Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيار (مايو) 2007

تتداخل في حياة الناس على هذه الأرض نواميس كثيرة لا حصر لها، ويجتازون في ظروف مختلفة الأشكال تجعل لكل منهم طابعاً خاصاً به لا يشاركه فيه أحد آخر. وقد رتّب الله كل هذا بحكمته السرمدية ليجعل الإنسان متمتعاً بنعمة الحرية، وحرية الفكر، وحرية الإرادة، وحرية السلوك. وفوق كل تلك الحريات تبقى عين الله ساهرة تراقب وتقارن بمقاييس ليست من هذه الأرض وخارجة عن نطاق الفكر البشري المحدود.

 

ففي كثير من الحالات يتخيّل المرء أن أوضاعاً معينة تفرض نفسها عليه بقوة فتجعله رهينة ظروف قاسية تعجزه عن فعل شيء ما لمساعدة الآخرين فيما هو نفسه محتاج إليه... ولكن، لماذا يتوقع الله من البشر الضعفاء والعديمي الجدوى أن يشتركوا في تحقيق مقاصده الإلهية وهو القادر وحده على إبداع كل شيء بكلمة؟

وبدراسة كلمة الله نستطيع أن نفهم بعض مقاصد الله العظيمة في إشراك بعض عبيده الضعفاء في تحقيق هذه المقاصد بما لا يقاس مع قدرتهم الجسدية أو سعتهم المادية، فنقرأ عن أناس فقراء قدّموا عطايا زهيدة فعملت عملاً معجزياً إذ وُضعت في يد الله القديرة!! ولنتأمل في بعض تلك العطايا:

أولاً- عطية الفقير (1ملوك 8:17-16)

بعد أن تنبأ إيليا النبي أمام الملك الشرير أخآب بامتناع المطر عن الأرض ثلاث سنوات ونصف، وخشية المساس بنبيه فقد أرسله إلى نهر كريت وأمر الغربان أن تعوله. وبعد أن جفّ النهر أرسله إلى صرفة صيداء، ولكن لم يكن المعيل هناك سوى أرملة لها ولد وحيد، ولم يبقَ لهما شيء من الرزق سوى قليل من الدقيق في الكوار ودهنة زيت في الكوز!! فما الذي حدث بعد ذلك، وما هي الخلاصة والعبرة؟

1- لم يحتجّ إيليا على تدبير الرب بإرساله إلى أرملة فقيرة كما لم يحتجّ من قبل على تناول ما كانت تأتيه به الغربان وهي نجسة في نظر الناموس.

2- كان طلب إيليا أن تعمل له كعكة صغيرة أولاً، ثم تعمل لها ولابنها أخيراً.

3- لم تتردّد المرأة بإجابة طلب رجل الله بعد أن سمعت الوعد الإلهي على فمه فأعطته النصيب الأول ثم أكلت هي وابنها ما تبقّى لهما.

4- قَبِل الرب تلك العطية الصغيرة فحوَّلها إلى كنز كفى لإعالتها مع وحيدها وضيفها طيلة سنوات الجوع حتى أعطت الأرض غلّتها من جديد!

ثانياً: عطية الصغير

 رجع التلاميذ يوماً من جولة تبشيرية أرسلهم بها سيدهم فكانوا متعبين وجائعين، كما كانوا حزانى بسبب مقتل يوحنا المعمدان الذي كان بعضهم تلاميذ له من قبل. وقد طلب الرب منهم أن يأتوا إلى موضع خلاء ليستريحوا ويأكلوا طعاماً، ولم يمض وقت حتى عرفت الجموع الموضع فتوافد الكثيرون من المدن والقرى المحيطة. ويخبرنا العهد الجديد قائلاً: ”فلما خرج [يسوع] أبصر جمعاً كثيراً فتحنّن عليهم وشفى مرضاهم. ولما صار المساء تقدم تلاميذه قائلين: الموضع خلاء والوقت قد مضى، اصرف الجمع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاماً. فقال لهم يسوع: لا حاجة لهم لأن يمضوا، أعطوهم أنتم ليأكلوا“ (متى 14:14-16).

وبعد نقاش حول تدبير ما يمكن أن يقدم لتلك الجموع تبين أن ما كانوا قادرين على تأمينه هو خمسة أرغفة شعير وسمكتان. والبشير يوحنا يخبرنا عن مصدرها: ”قال له واحد من تلاميذه وهو أندراوس أخو سمعان بطرس: هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان، ولكن ما هذا لمثل هؤلاء“
(يوحنا 9:6). ويخبرنا الكتاب المقدس أن عدد الجمع كان يقارب خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد! وتلك عطية صغيرة من غلام صغير!

خلاصة وعبرة

1- نستطيع أن ندرك بالذهن أنه كانت خلف هذا الغلام أم فاضلة أعدت لولدها طعاماً يكفيه ليوم وأكثر كي يتبع المسيح ويسمع كلامه المعزي، ويرى آياته الباهرة.

2- كان ذلك الغلام منشغلاً بالاستماع لكلمات الرب ومبتهجاً بلقائه فلم يشعر بالجوع، لذا بقيت الخبزات كاملة لم تكسر!

3- وحين سمع نقاش التلاميذ حول الحاجة لتأمين الطعام للجموع قدّم ما بين يديه ببساطة كالأطفال. وبكل نفسه السمحة فضّل أن يعطي طعامه للآخرين.

4- لقد سرّ الرب بأن يأخذ عطية الصغير تلك فيشبع بها ذلك الحشد الكبير، ويا لها من مفاجأة حين بدأ الخبز والسمك يتكاثران بين يدي الرب.

ثالثاً: عطية المحتاج

هذا النوع من العطاء يتخذ شكلاً أكثر ندرة من سابقيه. فنحن في المثال الأول تأملنا في أرملة صرفة صيداء وقد قدّمت قسماً من آخر مقدار من الطعام كانت تملكه، وفي إشباع الخمسة الآلاف رأينا ذلك الغلام الذي قدّم قوت يومه والذي يمثّل بعض ما كان يمكنه الحصول عليه، ولكننا في مثال فلسَي الأرملة حسبما ورد ذكرهما في (مرقس 42:12-44 ولوقا 1:21-4) نرى صورة مختلفة أثارت حتى إعجاب الرب نفسه إذ قد عرف بقوة لاهوته أنهما كانا كل ما تملكه تلك الأرملة بل كل معيشتها. والخلاصة:

1- كان لديها حب العطاء رغم أنها لم تكن تملك إلا اليسير.

2- آمنت فأعطت كل ما تملك معتمدة على قول الرب: ”لا أتركك ولا أهملك“.

3- لم ينظر الرب إلى بريق الذهب ولم يستمع إلى رنين الفضة بمقدار ما نظر إلى أعماق القلب السخي وسمع خفقات الرضا رغم الصعوبة والضنك.

4- أما المعجزة الفائقة الوصف التي نتجت عن تلك التضحية الصغيرة فهي بقاء صورة هذين الفلسين مشرقة على مرّ العصور، جعلت تضحية تلك الأرملة المحتاجة درساً للكثيرين من الأغنياء والفقراء على حدٍّ سواء. فكم من مواعظ قيلت وكم من نفوس تأثرت فأعطت تيمّناً بتلك العطية الحقّة؟

ليت تلك الكلمات التي أكتبها لمجلة صوت الكرازة وتلك التي يكتبها جميع الزملاء الآخرين تضحى عطايا صغيرة من نوع آخر توضع بين يدي الرب الكريمتين لكي يباركها ويمسحها بروحه ويستخدمها لتكون مصدر شبع وارتواء لنفوس الأحباء المحتاجين إلى قوة تحرير وروح تعزية، وثبات، وبدون ذلك تبقى حبراً على ورق ليست له فائدة تُذكر.

قارئي الكريم، كل ما نقدمه ليس هو مصدر بركة بحدّ ذاته، وإنما هو محرّك لنبع البركة الذي هو شخص الرب يسوع المسيح الذي كان أرفع قمة في العطاء إذ أعطانا كل شيء من غناه الذي لا يُستقصى لأنه أحبنا فبذل ذاته لأجلنا، تخلى عن مجده العظيم ونزل لكي يخلصنا بموته الكفاري على صليب العار كما هو مكتوب: ”فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره“ (2كورنثوس 9:8)، الذي تألم لكي يشفينا، وظُلم لكي يحمينا، وأُهين لكي يرفعنا، ومات لكي يحيينا، وماذا نردّ له من أجل كل ما أعطانا؟ جميع عطايانا تبدو لا شيء، ولكنه يفرح بها إذا قُدِّمت بمحبة وسرور، فالمعطي المسرور يحبه الله.

وليت هذا الموضوع يعطينا من هذه الأمثلة رسائل محبة لنقدِّم من قلوبنا وجيوبنا لعمل الرب فلا ننس دعم هذه المجلة لكي تنمو وتتقدَّم حاملة كلمة حق الإنجيل إلى الكثيرين، كما توجد هناك بعض وسائل الإعلام المرئي والمسموع التي تنادي ببشارة الملكوت، فهذه الوسائل تختلف عن عمل الكنيسة من حيث أن الكنائس تتحدث للناس الذين يأتون إليها، ولكن مجلة صوت الكرازة والمحطات التلفزيونية والإذاعية المسيحية تذهب إلى الناس في بيوتهم لتكلمهم عن محبة المسيح وخلاصه، ولتعلِّم أن الرب لا يبقي نفسه مديناً لأحد بل يكافئ ويبارك أضعافاً، وبالنهاية يذخر للمعطي كنزاً سماوياً لا يفنى إلى الأبد والرب يبارك عملكم ويثمر جميع أتعاب بركم.

المجموعة: 200705

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

215 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10559855