Voice of Preaching the Gospel

vopg

آب (أغسطس) 2007

-   هل أنت ذاهب إلى دارفور يا بابا؟

-   نعم يا أولادي.

-   لكننا نرى الناس تُعذَّب وتُقتل في دارفور، أفلا تخاف أن يقتلوك؟

-   كلا يا أولادي.

-   أنا أخاف عليك يا جيمس، وماذا سيحصل لي ولأولادنا الستة من بعدك؟ فالحرب قائمة والموت يحصد الناس.

-   الموت لا يهمّني يا سوزان. أنا منطلق إلى دارفور بغضِّ النظر عمَّا سيحصل لي هناك يا حبيبتي. أنا أريد فقط دعمك في الصلاة من أجلنا. والآن عليّ أن أذهب وسيرافقني الإخوة في الكنيسة وسأراكم بإذن الرب حالما أعود لأن دارفور تنادينا وتقول: اعبروا إلينا وأعينونا.

 

خرجنا ونحن مدعومون بقوة الصلاة، إلى حيث القتل والدمار في الشمال الغربي. وتردَّدَتْ في ذاكرتي كلمات الطرد من المخيم حين قمنا بعدة محاولات للدخول سابقاً إلى دارفور وحاولنا تقديم المساعدات لكنهم رمونا بالحجارة آنذاك ووصفونا بالكفَّار يومها وقالوا:

-   يا كفار اخرجوا من أرض القرآن!

أما اليوم فاستُقبلنا على غير عادة بالترحيب من قبل الناس المنهكين والمعوزين والمتخبطين بالقتال والصراع بين بعضهم البعض. ذهبنا إليهم لكي نوزِّع عليهم الإعانات من مأكلٍ ومشربٍ وملبس ودواء. تأثروا من نجدتنا لهم نحن "الغرباء" عنهم كما دعونا، وتعجبوا من معاملتنا لهم وتساءلوا عن السبب. فقلت لهم:

-   لأنَّ يسوع الذي بداخلنا يحبكَ ويحبكِ ويحبكم جميعاً. وقبل أن نحدثهم عن يسوع المسيح راحوا يطلبون ويقولون لنا وبإصرار ليس له سابق:

-   "نحن عاوزين المسيح بتاعكم."

وهكذا فتح الرب دارفور "فَتْحاً مُبيناً". لأن الكنيسة خرجت من دائرة الأمان والاستقرار إلى العالم المحتاج بقوة الصلاة. ذُهلنا ممَّا رأيناه فورَ دخولنا المخيمات في دارفور. ولفتَتْ نظري حُفَرٌ ممتدة على أرض المخيم محفورةٌ باليد عميقة بعض الشيء. ولما سألت عنها قالوا لي: هنا في الصحراء الشمس حارة جداً في النهار والبرد قارس جداً في الليل. ولهذا قمنا بحفر حفرٍ بالأرض لكي ندفن فيها أجسام أولادنا في الليل (ما عدا رؤوسهم طبعاً) حتى يستدفئوا، وهكذا لا يموتون من كثرة البرد في هذا العراء. لا نملك بطانيات أو حرامات نغطيهم بها فصارت نُقَرُ الأرض مأوىً لأجسادهم الضعيفة. نزلت دموعي من عيني وقلت:

أين العولمة والتكنولوجيا وحقوق الإنسان؟ أين الكنيسة من عذاب الأطفال والشيوخ والنساء؟

عندها اتصلت بالإخوة لكي يعرِّفوا الآخرين عن الوضع المتدهور في المخيمات. وأتانا العون حالاً، وتأمَّن عددٌ كبير يفوق الألفين من البطانيات لستر أجساد الأطفال بها في ليل الصحراء القاسي.  نعم الدفن من أجل التدفئة هذا ما توصَّل إليه عقلُ الإنسان في القرن الحادي والعشرين.

وبينما نحن هناك نمد يد العون ونحاول بقدر الإمكان سدَّ الاحتياجات الضرورية للشيوخ والنساء والأطفال الذين يشكِّلون معظم أهالي المخيمات جاء بعض الشباب المسلَّحين وسألوا الشيوخ قائلين:

-   هناك أشخاصٌ دخلوا المخيم هنا وهم غرباء فأين هم؟ ارتبك الشيوخ وارتاعوا وراحوا يقولون لهم:

-   لا ليس من أحد هنا. عادوا وأصرُّوا على طلبنا وقالوا:

-   نريدهم حالا. أطلِعوهم. عندها قلت وبصوت جريء:

-   نعم يا إخواني، نحن الضيوف. فقالوا:

-   ومن أين أتيتم؟

-   توقفت للحيظة، وأرشدني روح الرب لأقول هذه الجملة:

-   أتينا من الكنيسة. فقالوا:

-   تفضلوا تفضلوا.. ورحبوا بنا جداً. فارتحنا جميعاً وجلسنا. لكن لماذا قبلونا يا ترى عندما علموا أننا أتينا من الكنيسة!؟ تساءلت بيني وبين نفسي. وسرعان ما تبيَّن لنا أن شباب المخيم المسلحين تلقُّوا أطناناً من الدجاج المطبوخ من إحدى المنظمات الإنسانية غير المسيحية قبلاً. وصلت هذه المعونات إلى الخرطوم العاصمة فأُودِعَتِ المخازن لمدة أسبوع. ولما نُقلت إلى دارفور وُضِعَت أيضاً في المخازن لمدة أسبوع آخر. وعندما وُزِّعت على الناس في المخيمات وأكَلَها الكبار والصغار، تسمَّم الكثيرون منهم ومات الواحدُ تلوَ الآخر وخاصةً الأطفال. فأمر المسلحون عندها بألا يقبلوا أيةَ معونات وبأيِّ شكلٍ أتت من أي منظمةٍ غير مسيحية. ومن بين ما قالوه لنا:

-   أنتم الذين تجلبون الطعام النظيف والمعونات مشكورين، لنا ولأولادنا وشيوخنا. وعليه فتحَ الربُّ الباب أمام الكنيسة لكي تكون عنصراً فعالاً في إظهار رسالة المسيح المقروءة للناس. لأنَّ الكنيسة خرجت من دائرة الأمان بقوة الإيمان إلى العالم المحتاج، ومدت يدها بكأس ماء بارد للعطشان، وكست العريان، وأطعمت الجوعان.

دخل المرسلون إلى أفريقيا منذ مئات السنين، فواجهوا جميعاً مرض الملاريا الخطير، والكثير منهم الموت، لكن على الرغم من ذلك فإنَّ الإرساليات لم تتوقف عن بعث المزيد من المرسلين إلى أفريقيا. حتى إن أحدهم قال مرةً:

-   إذا متنا فدعونا نموت. لكنْ، هناك شيءٌ واحدٌ وضعناه نصبَ أعيننا ألا وهو أن نرى الإنجيل يصل إلى كلِّ أصقاعِ أفريقيا؟ نريد أنَّ أفريقيا تخلص. فإذا كان هذا موقف غريبٍ أتى بلادنا ووطئ أرضنا، فكم بالحري أنا ونحن؟ هذا ما قلناه في كنيستنا ونحن نراجعُ حساباتنا ونقيِّم عملنا. وشعرنا أن الله يريدنا أن نبشِّر بكلمته في وقت مناسب وغير مناسب. أن نذهب إلى الضالين ونعيد الخراف إلى الحظيرة. كنا سابقاً ننتظرُ أن تنتهي موجة العنف والاجتياح الديني، لكنَّ هذا لم يحدث. وعلمنا أنه علينا نحن أن نخرج من دائرة الأمان لنبحث عن النفوس المحتاجة. وهكذا بدأنا نخرج قادةً وأفراداً. البعضُ منا عُذِّب، والبعض الآخر اضُطهد وآخرون استشهدوا وسبقونا إلى المجد بسبب ذلك. لكنَّ هذا لم يُثنِنا عن عزمنا. صلينا بحرارةٍ حتى الشيطان لا يُسكت شهادتنا في أي زمن. وكان الرب وما زال يؤيد خدمتنا بالآيات التابعة. نطلع إلى الشارع ونعلن الكلمة. ونَعرِضُ فيلم يسوع في الشوارع، إلى أن اقتادونا في إحدى المرات إلى السجون. وهناك علَّمنا المساجين الترنيم. فانزعج منَّا ضباطُ السجن. وقالوا لنا أن نتوقَّف عن ذلك. لكنَّ المساجين ظلُوا يرنمون. فأخرجونا. وأوصونا بألاَّ نبيعَ الكتبَ المقدسة وألاَّ نعرِض على الناس فيلم يسوع. قلنا نعم. لكننا في اليوم التالي كنَّا هناك، ولسانُ حالنا نريد السودان للرب يسوع. لم نأبهْ بالاضطهاد، بل ازددنا حماساً وجرأة.

وختم جيمس زيارته لنا بهذه الكلمات المشجعة قائلاً: أحبائي إنَّ أموراً كثيرة تحصل في عالمنا تريد أن تُلهينا عن المأمورية العظمى التي أمرنا بها الرب مخلصنا وتنسينا دعوته لنا. لكنَّ بولس يعود ليذكِّرنا أن نعكِفَ على البشارة في وقت مناسب وغير مناسب. ودعونا لا ننتظر الوقت المناسب فقط لأنه لن يأتي.

-   "أنا ماشي إلى دارفور يعني أنا ماشي إلى دارفور وليس هناك من تراجع" هذا ما قلته. وسلَّمت عائلتي بين يدي الرب وذهبت. وأنتم هل تذهبون؟ هل ترون الحاجة؟

التقيتُ في إحدى رحلاتي خارج السودان امرأة عجوزاً كانت تخبز البسكويت وتبيعه وترسل ريع البيع البسيط إلى أطفال السودان المحتاجة. ولمَّا عرفت عني قامت وعانقتني بقوة وهي في التسعين من عمرها وردَّدت كلمات قليلة قائلة:

-   الآن يا رب تقدر أن تطلقني لأنني رأيت بعيني خادماً من السودان. فبكيتُ لهذا المشهد. وقلت في نفسي:

-   إذا كانت هذه المرأة الغريبة عن السودان تتكلم هكذا، فما بالُنا نحن السكان؟! فهل نترك دائرة الأمان التي نعيش فيها ونخرج إلى العالم المحتاج ونكون له رسالة المسيح المقروءة؟! هذا هو التحدي الحقيقي.

 كانت هذه حصيلة اختبارات شارك بها أحد القساوسة السودانيين في كنيسة المجتمع العربي المسيحية في غلنديل، كاليفورنيا.

محتويات

المجموعة: 200708

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

140 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10473037