Voice of Preaching the Gospel

vopg

شباط (فبراير) 2007

سؤال محيّر مطروحٌ أمامي يقول: ”قرأتُ في التوراة وعرفت أن شريعة موسى كانت تقضي بمبدأ العين بالعين والسِّن بالسِّن، وقرأتُ بعدها في الإنجيل فلاحظتُ أنه عندما جاء المسيح بعد ألفي عام  تجاوز شريعة العين بالعين والسِّن بالسِّن ونادى بشريعةٍ يغلبُ عليها
التَّسامح، إذ قال: سمعتم أنه قيل للقدماء عينٌ بعين وسن بسن، أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشرّ، لا تردّوا الأذى بالأذى بل تَسَامحوا...  أحبوا حتى أعداءكم وباركوا حتى لاعنيكم وأحسنوا حتى إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم.  ثمّ حين جاء الإسلام بعد حوالي 600 عام، عاد من جديد إلى شريعة العين بالعين والسّن بالسّن التي تجاوزها المسيح.

وكذلك في شريعة الطلاق، فالطلاق كان مسموحاً به شرعاً في التوراة، ولما جاءت المسيحية حَرَّمت الطلاق إلا في حال الخيانة الزوجية، ولما جاء الإسلام أعاد شريعة الطلاق من جديد لما كانت عليه قبل المسيحية“. ثمّ يقول صاحب السؤال: ”فما يحيّرني هنا: هل حقاً أن الله يتعامل مع خلائقه بهذه الطريقة؟ مرةً يسمح بالشيء، ثم يُلغيه وبعدها يعود إليه من جديد؟“ ويقول صاحبنا: ”هذه المعادلة المعقدة حيَّرتني، فماذا تقولون أنتم؟  هل لديكم من توضيح؟“

 

 توقفتُ لبعض الوقت عند رسالة الصديق أتساءل مع نفسي لأجدَ ما أُجيبَ به فوجدتُ نفسي في حيرة، فسؤاله صريح، والتساؤل يمسُّ نواحي دقيقة وحساسة، وكأنه يضع الأديان في قفص الاتهام، ورسالتنا رسالة سلام. فلو كان في السؤال دعوة للحوار، فالحوار مشروع. أمّا بخصوص الشريعة الموسوية، فهي شريعة ربانية، وتميّزت بأنها كانت أول شريعة من عند الله تُكتب في كتابِ وحيٍ وتُنشر بين الناس.  وكان لها ضرورة في زمنٍ سادت فيه الوثنية، وعاش الناس حينها في فوضى، فلا من شريعة قبلها، ولا نظام ولا عدالة، ولا أحكام تنصف الضعيف أو تردُّ الأذى عن المظلوم، فجاءت الشريعة الموسوية في أجواء الفوضى تلك لتشجع المؤمنين بالله أن يتحصّنوا بما يُمكّنُهُمْ من مواجهة الخصم بلا لين أو مهادنة، فاللين يُفسَّرُ ضعفاً، والتسامح يفسّر استسلاماً، فعليهم أن يشحنوا أنفسهم بالقوة والتّحفّز وكراهية الطرف الآخر لئلا يتجرأ العدو ويتجنّى عليهم، فجاءت الشريعة لتقول: تحب قريبك، وتبغض عدوّك، والعين بالعين والسن بالسّن.

واستمرّ الوضع هكذا مع الشعب القديم إلى أن جاء المسيح، فهو وُلد وعاش في ظلال الشريعة الموسوية. وعندما بدأ بنشر تعاليمه، أشار إلى الشريعة الموسوية في أكثر من مناسبة ولم يرفضها بل بنى فوقها ووسَّعَ البناء. فطعَّمها بنقلة نوعية ضرورية، تتلاءم مع معطيات رسالته التي استهدفت العالم بأسره وتدعو للسلام والوئام والحب والتسامح وعدم ردِّ الأذى بالأذى بل نبذ الخصام والانتقام والثأر من الخصم.

وبتوضيحٍ آخر فالشريعة الموسوية كانت شريعة تخص شعباً واحداً يؤمن بوحدانية الله محاطاً بشعوبٍ وثنية تعيش في فوضى أخلاقية، القويّ يأكل الضعيف، فأعطاهم الله شريعة تتناسب مع الأحوال المحيطة. لكن عندما جاء المسيح جاء يحمل رسالة الفداء والمصالحة بين الله والإنسان، ورسالته تستهدف جميع شعوب الأرض بلا استثناء، وتحث على السِّلم، والحب، والتسامح، والانفتاح، والتآلف بين الشعوب التي تستظل برسالته.

وفي محاولة توضيح ما بلوره المسيح في الشريعة الموسوية، شبَّهَ أحد المفسِّرين الشريعة الموسوية بكأس، والكأس فيه ماء، وعندما جاء المسيح، أمسك بالكأس ولم يُفرغه ممّا فيه، بل سكب فوقه وملأه حتى الفيض! فصار للماء مذاقٌ جديدٌ مستحبٌّ لجميع الناس، لا يخص شعباً واحداً دون الآخر!... ومن هنا جاءت الرسالة المسيحية رسالة انفتاح على العالم أجمع.

والملاحظ أنه عندما انتشرت رسالة المسيح قالت الشعوب عنه بأنه رسول السلام. هذه تسمية جميلة، ومع أنها ليست من الإنجيل لكنها صحيحة تنسجم مع رسالته، فالمسيح جاء برسالة سلام ومصالحة، فبذل نفسه فدية على الصليب ليُصالح الإنسان مع الله، وبالتالي يصالح الإنسان مع أخيه الإنسان. فَمَنْ قبِلَ رسالةَ المصالحة هذه لا يعوزه أن يعودَ لبنود شريعة كان لها ضرورة في زمن الوثنية، زمن الفوضى العارمة في أيام العهد القديم، ولذلك قال: سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوّك، أما أنا فأتيت لأصالحكم مع الله، وأصالحكم مع بعضكم البعض، لذا فأقول لكم من الآن: تسامحوا وأحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم. ثم قال الوحي فيما بعد: إذا جاع عدوّك فأطعمه وإن عطش فاسقه، فأنت بذلك تجمع جمر نار على رأسه، أي أنك بهذا التصرف وهذا التسامح تذيب عدوانية خصمك وتقدم له أفضل مثال للتسامح والتعامل الإنساني.

وهنا أقول للقارئ الكريم إنَّ أفضل دراسة لشريعة المسيح ننصح بها هي أن تبدأ بدارسة العظة التاريخيَّة الرائعة التي نطق بها المسيح على مسمعٍ من الجموع دوّنها إنجيل متى في الأصحاح الخامس والسادس والسابع، وتسمّى "بالعظة على الجبل"، وقال فيها: لا تظنوا أني جئتُ لأنقض الناموس أو الأنبياء (والناموس هو شريعة موسى، أما الأنبياء فهم أنبياء التوراة)، فالمسيح ما جاء لينقض بل ليبني على ما سبقه، لأن مسيرة الله مسيرة واحدة، والإله الذي نعبده لا يتنقَّل مع الزمن من دين إلى آخر، أو من عقيدة يلغيها إلى عقيدة أخرى يثبتها، فديانة الله ديانة واحدة عبر كل العصور، من زمن آدم وحتى يوم القيامة.

الناس يقولون: هذا دين وذاك دينٌ آخر، لكن الحقيقة أن الدِّين في نظر الله مسيرة واحدة، فمصطلحات الناس تختلف عن مصطلحات الله، والغالبية الساحقة من الناس لا تفطن لهذه الحقيقة...

بقي لدينا أن نجيب عن سؤال آخر من نفس الصديق صاحب السؤال المطروح يسأل فيه عن الطهارة في نظر المسيحية، فنقول: الطهارة في المسيحية ليست طهارةَ اليدين والرجلين والجسد، فتلك نظافة في نظر المسيحية ولا ترقى لمستوى الطهارة لأن مصطلح الطهارة مصطلح روحي، أما النجاسة فهي نجاسة القلب الذي تصدر عنه القرارات الخاطئة.  والمسيح تحدّث عن الطهارة والنجاسة وأعطاهما مفهوماً واضحاً فقال: ليس ما يدخل الفم يُنجس الإنسان بل ما يخرج من الفم ينجس الإنسان، أما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر وذاك ينجس الإنسان، لأن من القلب تخرج أفكار شريرة: قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف، وهذه هي التي تنجّس الإنسان. فالمسيحية ترى أنه لو اغتسل الإنسان بكل أنواع المطهرات والمعقمات من ماء وغيرها، وبقي القلب في خُبثهِ، وكراهيتهِ، وعُدْوانيتهِ، وأطماعه، وشهواته يبقى غير طاهر، فالله إله النوايا وليس إله الشكليات.. لا تخدعه المظاهر. يقول الله في الكتاب المقدس: "يا ابني أعطني قلبك".  فهو يريد قلبك.. وقلبك هو جوهر كيانك.

فطاعة لهذا التعليم ركزت المسيحية لا على شكليات المظاهر الخارجية في العبادة بل على السلوك الإنساني كحسن التعامل مع الآخرين، وصدق اللسان، والإخلاص في العمل، والمحبة، والتراحم، والتسامح مع كل طوائف الناس على أساس أن البشرية وحدة واحدة يلزمها أن تتعايش مع بعضها البعض لخير الإنسانية جمعاء.

المجموعة: 200702

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

276 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10561995