Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيار (مايو) 2009

كي يستطيع إنسان ما أن يدرك كيف تنسجم رحمة الله (بوصفه أباً رؤوفاً) مع عدالته (بوصفه أنه صاحب سلطان عظيم وكلّي القداسة والحق)، فلا بدّ له من الإيمان بحقيقتين أساسيتين وهما:
1- عمل الفداء الذي أتمّه يسوع على الصليب وقد جسّد به رحمة الله.


2- الدينونة الحتمية التي سيصفّي بها الله جميع الحسابات بعدله المطلق على الذين لم يقبلوا الرحمة.. فيجعل خواتم الأمور متوازنة ليس فيها خلل ولا التواء!
والذين يرفضون خطة الله الحكيمة وخلاصه المعلن بالمسيح يسوع يحكمون على أنفسهم بأنهم مستحقون للدينونة والشقاء الأبدي. فهم لا ولن يستطيعوا أن يجدوا ملامة على شخص القدير، كما أنه لن تكون لديهم حجة يتخفّون وراءها. لأنه منح لكل واحد فرصته الكافية، وعقله المميّز، وضميره الواعي لكي يبحث ويقارن بعيداً عن التعصّب والعناد، فيتّخذ قراره النهائي بخصوص خلاص نفسه والذي لا يستطيع أحد آخر أن يغنيه عنه، ”فكل شاة برجلها تناط“.
وكلمة الله تعلن بكل وضوح أن قوى الشر المتمثّل في الشيطان هي التي توقع الناس في التجارب القاسية لتسقطهم في خطية العناد، والعصيان، والتمرّد على عمل نعمة الله، وتوصلهم إلى عقوبة الموت الأبدي. لقد سقط الشيطان من مقامه السامي في خدمة الله كرئيس ملائكة، لأنه استكبر وأضمر الشر في قلبه ضد سلطان الله.. وهذا ما جعله يمتلئ بالحقد وحب الانتقام. ولأنه لا يستطيع أن ينتقم من الله في شخصه، فقد وجّه جهده للانتقام من خليقة الله التي أحبّها وهي بنو الإنسان، رغبة منه في إفشال خطة الله الخيّرة لأجلهم مستغلاً الحرية التي سبقت الإشارة إليها أعلاه.. فأسقط أبوينا الأوّلين في خطية العصيان حتى صارا تحت عقاب الموت الجسدي والروحي والأبدي مع كل نسلهما. ثم استمر في تجاربه لجميع أفراد ذلك النسل مستخدماً نفس أسلوبه القديم لاقتناص الجميع وجرّهم إلى طرقه الرديئة!!
ولكن ما يثير الدهشة والاستغراب أن يسوع نفسه جُرِّب من الشيطان تطوّعاً، ”ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا“ (متى 1:4-3).
وهذا ربما يجعل البعض يتساءلون بخصوص إبليس:
1-هل هو قوة مفروضة على الكون، وعلى الخليقة، وحتى على مقاصد الله؟
2- ما هو كيان إبليس وما هي سلطته وصلاحياته كي يتصرّف هكذا؟
3- ممن يستمدّ إبليس هذه السلطة والصلاحيات وهو كائن مخلوق؟
تلك أسئلة تحتاج إلى درس عميق، وسبر دقيق لكلمة الله، وشروحات كثيرة معقّدة بعضها تتطلب تفصيل التفصيل. ولكن الأمر الأساسي الذي يوضحه الكتاب المقدس في مجمل إعلاناته يرجع إلى كيان الله الخالق العظيم وسلطانه غير المحدود الذي يفوق إدراك العقل البشري، وبالأخصّ إلى كماله الأدبي، حيث أنه منح جميع مخلوقاته الطائعة له وحتى المقاومة لمشيئته كامل الحرية: حرية الفكر، وحرية القرار، وحرية التصرف. وذلك لحين مجيء وقت الدينونة النهائية القادمة بكل تأكيد والتي زمامها بيده وحده. لقد استخدم الشيطان قبل سقوطه هذه الحرية للتعظّم ضدّ الله، وكان ذلك سبب هلاكه وتحوّله إلى كائن شرير مقاوم. وسندرك جميع هذه الأسرار عندما نتقابل مع الرب في الأبدية.
وتجربة يسوع كانت ضرورية
1- لكي يثبت أهليته ومصداقيته كالابن البار المنزّه عن الخطية، ليس من حيث اللاهوت بل من حيث الناسوت؛ كممثل للجنس البشري بوصفه ”آدم الأخير“ الذي استعاد النصرة على تجربة إبليس من حيث فشل ”آدم الأول“ وأظهر أنه غير جدير بالحرية التي منحها له الله في جنة عدن.
وهنا لا بدّ لنا من أن نمرّ بصعوبة لاهوتية وهي: بما أن المسيح، له المجد، هو الله الظاهر في الجسد، كما هو مكتوب ”الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ“ (1كورنثوس 47:15)، ولذا فإن السيد المسيح يمتلك صفتين مهمتين:
أولاً: كالابن الإلهي والأقنوم الثاني في اللاهوت. فليس من الممكن أن يُغلب من إبليس ولا أن يسقط في تجاربه. إذاً لم يكن السقوط أو الفشل أصلاً ممكناً أو متوقّعاً!
ثانياً:  ليس للشيطان سلطة على الرب لكي يجرّبه.. فلماذا أُخضع يسوع لهذه التجربة؟
نجد الجواب عن هذين الإشكالين في نصوص الكتاب المقدس.
1- لكي يكون المسيح ممثلاً حقيقياً فلا بدّ من أن تكون له نفس ظروفهم كما يقول الكتاب ”فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ“ (عبرانيين14:2).
هذا من جهة أخذه جسداً كاملاً، وأيضاً ”مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ“
(عبرانيين 17:2). وذلك أيضاً من جهة كماله الأدبي في الجسد واستحقاقه لأن يكفّر عن الشعب.
2- لكي يأخذ الغلبة على إبليس بجسد بشري أضعفه الصوم بينما إبليس في كامل قوته، وبذلك يستعيد الفردوس الذي فقده آدم الأول من نفس الموقع الذي سقط فيه آدم، ويحوّل هذا الانتصار لمصلحة النسل البشري ”لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ“ (عبرانيين 18:2). وأيضاً ”لأَنَّهُ لاَقَ بِذَاكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ، وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ، أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ“
(عبرانيين 10:2).
هذا من جهة الرب، أما من جهة إبليس فقد كان يتوقّع أنه يستطيع أن يغوي يسوع أو يغريه كما فعل مع آدم وحواء، لأن هذا هو اختصاصه الأساسي حيث سمّي بالمجرّب ”فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ“ (متى 3:4).
التجربة المثلّثة
تقول الكلمة الإلهية على فم يوحنا الرسول: ”لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ“ (1يوحنا 16:2-17). ومكتوب أيضاً: ”الْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ“. إذاً فالتجارب تمرّ من خلال شهوات الجسد، وشهوات الفكر التي تبدأ عن طريق النظر والتصوّرات، وشهوات النفس التي تنمّي الكبرياء وتعظّم المعيشة. وإن من يقود هذه التجارب هو الشيطان.
أ- التجربة الأولى: يظهر أنها كانت عند ضفاف البحر الميت. وقد استخدم إبليس شهوة الجسد مستغلاً صوم يسوع وجوعه الجسدي فقال: ”إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا“. ونحن نرى أن الشيطان يحاول دائماً أن يلبس تجاربه ثوباً منطقياً.. فهو يطلب من يسوع أن يبيّن برهان بنوّته للآب... وبالتالي قدرته اللاهوتية. ولكن الرب له المجد برهن له:
1- أنه ليس بحاجة للقيام بأي عمل لإثبات هذه البنوّة لأنها مؤكدة في شخصه، وثابتة بتجسّده.
2- أنه أسمى من أن ينفذ مطالب إبليس مهما بدت منطقية أو لا ضرر منها كما يتوهّم البعض.
3- أنه ليس بحاجة لكي يتعظّم عن طريق الأعمال المعجزية ولكنها كانت جزءاً من خدمته.
4- أنه لا يعمل المعجزات وهو لم يعملها قط لخدمة نفسه، بل لخدمة الآخرين.
ب- التجربة الثانية: كانت على جناح الهيكل في أورشليم. وقد حاول المجرب اختبار يسوع من حيث ثقته بنفسه وثقته بالآب وبمواعيده مستخدماً الوعد الكتابي في مزمور 11:91-12 قاصداً إسقاط الرب في تجربة تعظيم الذات. لقد كان من المؤكد أن يسوع الذي مشى على الماء وأسكت الريح قادر على التغلّب على قانون الجاذبية وإثبات صدق وعد الله له. ولئلا يتحقق قصد إبليس فقد أجابه أيضاً من الكلمة الإلهية: ”لاَ تُجَرِّبُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ“ (تثنية 16:6). وبهذا أثبت - له المجد - تعظيمه لكلمة الله، وعلّمنا أن نتخذها سلاحاً في التجربة.
ج- التجربة الثالثة: كانت على جبل عالٍ. ويعتقد البعض أنه جبل حرمون. ”وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا“، فقد جرّبه من حيث شهوة العيون وانعكاسها على الأفكار والتصوّر إذ أراه أمجاد ممالك العالم ومفاتنها الأرضية من حيث روعة القصور الملكية، ومباهج الأمور التي تمارس فيها، وعرضها على الرب مقابل السجود له. لقد خاب فأل إبليس لأنه بحسب ضلال قلبه وفكره لم يستطع إدراك صفات الرب ولا استجلاء نواحي كماله.

المجموعة: 200905

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

122 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10474739