Voice of Preaching the Gospel

vopg

اذار (مارس) 2007

دخل معرض الثياب وابتدأ ينظر يمنة ويسرة، رأته سَمَر وأدركت حيرته، ثمّ اقتربت منه تعرض عليه المساعدة. قال لها بهدوء، نعم أحتاج عوناً، فزوجتي هي التي تقوم بشراء الثياب لطفلنا، ولكن اليوم هذه مهمتي. أريد طقماً رسمياً حلواً أبيض لطفل عمره ثلاث سنين.

 

قادته سمر بلطف إلى قسم الثياب الولادية. ابتدأت تريه الطقم تلو الآخر، وكبائعة ماهرة، أخذت تشرح له كل ما هو جميل في كل منها. لكن الزبون بدا غير مأخوذ بأي منها. انتقت منها طقماً وقالت، "هذا الطقم يا أستاذ سيعجب زوجتك جداً، وسيبدو ابنكما فيه أروع الأولاد. إن لم يكن القياس مناسباً، يمكن أن يأتي ويقيس غيره."

لا، شكراً، ولم يستطع هنا أن يحجب دموعه وقال، "يا سيدتي، لقد توفي ابننا البارحة، وأنا أشتري له طقماً لا ليعيّد فيه وإنما لندفنه فيه."

جرت تلك الحادثة في لبنان منذ مدة قصيرة، وهي ترينا المحبة التي لا تتوقف عند الموت، والرغبة في إعطاء المحبوب أفضل الموجود. وتذكرنا بالأحداث التي رافقت موت المسيح منذ حوالي ألفي سنة. فالمحبة التي يقدمها الإنسان لمن فقده هي سامية؛ ليس فيها مجاملة لأن المحبوب لا يراها، وليست بهدف الانتفاع منه لأنه لا أمل من ردّ صداها.

يتألق ثلاثة أشخاص في قصة موت المسيح ودفنه:

1- يوسف الرامي (أو الذي من الرامة)

صدقت نبوة المسيح عن تلاميذه، "كلكم تشكون فيّ هذه الليلة، لأنه مكتوب: أني أضرب الراعي فتتبدّد خراف الرعيّة" (متى 31:26). فقد تفرّقوا كل إلى خاصته. هنا ظهر يوسف وأضاء ولاؤه في ليل يوم الصلب إذ تقدم بكل جرأة إلى الوالي الروماني "فتجاسر ودخل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع" (مرقس 43:15). لم يكن يوسف من الاثني عشر تلميذاً، ولم يرد ذكر اسمه قبل هذه الحادثة. ولكن الكتاب يعرّف بأنه مشير (لوقا 50:23؛ مرقس 43:15) وكلمة "مشير" تترجم أيضاً بعبارة "عضو في المجمع،" أي في السنهدريم،  ومنتظر لملكوت الله (مرقس 43:15)، ورجل صالح وبار (لوقا 50:23)، وأنه تلميذ ولكن خفية بسبب الخوف من اليهود (يوحنا 38:19). أين تلاشى الخوف يا يوسف؟ أظنه يجيب، "أحبّني حتى الموت، فكيف لا أحبه؟ قدّم حياته من أجلي؛ أكثير إن قدّمت له الأكفان؟" فذلك التلميذ الذي تبع المسيح سراً صار الآن بطلاً جريئاً، ولم يتوانَ عن التكلم مع من أعدم سيده لطلب إذن بدفنه حسب التقاليد المتبعة. كان يوسف غنياً (متى 57:27) ولكنه قد هيأ لنفسه قبراً وهو حي، "أخذ يوسف الجسد ولفّه بكتان نقي، ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة" (متى 60:27). يبني معظم أغنياء هذا الدهر قصوراً ليتمتعوا فيها، أما أن يبني الغني قبراً لنفسه فهذا دليل على استعداده للموت ومعرفته بأنه في غربة على هذه الأرض. لقد تحققت نبوة إشعياء عن المسيح، "وجُعل مع الأشرار قبره، ومع غنيٍّ عند موته" (9:53).

2- نيقوديموس

وهو الذي جاء إلى المسيح ليلاً في أول زيارة (يوحنا 39:19). ومع أنه معلّم ورئيس لليهود إلا أنه جاء مثل الطفل بأسئلته وعنده روح المتعلم. ربما آمن نيقوديموس بعد تلك الحادثة، ويعتقد كثيرون أن الإشارة هي إليه في كلمات يوحنا "آمن به كثيرون من الرؤساء أيضاً غير أنهم لسبب الفريسيين لم يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع، لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله" (42:12، 43). فكيف إذاً زال خوفه من الناس؟ لقد رأى نيقوديموس أن ما قاله المسيح تمّ حرفياً، "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرْفَعَ ابن الإنسان لكي لا يهلكَ كلُّ من يؤمنُ به بل تكونُ له الحياة الأبدية" (يوحنا 14:3-15). فهو يعرف أكثر من غيره قصة الحية النحاسية التي رفعها موسى في القديم، وأن كل من لدغته الحية في البرية ونظر إلى الحية النحاسية كان يبرأ للحال، وهكذا سيُرفَع المسيح ليكون شفاء لمن ينظر إليه بالإيمان فيبرأ من لدغة الحية القديمة أي الشيطان (رؤيا 9:12). كيف ظهرت محبة نيقوديموس وتقديره للمسيح؟ كان اليهود يضعون الأطياب مع جثمان الميت، ولكنه اشترى مئة مناً من الأطياب. إن بَحَثـْنا في هذه الوحدة الوزنية نجد أن الكمية تعادل أربعين كيلوغراماً. وإذا عرفنا أن مريم أخت لعازر قدمت للمسيح مناً واحداً من طيب الناردين ثمنه ثلاثمئة دينار (يوحنا 3:12-5) أي أجرة عامل لسنة كاملة، سنجد أن ما قدمه نيقوديموس يعادل في أيامنا هذه عشرات الألوف من الدولارات. يذكر المؤرّخ يوسيفوس أنّ أونكيلوس اعتبر غمالائيل معادلاً لعشرة ملوك فأعدّ له في دفنه 80 مناً من الأطياب لتكفينه بما يليق بملك عظيم. هكذا نرى بأنّ نيقوديموس أدرك أنّ يسوع هو المسيح الملك الحقيقي وأراد أن يدفنه دفناً ملوكياً يتناسب مع مقامه. ذاك الذي أتى في البداية إلى يسوع ليلاً (يوحنا 1:3-3) نراه عند الصليب يعلن إيمانه جهاراً بشخص الملك المعلّق. ومن الجدير بالذكر أن اليهود كانوا تحت نواميس التطهير لا يمسون ميتاً لأن ذاك نجس، فما أعجب المحبة التي أظهرها يوسف ونيقوديموس حين حملا جثة المسيح المضرجة بالدماء غير مبالِيَيْن بتقليد اليهود وعاداتهم، بل موقنَيْن أن هذه الدماء بعينها هي نبع الطهر والقداسة.

3- مريم المجدلية

يذكرها الكتاب مع عدد من النساء ولكن يسلّط الضوء أكثر عليها حين مضت إلى القبر والظلام باقٍ، ويذكر لنا حديثها مع الملاكين اللذَيْن لم تميّزْهما. قالت لهما بدموع، "إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه؟" (يوحنا 13:20). من الذي يدعو ميتاً بأنه سيد؟ هذا هو الولاء بعينه. فمريم التي غفر لها المسيح كثيراً إذ أخرج منها سبعة شياطين (لوقا 2:8)، تبعته أثناء خدمته على الأرض مع نساء كثيرات كنّ يخدمنه من أموالهنّ (لوقا 3:8).

مكافأة المسيح لمن أظهروا محبتهم له في موته

يوسف: لقد بقي ذكره خالداً في الأناجيل الأربعة، والقبر الذي قدّمه للمسيح لم يكن إلا عيرة ورجع له! أليس هذا درساً لنا؟ هل نقدّم لله شيئاً؟ إنه الكريم الذي لا يدين لإنسان بشيء.

نيقوديموس: لم يفسد جسد المسيح، ولم يحتج إلى الأطياب، لقد قام قبل ذلك، وبقيت الأطياب مع الأكفان. وهو أيضاً ينادى باسمه عبر العصور بسبب عمله المضحي.

مريم: يكفيها امتيازاً هذه الكلمات الرائعة، "وبعدما قام باكراً في أول الأسبوع ظهر أولاً لمريم المجدلية... فذهبت هي وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون" (مرقس 9:16-10). لقد نصّبها المسيح أول سفيرة لبشارة العهد الجديد، "اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم" (يوحنا 17:20).

لقد أحبنا حتى الموت، موت الصليب، فلنبادله الحب. كانت فرصة محبته وهو ميت فرصة عابرة استفاد منها قلائل، أما الآن فالفرصة للملايين لكي يردوا صدى حبه المتفاني العجيب.

المجموعة: 200703

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

217 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10561566