Voice of Preaching the Gospel

vopg

شباط February 2005

انتهت انتخابات الرئاسة، وظهرت نتائجها التي لم يكن الحزب الديمقراطي يتوقَّعها. فكانت كالصاعقة التي هدّمت أسس الصرح التي قامت عليها الاستراتيجية السياسية لفئات مختلفة تضافرت معاً لفرض نظرياتها وفلسفتها التحررية على المجتمع الأمريكي. ولكي أكون موضوعياً ودقيقاً في موقفي، ولكي لا يظنّنّ القارئ أن لي ذيولاً سياسية معينة أقول له: إنني لا أنتمي لأي حزب سياسي، جمهورياً كان أم ديمقراطياً، ولست خبيراً بشؤون السياسة وألاعيبها، إنما أنا أنتمي إلى حزب المسيح، وأحاول أن أستشفّ، بكل أمانة وصدق، مبادئ وحقائق تعاليمه ورسالته لكي أحياها على ضوء ما ألهمني روح الرب من فكر وفهم.

 

فإذاً، المقياس الذي أضعه أمامي وأستعين به في حكمي على ما يتنازع مجتمعنا الغربي، بل أي مجتمع في أي بلد، هو دستور الكتاب المقدس، وهو دستور موحى به من الله بإعلان سماوي يستهدف خير الإنسان، وتسامي المجتمع، ورفع المستوى الأخلاقي، والحفاظ على نقاوة الأسرة وتقاليدها لئلا يتسرَّب إليها الفساد، وينخر فيها سوس الشر.

والظاهرة الكبرى التي تجلّت في هذه الانتخابات جسَّدت بما لا يدعو للشك، أن المثل، والقِيَم، والأخلاق، والتقاليد المرعيَّة التي عملت على بناء المجتمعات الصالحة، كان لها الدور الأول في صدّ هجمات النظرة "التحرّريّة الهدّامة" التي اعتبرها البعض أنها تقدُّم، وعصرنة، وتفتُّح في القرن الحادي والعشرين للميلاد؛ وتناسى هؤلاء أن هذه النظرة لدى مقارنتها بالقِيَم التي نادى بها المسيح، تتهافت أمام الحقائق الدامغة لأنها لا تقوم على قاعدة صالحة ثابتة. فالقيم التي نادى بها المسيح ليست قيماً نسبية، ولا قيماً محلية، ولكنها قيم مطلقة شاملة لكل عصر وزمان. قد تتخذ مظاهر مختلفة في المجتمعات المتباينة، أو قد تتبدّل أشكالها الخارجية بين قرن وقرن، ولكنها تظل ثابتة  في جوهرها لا ينالها تغيير ولا تبديل، لأن الذي سنها هو الله السرمدي الذي لا يخضع لزمان أو مكان. وهذا الإله السرمدي قد أعلن لنا هذه القيم لتكون معالم حيّة نسترشد بها في حياتنا اليومية، ونفيء إليها كلما راودنا الشك في شأن من الشؤون.

من هنا نجد أن الأغلبية الساحقة من أبناء المجتمع الأمريكي، ممن ما برحوا يؤمنون بأهمية هذا القيم، والتي هي في الواقع انعكاس لما هو طبيعي وصالح، فتبنّوها وتبنّوا المنادين بها لأنهم أدركوا أن التخلي عنها معناه انهيار المجتمع ولا سيما الأسرة بكل ما فيها من تقاليد، وصفاء، ونمو.

والذي دعاني للحديث عن هذا الموضوع هو إقبالنا على دخول عام جديد من حياتنا بما فيه من مفاجئات، وأحداث، بعضها سعيد مشجع وبعضها مؤلم ومتعس. وعلى كلا الحالين، علينا أن نتوقّف للحظة لنتأمل في أحداث العام الماضي وتقلباته، وما أسفر عن نتائج اغتبط لها البعض، وأحزنت البعض الآخر.

ويلوح لي أن هناك ثلاث نواح لا بدّ أن نعالجها بتمعُّن ورويَّة لكي نستفيد من هذا المدّ الجديد الذي أخذ يجتاح المجتمع الأمريكي في عصر غلبت عليه المادية، والإباحية، والتفتُّت الاجتماعي، لأننا إن أخفقنا في انتهاز الفرصة التي أتاحها لنا الكشف الجديد الذي برز فجأة من ظلمات الصمت، فإن ذلك قمين أن يقضي على المكاسب التي حصلنا عليها، نحن المتمسكين بالقيم المسيحية، والوعي الاجتماعي.

1- النضج الاجتماعي

الناحية الأولى تدور حول النضج الاجتماعي والاستيعاب الواضح لمعنى هذه القيم. من الخطأ جداً أن نلجأ للتعنُّت من غير فهم حقيقي لمعنى هذه القيم. ففي كثير من الأحيان نقوّم مواقفنا على فهم غامض أو خاطئ لِمَا نشهده من أحداث أو تصرفات فيلتبس علينا الأمر، ونحمل على هذه المواقف قبل أن نتبيّن مضامينها ومغزاها. فقد تكون هذه المواقف تعبيراً شكلياً عن قيم نحن نؤمن بها، ولكنها اتخذت مظاهر مختلفة لا عهد لنا بها من قبل، فيختلط علينا الأمر، ونهاجمها بقسوة وتعنُّت في حين أنها لا تتعارض في جوهرها مع القيم الكتابية.

فعلى سبيل المثال، نرى أن بعض الفئات المسيحية تعارض بمنتهى الشدة أساليب الترانيم المعاصرة التي ابتعدت عن أساليب الترانيم الكلاسيكية التقليدية، بل إننا نجد بعض المعارضين يرددون أن هذه الأساليب المستحدثة هي من عمل الشيطان. ولكن الحقيقة أن المسألة كلها تدور حول الأذواق الفنية. فهناك من يتمتَّع بالترانيم التقليدية، وهناك من يرغب في الألحان العصرية، وهناك أيضاً من يلذّ له سماع هذين النوعين من الأنغام. لهذا فالحكم على الترانيم ذات الألحان الحديثة بأنها من عمل الشيطان ورفضها هو من خطل الرأي لأن الغرض من هذه الترانيم قديمها وحديثها هو تمجيد اسم الرب يسوع والتعبُّد له. وهذه الحقيقة قد تنطبق على كثير من هذه القيم. والسؤال الذي أطرحه دائماً على نفسي هو: هل الشكل الجديد لهذه القيم يتّفق في جوهره مع تعاليم الكتاب المقدس وقيمه أم لا. إن المظاهر قد تكون خدَّاعة، فعلينا أن نتمهَّل قبل أن نصدر أحكامنا عليها.

2- دور الكنيسة

أما الناحية الثانية فهي تتعلق بالدور الذي تقوم به الكنيسة في المحافظة على القيم الاجتماعية الكتابية، بل والقيم الروحية أيضاً من جهة، ومجابهة "القيم التحررية من جهة أخرى. ولئلا يسيء فهمي من يقرأ هذا المقال، فإنني أسرع إلى الإشارة أن ما أدعوه "بالقيم التحرّرية" هي القيم التي من شأنها أن ترفض القيم الكتابية أو تتناقض في روحها وجوهرها مع تعاليم الكتاب المقدس، كالشذوذ الجنسي، والزواج من نفس الجنس، والعلاقات المحرَّمة بين الجنسين باعتبارها مظهراً من مظاهر التحرر والتقدّم، وسواها من المفاسد التي تهزّ أركان المجتمع وتدمِّر وحدة الأسرة.

إن مجابهة هذه القيم التحررية ضرورة حتمية على الكنيسة التي تحمل رسالة المسيح وتنشرها في العالم. إن المسيح في موعظته على الجبل، تناول موضوعات اجتماعية، وروحية، وحتى أدبية، وألقى عليها أضواء جديدة، وهاجم ما اعتورها من مفاسد، وما طرأ عليها من خلل. فالزاني، مثلاً، ليس من يرتكب الزنى فقط، بل كل من اشتهى امرأة فقد زنى بها في قلبه. إنها خطيئة في نظر الله تستوجب العقاب. وبناء على هذا المقياس أقول: على الكنيسة اليوم أن ترفع صوتها عالياً وتندِّد بكل هذه النظرات والممارسات التحررية التي حللها المحللون، وكأنهم بذلك يتحدّون القيم الإلهية التي استنها الله للبشر. ربما ظنَّ بعضهم أن الله قد مات، وأن القيم الكتابية قد مضى عهدها واندثر مفعولها، لهذا تهافتوا على الممارسات التي تتنكّر لها الأخلاق. على الكنيسة أن تصرخ عالياً ليكون صوتها مسموعاً، ويكون لها حضور حيّ في تقرير مثل هذه الاتجاهات لا على سبيل العنف والإرهاب إنما عن طريق المثل، والحياة المسيحية الديناميكية. إن القيم المسيحية هي ليست قيماً ميتة بل هي متطوِّرة في ظاهرها، ثابتة في جوهرها، مؤثرة في فعاليتها.

3- التطبيق العملي

أما الناحية الثالثة فهي تتمحور حول التطبيق العملي لهذه القيم وتجسيدها فعل حياة في المجتمع. يمكننا أن نصرف أوقاتاً طويلاً في الوعظ، والإرشاد، والتنديد، والتحذير، وهي أمور قد تكون ضرورية، ولكنها تفقد فعاليتها وزخمها إن أخفقنا في أن نحياها. فالوجهة العملية هي الشهادة على صحة ما ندّعيه ونؤمن به، لأن التطبيق العملي هو الذي يؤتي بالثمار المرجوّة. إن المجتمع يرغب أن يشهد النتائج، والنتائج لا يمكن تفنيدها أو نكرانها. إنها البرهان عن مدى تأثيرها في تطور المجتمع وخلقه من جديد. كما أن للقيم السلبية نتائجها المفجعة فللقيم الإيجابية نتائجها البنّاءة. إن الرياء في القيم ضربة قاتلة تقضي على أصحابها؛ ولعلّ انصراف بعض المجتمعات عن التمسّك بالقيم الإيجابية والتهرّب منها واللجوء إلى السلبيات هو تعبير عن فقدان الثقة بالمنادين بها أو دعاتها المنافقين.

وهكذا إذ نقف على أبواب عام جديد، لنقم بثورة اجتماعية وروحية ننادي بها ملء صدورنا من غير أن نتجرّد عن محبتنا للآخرين، وعطفنا على المضللين، وحناننا على الهائمين في فقر خال من المعالم الهادية.

المجموعة: شباط February 2005

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

198 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10575367