Voice of Preaching the Gospel

vopg

اذار (مارس) 2007

تحدّثنا في الحلقات السابقة عن أسماءٍ وألقابٍ للمسيح، وركزنا في البحث على ما تحمله تلك الأسماء من معاني تشير إلى هوية المسيح والعمل الذي تجسّد لأجله، ومن يطلع على الإنجيل بقراءة حثيثة يُلاحظ أن المسيح تقبّل الأسماء والألقاب التي نُسبت إليه، وهو شخصياً ردّدها وأكَّد عليها، ونشير هنا إلى نماذج منها فيما يلي:

 

يحدّثنا إنجيل مرقس في الأصحاح الحادي عشر بأن يسوع أرسل اثنين من تلاميذه إلى قريةٍ قريبةٍ من أورشليم تدعى بيت فاجي، وقال لهما: اذهبا إلى القرية التي أمامكما، وعندما تدخلانها تجدان جحشاً مربوطاً لم يجلس عليه أحدٌ من الناس، فحلاّه وأتيا به، وإن قال لكما أحدٌ لماذا تفعلان هذا، قولا: "الربُّ محتاجٌ إليه"، فذهبا ووجدا الجحش، وبينما هما يحلاّنه، اعترضهما أناس بقرب الموضع، فردّا عليهم بما أوصاهما يسوع، "الربُّ محتاجٌ إليه".

هنا نلاحظ بوضوح أنّ المسيح نسب الربوبية لنفسه، والتلميذان حملا العبارة نفسها "الربُّ محتاجٌ إليه"، ونقلاها إلى أصحاب الجحش، وأولئك سمعوها والأمور سارت كأمرٍ واقعٍ لا جدال حوله.

وفي حادثة أخرى يطلعنا عليها إنجيل يوحنا الأصحاح التاسع عن رجلٍ وُلِدَأعمى، فمرّ به يسوع يوماً وأراد أن يشفيه، فتفل على الأرض، وصنع من التفل طيناً وطلى عيني الأعمى، وقال له: اذهب اغتسل في البركة القريبة، فشقَّ الرجل طريقه إلى البركة المسمّاة بركة سلوام، واغتسل وعاد بصيراً. وكان ذلك في يوم سبت، فانزعج قومٌ متعصبون من اليهود هم الفريسيون واشتكوا على الرجل الذي شُفِيَ فحاوره رؤساؤهم بحدّة لأن العملية تمّت في يوم سبت، ففي عُرْفهم لا يجوز العمل في هذا اليوم من الأسبوع حتى ولو كان عملاً إنسانياً كهذا. وكأن التاريخ يعيد نفسه، فمشكلة المتطرفين من المتديّنين من أيّ عقيدةٍ كانوا، حين يتوسعون في التفسير لدرجة التطرُّف يفرضون رأيهم على الآخرين ليصبح وكأنه هو الحق بعينه، ومن يُخالفهم فهو زنديق كافر. فاليهود هنا في حوارهم الحادّ مع هذا الرجل سألوه:

ماذا تقول أنت في هذا الذي شفاك؟فقال: لا بدّ أنه نبي لأنه لم يُسْمع أنّ أحداً فتح عيني مولود أعمى، فشتموه وحقّروه. وسمع يسوع بذلك، والتقى به من جديد وقال له: أتؤمن بابن الله؟ فقال ذاك: من هو يا سيّد لأومن به؟فقال يسوع: الذي يتكلم معك هو هو. فردّ الرجل وقال: أؤمن يا سيّد وسجد له! فالمسيح في المشهد الأول كما سمعناه قال عن نفسه أنه الرب وفي المشهد الثاني قال عن نفسه أيضاً أنه هو ابن الله!

فالعبارة الأولى والثانية رفضهما اليهود بشدة، وقاوموا المسيح بعنفٍ حتى أدّى ذلك إلى تسليمه للصلب، إلا أن الذين فتحوا قلوبهم له وعرفوا هويته وآمنوا حقاً أنه هو الرب وهو ابن الله، والعارفون بالنبوَّات في أسفار التوراة يعرفون أن ما قاله عن نفسه هو حق تشهد له أسفار الوحي.وكمثالٍ على ذلك ما ورد في المزمور الثاني المنسوب إلى داود النبي إذ يقول هناك: "فالآن يا أيها الملوك تعقّلوا. تأدّبوا يا قضاة الأرض. اعبدوا الرب بخوفٍ واهتفوا برعدة. قبّلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق. لأنه عن قليلٍ يتّقد غضبه. طوبى لجميع المتكلين عليه".هذه النبوة عن المسيح وردت قبل ميلاده بعدّة مئات من السنين.

وهناك إشارة أخرى في الأصحاح الثلاثين من سفر الأمثال، يشير فيها إلى قدرة الله بأسلوب التساؤل والاستنتاج فيقول: "مَنْ صعد إلى السموات ونزل؟ مَنْ جمع الريح في حفنتيه؟ مَنْ صرَّ المياه في ثوبٍ؟ مَنْ ثبّت جميع أطراف الأرض؟" من الطبيعي هنا أنه يتحدّث عن الله القدير، ثمّ يُنهي حديثه بقوله: ”مَنْ ثبّت جميع أطراف الأرض؟ ما اسمه وما اسم ابنه إن عرفت؟“

وفي مشهدٍ ثالث من مشاهد التوراة نجده في المزمور المئة والعاشر، حيث يبدأ هذا المزمور بالقول: "قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك". ويتساءل البعض: هل هناك ربَّان يتحدّثان مع بعضهما البعض أم ربٌّ واحدٌ؟! والمسيح في إنجيله استشهد بهذه الكلمات في إنجيل متى الأصحاح الثاني والعشرين بقوله: ”وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع (عن نفسه) قائلاً: ماذا تظنون في المسيح؟ ابْن من هو؟“ سؤال المسيح هنا واضح وصريح، ابن من أنا؟ قالوا: ابن داود - والمسيح فعلاً حسب الجسد جاء من نسل داود، فردّ عليهم بقوله: فكيف يدعوه داود رباً حين قال: قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك؟! فإن كان داود يدعوه ربّاً، فكيف يكون ابْنَهُ؟! سؤالٌ محيّرٌ طرحه عليهم ليضعهم على المحك! فلم يستطع أحدٌ أن يجيبه وبقي الإبهام يخيّم عليهم.

فالمسيح هنا أولاً: نسبَ نبوة داود تلك إلى نفسه!... ثمّ ثانياً: أكّد على أنه هو ربّ داود، مع أنه كابن الإنسان جاء من نسل داود، أما عن ماذا يعني القول: قال الرب لربي، فنجيب إنّ من المؤكّد أن داود هناك لا ينطق عن هوىً بل كان مسوقاً بروح الله وينطقُ بكلام موحىً إليه، ومع ذلك لو سُئل داود في حينه عن رأيه في ما قاله، لما استطاع أن يفسّره، فهو يؤمن بربٍ واحدٍ، وهو من سبق وقال: "السموات تحدّث بمجد الله، والفلك يُخبر بعمل يديه"، وحتى اليهود في جميع أجيالهم ما كان باستطاعتهم أن يعطوا تفسيراً لهذا اللغز... فاليهودية كما المسيحية كلاهما يؤمن بوحدانية الله وأنّ لا إله سواه...وبقي هذا تحت غطاء الإبهام إلى أن أشرقت شمس البرّ والشفاء في أجنحتها، حين جاء المسيح فتوضحّت الحقيقة في نور الإنجيل، وعرفنا هناك أن الله واحدٌ في ثلاثة أقانيم "الآب والابن والروح القدس" إله واحد!وعرفنا أيضاً أن أيّاً من الأقانيم الثلاثة هو الله، لكن الله واحدٌ لا ثاني ولا ثالث له!

ولمزيدٍ من التوضيح أعطي مثالاً مبسطاً: فأنت - عزيزي القارئ - شخص واحدٌ، لكنك في ذاتك تركيب من أمور ثلاث هي: نفسك وروحك وجسدك، وكلّ واحدة منها هي أنت، فلو افترضتُ أنّ اسمك عبد العزيز، فنفسك في داخلك هي عبد العزيز، وروحك التي ستنطلق إلى الأبدية بعد عمرٍ طويل هي عبد العزيز، وجسدك الذي بعد الوفاة سيدفن في التراب هو عبد العزيز، فروحك في الأبدية هي عبد العزيز، وجسدك في قبره هو عبد العزيز، وبنفس الوقت أنت عبد العزيز واحد!....

فقول داود: قال الرب لربي إشارة إلى كيان الله في الثالوث الأقدس: الآب والابن والروح القدس في ذات الله الواحد.فالآب هناك قال للابن. فقيل: قال الرب لربي، وهذا تمّ ضمن لاهوت الله الواحد، وكما تتحدّث أنت يا عبد العزيز مع ذاتك وتحاور ذاتك، كذلك الآب والابن والروح القدس في كيان الله الواحد يتحادثون ويتحاورون ولذلك قيل: قال الرب لربي.وبنفس هذا المعنى: الآب في السماء أرسل الابن (المسيح) إلى الأرض ليفدي البشرية وبعده أرسل الروح القدس إلى الأرض ليُنبّه الناس إلى الحق، وليشُدَّ من أزْرِ المؤمنين.هذه عقيدة فهمناها وآمنَّا بها كمسيحيين لأنها تستند على إعلانات الوحي، والمُخْلِص في التعرّف على الحقيقة يستسهل فهمها والوصول إليها.

المجموعة: 200703

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

79 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10475411