Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيار May 2005

كتب أحد الصحفيين يقول: شعوبنا في بلدان العالم الثالث نشأت على أن رأي الغالبية هو الرأي الصواب في الدين، في السياسة، في القيم، في العادات، في التقاليد، ونحن تعلّمنا من صغرنا، أن الرأي الآخر المخالف لما نشأنا عليه، هو رأي باطل ولا يجوز التعامل به، حتى لقد درج البعض على تكفير كل من لا ينهج نهجه، ولا يتكلم لغته، ولا يستعمل مصطلحاته.

 

إن المحافظة على القيم والمعتقدات لا شك أنه أمر مشروع، ولكن حين يكون  ذلك بالتلويح بالعصا أو بعزلة الناس عن الإطلاع على ما لدى الغير، هناك تقع المشكلة. فهذا سيؤدي، إن آجلاً أم عاجلاً، إلى ردة فعلٍ عكسية قد لا تظهر سريعاً، لكنها ستُخْتَزَنُ في الإنسان الباطن  لدى الشعوب التي تعاني من ضعف الانفتاح وحرية الإطلاع على ما لدى الغير. ثم إن المثل العادي الذي يتردد على ألسنتنا يقول: إن العلم بالشيء خير من الجهل به.

متى نترك للناس أن يفتكروا كما يريدون، وأن يطَّلعوا على ما يريدون طالما هم لا يؤذون أحداً في ذلك!

قلت مرة في إحدى الحلقات السابقة أني لا أدخن، وأعتقد أن التدخين لعنة في الأرض. فأنا لا أدخن، ولم أحذّر أبنائي يوماً من التدخين بالضغط والتهويل، ولم أهدد أحداً منهم لو عبث بهذه العادة الفتاكة. لكنهم لمسوا رأيي في التدخين ورأي الكنيسة التي ننتمي إليها، فنهج الأبناء نهجاً سليماً على هذا بلا إكراه.

فدكتاتورية بعض الآباء تدفع أبناءهم إلى العبث بالتدخين سراً وهم في سن الطفولة، ثم تتملكهم العادة فيما بعد بسبب صرامة التحذير وقسوة الوعيد.

ثم أنا لا أشرب الخمور طاعة لله في تعاليم الكتاب المقدس من توراةٍ وإنجيل، فهناك آيات عديدة تحذِّر من شرب الخمر لا مجال للخوض فيها الآن. وأنا لم أحذِّر أبنائي يوماً من مغبّة هذه العادة السيئة، فالمجتمع أمامهم مفتوح الأبواب ولهم أن يقارنوا بين من يعاقر الخمرة ومن لا يعاقرها. فأنا وزوجتي أسسنا أبناءنا على أسس تربوية سليمة بلا عنفٍ أو إكراه، واليوم أراهن إن كان أحداً منهم من يرضى أن يتعامل مع هذه العادة القبيحة أو يشجع عليها فأنا لم أجهد نفسي بالأوامر الصارمة لتحذيرهم، إنما الأمور تمَّت بالمنطق والهدوء لا بالتهديد والوعيد. ونفس الشيء يمكن تطبيقه في قضايا الدين.

فالدين الحق، أو التدين الصحيح لا يحتاج إلى الصوت العالي بالتهديد والوعيد لمن خالفه، ولكن بالقدوة الحسنة والمثال الطيب، وبهدوء الكلمة لا بالعصا أو الإكراه. لأن إكراه الناس على الصلاة والعبادة سَيَصْنَع منهم منافقين يتظاهرون بالتقوى، وهذا سيرسخ في أجيال الأمة دوافع النفاق والكذب، درءاً للقصاص وملامة الآخرين. ومن استطاع يوماً من هؤلاء أن يخرج خارج حدود بلاده سيقع في مأزق صعب، وسيشعر وكأنه عصفور  انطلق من قفصه، وحينها قد تنهار أمامه كل القيم التي تربى عليها بالوعيد والتهديد.

هنا تظهر ميزة الكلمة التي تُقدم للناس بالموعظة الحسنة. فبالكلمة جاء الوحي، وبالكلمة تحدث الله للناس،  وبالكلمة أعطى الله شريعته للبشر،  وبالكلمة خاطب أنبياءه، وبالكلمة أعطى الله الحرية للإنسان ليقبل أو يرفض.

قال الله لآدم: من كل شجر الجنة تأكل أما من الشجرة المحرّمة في وسط الجنة فلا تأكل منها وإن أكلت موتاً تموت.

فهذا يعني أنه سبحانه ترك لآدم حرية اتخاذ القرار في أن يقبل بأمر الله أو يعصاه. فلما مدَّ آدم يده ليأكل من الشجرة لم يقطع يده أو يسحق رجله، هذا المبدأ الرباني ما زال غير مفهوم لدى الكثيرين وينسون أن الله سبحانه عيّن يوماً يدين فيه سرائر الناس بالحق والعدل.

خلاصة الحديث هو أن العالم اليوم يشبه القرية الصغيرة، والمواطن الذي يعزل نفسه فيها يحكم على نفسه.  والإنسان لا يمكن تغليفه داخل جدران بيته بعيداً عما يجري في العالم. فالتعصب، والتحجّر، بحجة الحفاظ على ما لدينا من قيم ومعتقدات، فهذه لا تأتِ بالتقوقع والعزلة ولا تتحقق بإرهاب الناس بقسوة الجزاء .

يقول الله في كتابه المقدس: "بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم". كما يقول أيضاً: "لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال الرب".

عزيزي القارئ، هذا ما تؤمن به المسيحية، وهذا ما يعلّمه إنجيلها المقدس، وهذا ما تربَّت عليه أجيالها على مر التاريخ كله. فالكنيسة المستنيرة ربت أجيالها في جوّ من الحرية المقدسة التي اشتراها لهم المسيح بدمه على الصليب إذ فداهم وحررهم وغرس فيهم الصدق، والأمانة، وحب الخير لجميع الناس. فنشأت شعوب في ظلال الكنيسة حرّة، أبيّة، صادقة، مخلصة، أمينة، لا مكان للنفاق في تصرفاتهم إلا في من انحرف عن الحق. وفي يوم الدين سيظهر الغث من السمين.

أيها القارئ الكريم، هل وصلتك الرسالة؟ وهل لديك ما تقوله في هذا؟ نحن في خدمتك، نحبك ونحترم رأيك،  وفي حوارنا معك نحاورك بكل أدبٍ واحترام فلا تتردد في الكتابة إلينا.

المجموعة: أيار May 2005

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

434 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10475584