأنه سيكون رئيساً للسلام، وتحدّث عن ألوهيته بهذا الكلام صريح: "هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ. لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ (أي لا يؤذي حتى القصبة المرضوضة)، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ" (متى 18:12-21).

هنا يُذكّر البشير متى قرّاءه بما ورد في هذه النبوَّة.فالنبوَّة تنطبق تماماً على صفات وسلوكيات المسيح، فهو لم يؤذِ من عاداه، ولم يدعُ بالخراب على مقاوميه، ولم يجنّد أتباعه لمعاداة من رفض رسالته، ومع ذلك انتشرت رسالته وعمّت شعوب الأرض حتى أصبحت الديانة الأكثر انتشاراً في العالم!!!

ما السر في ذلك؟

من الجدير بالذكر هنا أن أتباع المسيح ساروا من بعده على نفس النّهج، وعملوا كما أوصاهم سيّدهم. فبعد صعوده إلى السماء ومغادرته الأرض حملوا رسالته، وقاموا بنشر الدّعوة بين الشعوب، ودعوا الناس للتوبة والإيمان بالإنجيل. وكثيرون استشهدوا ولم يحملوا سيفاً في وجه أحد،ولم يُكرهوا أحداً للدخول في دين الله، بل قدّموا ما لديهم من رسالةٍ بأسلوبٍ إنسانيٍّ لطيفٍ بلا تهديدٍ أو وعيدٍ، وتركوا للناس الخيار في القبول أو الرفض دونَ استعلاءٍ على أحد. فمنْ قبِلَ رسالتهم قَبِلها بحريّته واعتزَّ بها وتغيّر، ومن لم يقبل رَجَوا له الهداية دون إيذاء، إذ كيف للعقل أو الضمير أن يُجبَرَ على عقيدةٍ لم يقتنع بها بقرارٍ ذاتيٍّ دون إكراه!

والعجيب هنا أنه مع كل هذه السماحة وهذا اللّين انتشرت المسيحية بهذا الاتساع حتى أصبحت أكبر ديانة في العالم دون قتالٍ! فكيف قضت المسيحية على أصنام الشعوب الوثنية واجتذبت أتباعها دون حربٍ أو إذلال؟!

ومن جهةٍ أخرى، لنفترض جدلاً أن المسيحية كافرة تنادي بثلاثة آلهة كما يتوهّم البعض، أو أنها مبنية على باطل كما يحلو للبعض أن يصوِّرها، فديانةٌ بهذا البُطْل كيف امتدّت واتّسعت بدون الله، وكيف نجحت في مسعاها ولا ربٌّ يباركها ولا سيفٌ يحميها ويشقُّ طريقها بين الشعوب؟! والمُذهل أنْ الشعوب الوثنية التي تتجاور مع أوساط مسيحية، تطمئن لها وتشعرُ بالأمان حتى ولو بقيت على دينها، لأن المسيحية لا تُهدِّد ولا تتوعَّد. فالمحبة لديها أقوى من السلاح وصولةِ الرّماح، والدعوة للإيمان لديها لا تتأتى بقهر الشعوب وإذلالها، لأن الخوف أو الرّعب والترهيب يشلُّ العقل، ويُغيّب الإرادة، وينفي فرصة الاختيار الحرّ لدى الإنسان. بينما في المقابل المحبة تخترق القلوب، وتلثمُ الجراح، وتعطي الدفء والاطمئنان، وتغرس في النفس المستهدفة نفسيَّة هادئة مرتاحة، وتنفي عنها الشعور بعدائية الطرف الآخر. ولذلك نقول إن انتشار المسيحية الواسع في العالم مردُّه إلى سلاحٍ أمضى من السيف والعصا والخنجر. فبالحب والرحمة والعطف والحنان تشكّلت الأدوات القتالية، وهذه التي شقَّت الطريق أمام المسيحية لتصل إلى مختلف الشعوب. والشعوب التي قبلت دعوتها تميّزت بين الأمم، والأفراد الذين التزموا بمبادئ الإيمان المسيحي تميّزوا بين أقرانهم وفي مجتمعاتهم، والمواطنون من حولهم يدركون ذلك ويشهدون له.

قارئي الكريم،

المسيحية هي المسيح، والمسيح هو المسيحية! ومن التزم بتعاليم المسيح في إنجيله لا يقدر إلا أن يسلك بنفس الروح التي نادى بها المسيح وعلّم. فالحب، والتّسامح، والصدق، والأمانة والطهر، والرحمة، والإنسانية، هذه ليست مجرّد شعارات ترفعها المسيحية، بل هي مبادئ فعلية تمارسها وتنادي بها. وهي ما أورثها المسيح لأتباعه، وبها انتشرت إلى زوايا الأرض دون غالب أو مغلوب، لأن السّعي ليس لإذلال الآخر، والشعوب التي اختارت المسيحية اختارتها بملء حريتها.

في هذا قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

وُلد الرّفقُ يوم مولد عيسى

والمروءات والهدى والحياءُ

وسرَت آية المسيح كما يسري

من الفجر في الوجود الضياءُ

إلى أن قال:

لا وعيدٌ لا صولةٌ لا انتقامٌ

لا حسامٌ لا غزوةٌ لا دماءُ

أبياتٌ صادقة تصوّر الحقيقة، وتتناغم مع ما طرحناه من إيضاحٍ للتساؤل في كيف انتشرت المسيحية بين شعوب الأرض دون أن يدعمها حسامٌ أو غزوةٌ أو قتال!

أليس في هذا سرّ يحتاج للبحث والتأمل؟!

أوَليس الحبّ أقوى من الكراهية!... والتسامح أقوى من الانتقام!... والرحمة أقوى من قسْوة السلاح!... والرفقُ أقوى من وحشية الحروب!... واللجوء إلى الله بضميرٍ حرٍّ دون إكراه أقوى من الرمح والعصا أو الخنجر والبندقية!؟

فالعصا لا تُجبرني على الصلاة والإيمان بالله. لكنني بالحبِّ اقترب إلى الله وأفتح القلب إليه ليدخل ويملك عليه... بهذا الأسلوب قدَّمت المسيحية رسالتها للشعوب، وأثمرت في ما سعت إليه، وما زالت وستبقى هكذا حتى قيام الساعة.

المجموعة: 200903

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

98 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10541218