Voice of Preaching the Gospel

vopg

آب (أغسطس) 2007

العمل كقسيس في سجون الشيوعيين

تغيرت الأحوال في المخيم بشكل تدريجي. شرعوا يعطوننا كمية أكبر بقليل من الطعام، وإن لم تكن كافية لإشباع رجال بالغين. صار الضرب الجسدي والتعذيب أقل تكراراً، ولكن زادت محاولات "غسل الدماغ". تغير التركيز ليصبح تعذيباً نفسانياً خبيثاً. حاولت أثناء سني سجني أن أستغلّ كل فرصة ممكنة لأخدم السجناء كقس للسجن.  فقد قررت بسبب إبعادي عن منبري بأن أجعل منبري حيثما أحلّ.

ومع تحسّن الطعام أعطاني الله قوة جديدة لأبذل جهداً أكبر في خدمتي في السجن؛ وصار عندي المزيد من القوة لأشهد للرجال وأخدمهم. كنت حتى هذا الوقت ضعيفاً جداً بسبب صراعي للبقاء على قيد الحياة. لكن بدأت خدمتي ترتفع إلى مستوى أعلى من قبل مع تحسّن الأحوال نوعاً ما. إنني متيقّن بأن الشيوعيين لم يقصدوا ذلك، لكنّه كان نتيجة الطاقة الجديدة التي حصلت عليها.

 

 وسريعاً ما صرت أرعى "كنيسة" عادية في السجن. أما "رعيّتي" فهي مجموعة الرجال الذين هم في أمسّ الحاجة الروحية والجسدية. و"الكنيسة" هي باحة التدريب في السجن، أو أي مكان يمكن الاجتماع فيه. توجّب علينا دائماً أن نموّه هدف لقائنا. وقد بارك الله هذه الخدمة، وكم مرة أتى إليّ سجين يقول، "يا قسيس، كنت أستمع وأفكر بما تخبرنا به وأنا أريد أن أخدم المسيح أيضاً". تلك كانت اللحظات التي عشت من أجلها وكم فرحت بأن أهدي كثيرين إلى المسيح في سجون متعددة، وفي برسين بشكل خاص.

عندما كان الرجل يعبّر عن رغبته في اتباع المسيح كنت أصلي معه في أي مكان وجدناه. فإن كنا نعمل في الحقول كنّا نركع على ركبنا ونتظاهر بأننا نتطلّع عن قرب إلى شيء ما على الأرض، ولكن كنا في الحقيقة نصلي. وفي يوم من الأيام، بينما كنت أصلي مع سجين في الحقل جاء حارس على ظهر حصانه وصرخ، "ماذا تفعلان هنا أنتما؟" أجبته بقولي، "ننظر إلى الحصاد". ولم يعلم أنني قصدت الحصاد الروحيّ!

شعر الرجال الذين في السجن بأنّهم وصلوا إلى نهاية مطاف تحمّلهم. ففي الحياة الطبيعية يكون للرجال زوجات، وأولاد، وأشغال، وفضلاً عن هذه فإن الأمور المادية قد تخدّر الإنسان فلا يشعر بحاجته إلى الله. ولكن في السجن يُحرم السجين من كل هذه الاهتمامات، ويصير عنده وقت للتفكير، وتتضح قِيَمُهُ في السجن، ويدرك كثيرون بكل إخلاص حاجتهم إلى الله. فالحقل مثمرٌ جداً بالنسبة إلى قسيس السجن.

ولكنني كنت أحتاج إلى كتاب مقدس أو عهد جديد أكثر من أي شيء آخر من أجل خدمتي مع الرجال. فكلمة الله تحمل جواباً لاحتياجاتهم، ولكنني لم أملك الكتاب المقدس، وحتى أملي بالحصول عليه كان مستحيلاً. صليت وقلت، "يا رب، هؤلاء الرجال بحاجة إلى كلمتك. هذه أنفس أبدية. يا الله إنني أفعل كل ما بوسعي لكنني أحتاج إلى كلمتك". تركت الأمر بين يدي الله الذي لا تقف أمامه قضبان سجن، والمستحيل يصبح ممكناً لديه!

"وُجِدَ كلامك فأكلته؛ فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي، لأني دُعيت باسمك يا رب إله الجنود" (إرميا 16:15).

لاحظت في يوم من الأيام أن ”ستويل“، وهو الرجل الذي يقع سريره بجانب سريري، يمسك شيئاً بيديه. لم أستطع أن أميّز ما هو، ولكنه بدا لي مثل كتاب صغير. ثم رأيت ما كان يفعله. فهو يمزق صفحة من الكتاب لكي يلفّ فيها سيجارة. ولدهشتي رأيت أن الكتيّب هو العهد الجديد! فقد مرّ عليّ خمس سنوات لم أرَ فيها جزءاً من الكتاب المقدس! لذلك خطفت الكتيب من ”ستويل“ بشكل غريزي، وتأملت فيه. ابتدأ ”ستويل“ يشدّه من يدي بينما انهارت الدموع على خدّي. ثم توقّفَ مندهشاً مما يعنيه هذا الكتاب لي.

سألته، "ستويل، من أين حصلت على هذا الكتاب"؟ فأجاب، "لقد وجدته في سلة المهملات عندما نقلونا إلى هنا من منطقة الثكنة الأولى".  قلت له ، "أرجوك يا ستويل، أعطني الكتاب." أجابني بحزم، "لا، فإنني أقرأ فيه". ثم اختطفه من يدي. لكنني علمت أن كل ما كان يريده هو استخدام ورق الكتاب الرقيق لكي يلف به السجائر! لم أستطع أن أحتمل فكرة استخدام كلمة الله التي لم أرها لمدة خمس سنوات كورق للسجائر.

قلت له، "ستويل، سوف أعطيك كل المال الذي أملكه مقابل هذا الكتاب". فقد سمحوا لنا بأن نحتفظ ببعض المال أحياناً لكي نشتري شيئاً من مقصف السجن. اتسعت عينا ”ستويل“ عندما عرضت عليه المال. ثم ابتسم وأجاب: " يمكنك أن تأخذه يا قسيس بما أنك ترغب في اقتنائه كثيراً. ها هو، خذه!" ثم أمسكته بيدي! إنها كلمة الله! وبكيت أمام الرجال الذين أداروا رؤوسهم لكي لا يحرجوني. فقد جعت إلى الطعام الجسدي مدة خمس سنين، لكنني جعت أكثر روحياً، وأشاركك عن خبرة بأن الجوع الروحيّ أشدّ ألماً من الجسديّ. ثم ابتدأت أعمل بنصيحة حزقيال 3:3 "... أطعم بطنك واملأ جوفك من هذا الدرج الذي أنا معطيكه، فأكلته".

لقد سلّمت حياتي للربّ في سنة 1926. وظلّت كلمة الله رفيقي اليومي الذي لا يمكن الافتراق عنه منذ ذلك اليوم وحتى اليوم الذي قُبِض فيه عليّ. ثم فجأة حُرِمتُ منها- ولمدة خمس سنين. لذلك عرضت على ”ستويل“ كل مالي مقابل العهد الجديد، ولكنني كنت سأعطيه ذراعي أو رجلي لو طلب مني ذلك! هذا ما عَنَتْه كلمة الله بالنسبة لي في ذلك الوقت- وما تعنيه لي الآن أيضاً.

إن الحياة بدون كتاب مقدس أو إنجيل هي خسارة لا توصف! شعرت أثناء فترة وجودي في السجن بفراغ كبير وألم شديد كأنه أصابني في جسدي بسبب حرماني من كلمة الله. فقد قرأت كلمة الله طيلة حياتي المسيحية، وحفظت آيات ومقاطع طويلة منها، لكنني نسيت بعض المقاطع بسبب التعذيب والضرب اللذين تعرّضت لهما، ولأنني بقيت مدة طويلة بدون كلمة الله. ومن الغريب أن التعذيب له تأثير في تغييم الذاكرة، ولاحظت هذا التأثير في كثير من الأحيان.

عرفت أنني لن أتمكن من الاحتفاظ بالكتاب المقدس لمدة طويلة. ففي النهاية، لا بد أن يجده حراس السجن ويتلفوه. ولكنني أستطيع أن أخفيه في الحقول وفي القش والتبن ما دمت على هذه الجزيرة. صرت في كل يوم أخفيه في مكان مختلف لكيلا يلاحظوا أسلوباً معيّناً في تصرفاتي. وبعد أن أخفيته في القش والتبن صرت أحفر حفراً، وأضع على سطحها علامة معينة ثم أستخرجه لكي أقرأه. عرفت أنه عليّ أن أخبئه في الحقول لأنهم كثيراً ما يفتشون الزنزانات. ولكن بما أن فرصتي المثلى لقراءته هي في الليل في الزنزانة، فقد خاطرت بإرجاعه معي إلى الزنزانة، وصليت كل الوقت لكي لا يحصل تفتيش مفاجئ في الليلة التي كنت أقرأه فيها. وهذا أعطاني فرصاً أكثر لأقرأ للمساجين.

حفظ 47 فصلاً عن ظهر قلب

قررت أن أحفظ أكبر قدر ممكن من الإنجيل لأنني أدركت بأنني لن أتمكن من الاحتفاظ به لمدة طويلة. ابتدأت "آكل" كلمة الله، وأستظهر آيات كثيرة كل يوم. أخذت معي الإنجيل حيثما ذهبت. وانتهزت كل فرصة لكي أدرسه. أولاً، حفظت رسالة بطرس الأولى؛ ثم أفسس؛ يوحنا الأولى، وبعد ذلك إنجيل يوحنا؛ رومية 1 و5 و8؛ 1كورنثوس 13 و14، و2كورنثوس 5. مجموع هذه كلها هو سبعة وأربعون فصلاً.

وعندما نقلوني فيما بعد إلى سجن عادي، صارت تخبئة الإنجيل شبه مستحيلة، ولكنني أصبحت في ذلك الوقت "عهداً جديداً متحركاً". ابتدأت أوسع خدمتي بين زملائي المساجين بسبب وجود كلمة الله معي. وقد أنجح الرب خدمتي في السجن في السنين التالية بسبب استخدامي لكل فرصة ممكنة لخدمة الرجال. وبالطبع كان هذا يتم في سرية تامّة، تفادياً لعقوبة الضرب أو التجويع. وما زاد من خطورة هذا العمل أنني لم أعرف من هم المخبرون في وسطنا. لم أعلم كيف أتعامل مع مشكلة المخبرين. فإذا اتّبعت طريق الحذر، فإن الرجال سيشعرون بأنني خائف وسيتعطّل تأثيري المسيحيّ. لذلك قرّرت في نفسي: "المخبرون أيضاً بحاجة إلى كلمة الله! دعهم يسمعونها، وإذا أخبروا فليخبروا".

ومنذ ذلك اليوم لم أعد أسمح لنفسي بالتفكير في مخاطر المخبرين، مع أنه تم استدعائي في كثير من الأحيان إلى مكتب مدير السجن وقيل لي، "يا بوبوف، نحن نعلم أنك تعمل اجتماعات دينية في زنزانتك! نحن نعلم ذلك. متى ستتعلّم درسك؟".

المجموعة: 200708

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

526 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10472004