Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الأول (أكتوبر) 2007

وقع عشرات القتلى والجرحى في شهر أيار الماضي حين تدافع آلاف الحاضرين نحو الحواجز الأمامية في مسرح سيدي منصور للهواء الطلق في تونس من أجل رؤية مغنٍ مشهور.

 

لم نسمع عن حادث كهذا للاستماع لشاعر عريق ولا لخطيب بليغ. إنه عصر الموسيقى والفن. نعيش في زمان يركض فيه الكل إلى النجومية في الغناء إلى درجة العبادة، حتى أن برنامج انتخاب أجمل صوت في أميركا يسمى American Idol والذي يعني حرفياً "الصنم الأميركي"! ومع النجومية تتسلّط الأضواء على الفنانين باستمرار، فترى كل وسائل الإعلام تحرص على نقل تفاصيل حياتهم حتى فيما يبدو تافهاً: أين أكل هذا المغنّي طعام الغذاء؟ وأين قصّت المغنية الفلانية شعرها! ومن الغريب أن نرى نانسي عجرم مثلاً تتحوّل في الصيف الماضي بين ليلة وضحاها إلى محلّلة سياسية عن الحرب ومواقف الدول، حتى احتلّت المقابلة معها الصفحة الأولى في عدة صحف عربية لمجرّد أنها لم تقبل أن تغنّي في عمان بسبب أحداث لبنان!

وربما نتسرع للقول "هذا صحيح فقط في أجواء العالم". ولكن الحقيقة أنه يوجد أمور مماثلة في الأجواء المسيحية. فترى مئات المؤمنين يتهافتون مثلاً لحضور حفلة ترنيم لأحد المرنمين المشهورين، ولكننا لا نرى نسبة مشابهة ممن يتوافدون للاستماع لواعظ كتابيّ قدير.

يمكنك أن تسأل المكتبات المسيحية عن مبيعاتها، وستعجب لنسبة مبيعات الأشرطة والأقراص المدمجة للترانيم بالمقارنة مع بيع الكتب المسيحية. ما السرّ يا ترى؟

الموسيقى فنّ قديم قدم التاريخ، حتى أنه لا يمكن فصل أصلها عن أصل اللغات. وهي تتمتّع بقوة في التأثير في نفسية الإنسان، وليس ذلك فحسب، بل إن الدماغ البشري يتمكن من حفظ ما هو ملحّن بسرعة تفوق كثيراً ما هو مقروء أو مسموع. ألا تذكر بعض الدعايات المغناة التي سمعتها وأنت طفل؟ لا عجب أن معظم الشركات تستخدم ألحاناً للترويج لمنتوجاتها. وكما تأخذ الموسيقى دورها الفائق في هذه الدنيا فإننا نرى تأثيرها عبر صفحات الكتاب المقدس من التكوين إلى الرؤيا. فلننظر قليلاً إلى دور الموسيقى في الكتاب وكيفيّة استغلالنا لألحانها في بنيان الكنيسة اليوم.

أنواع الأدوات الموسيقية

 تصنّف الأدوات الموسيقية في الإجمال إلى ثلاثة أنواع: 1) الأدوات الوترية، كالعود والقيثارة؛ 2) أدوات النفخ، كالمزمار والبوق والناي؛ 3) الأدوات الإيقاعية، مثل الطبل والدفّ والصنوج. ونقرأ في أول سفر في الكتاب المقدس عما يجمع كل أنواع الأدوات الموسيقية في آيتين. فيوبال "كان أباً لكل ضاربٍ بالعود والمزمار" (تكوين 21:4)، وأخوه توبال "الضارب كل آلة من نحاس وحديد" (تكوين 22:4).

استخدامات الموسيقى في الكتاب

نرى الموسيقى مستخدمة في الكتاب بأربع طرق:

1- العبادة: لقد ترافقت العبادة مع العزف حتى في الأوساط الوثنية، "قَدْ أُمِرْتُمْ... عِنْدَمَا تَسْمَعُونَ صَوْتَ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالسِّنْطِيرِ وَالْمِزْمَارِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْعَزْفِ، أَنْ تَخِرُّوا وَتَسْجُدُوا لِتِمْثالِ الذهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذنَصَّرُ الْمَلِكُ" (دانيآل 4:3-5). وأكثر ما نجد الإشارة إلى استخدام الموسيقى في عبادة الرب في سفر المزامير، ولا سيما المزمور الأخير، "سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ الصُّورِ. سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ. سَبِّحُوهُ بِدُفّ وَرَقْصٍ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ التَّصْوِيتِ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ الْهُتَافِ" (مزمور 4:150-5).  ”احْمَدُوا الرَّبَّ بِالْعُودِ. بِرَبَابَةٍ ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ رَنِّمُوا لَهُ. غَنُّوا لَهُ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً. أَحْسِنُوا الْعَزْفَ بِهُتَافٍ“ (مزمور 2:33-3). عندما تركّزت مملكة سليمان، جلب كميات من خشب الصندل، وعمل منها "َأَعْوَاداً وَرَبَاباً لِلْمُغَنِّينَ" (املوك 12:10).

2- الحروب: فالموسيقى تلعب دوراً في تحميس الإنسان وإلهاب مشاعره. ألم يأمر يشوع الشعب بأن يهتفوا بالأبواق في دورتهم السابعة حول أريحا؟  قال الرسول بولس في معرض تعليمه عن الألسنة، "إِنْ أَعْطَى الْبُوقُ أَيْضاً صَوْتاً غَيْرَ وَاضِحٍ، فَمَنْ يَتَهَيَّأُ لِلْقِتَالِ؟" (1كورنثوس 8:14).

3- المناسبات الاجتماعية: نقرأ أن لابان عاتب يعقوب لأنه لم يعطه الفرصة ليودّعه وبناته، "بالْفَرَحِ وَالأَغَانِيِّ، بِالدُّفِّ وَالْعُودِ" (تكوين 27:31). وهذا يعطينا فكرة عن استخدام الموسيقى في تلك الأيام في الحفلات الاجتماعية. ويرى بعض المفسرين في هذه الرواية دعماً لتعلم العبرانيين للموسيقى السورية التي عرفتها عشيرة لابان. وعندما عاد الابن الضال إلى البيت، سمع أخوه "صَوْتَ آلاتِ طَرَبٍ" (لوقا 25:15).

4- تحسين الأحوال النفسية: عندما أصيب الملك شاول بروح رديّ نصحه عبيده بأن يفتش عن" رَجُلٍ يُحْسِنُ الضَّرْبَ بِالْعُودِ" (1صموئيل 16:16)، ونجحت الخطة، "فَكَانَ يَرْتَاحُ شَاوُلُ وَيَطِيبُ وَيَذهَبُ عَنْهُ الرُّوحُ الرَّدِيءُ" (1صموئيل 23:16). كذلك فإن الملك سليمان يقول عن نفسه،"اتَّخَذتُ لِنَفْسِي مُغَنِّينَ وَمُغَنِّيَاتٍ" (جامعة 8:2).

استغلال الموسيقى لبنيان الكنيسة

لنتأمّل ببعض ما يمكن أن يحسّن أداء الموسيقى في تسبيحات شعب الله اليوم وبنيانه.

1- تلحين الكلام الكتابي: كانت المزامير في العهد القديم تُرنَّم. وتلحين الكلام يساعد جداً على حفظه. ومن المؤسف أن أولادنا يحفظون كلمات أغانٍ عالميّة أكثر مما يحفظون آيات كتابية. يحاول معظم المعلّمين أن يعلّموا التلاميذ الصغار الأحرف، والكلمات، والأشهر، وفصول السنة، وإلى ما هنالك بواسطة الأغاني، وبالطريقة نفسها يمكن أن نحفظ كلمة الرب بتلحين الآيات، أو على الأقل الفكرة الكتابية المستخدمة لكلمات قريبة للنص الأصلي.

2- التدريب اللاهوتي للمرنّمين: يتمتّع المرنمون ومؤلّفو الترانيم بآذان صاغية في الكنيسة، لذا يجب أن يكون اطّلاعهم الكتابي واسعاً. فهم قادة ويؤثرون على الناس. كان داود وآساف وهيمان قادة فرق ترنيم في القديم، لكنّهم كانوا أيضاً قادة فكر لاهوتي عميق. فداود، وهو الملك والنبي، كان يكتب الترانيم ويلعب مع الشعب، "أَمَامَ الرَّبِّ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الآلاَتِ مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ، بِالْعِيدَانِ وَبالرَّبَابِ وَبِالدُّفُوفِ وَبِالْجُنُوكِ وَبِالصُّنُوجِ" (2صموئيل 5:6).  فمن المهم جداً أن يكون لاهوت المرنّمين صحيحاً، وإن اقتضى ذلك بعض الدراسة الشخصية أو الأكاديمية. فقد يحظى المرنم كقائد بفرص للكلام أكثر مما يحظى به الواعظ أو معلّم الكتاب، لذلك يلزم أن تكون كلماته سبب بنيان لجسد المسيح.

3- النظم الأدبيّ: كُتِبَت الترانيم القديمة من قبل قادة الكنيسة من قسس وأدباء ومفكرين لاهوتيين. ويوجد اليوم نفر قليل ممّن يكتبون الترانيم الجميلة، ونشكر الله من أجل هؤلاء. لكنّنا نرى أحياناً كلمات بعض الترانيم تتمتّع بشعبية كبيرة مع أنه ليس فيها عمق معنى، أو لاهوت، أو حتى قافية أو أي مقياس أدبي. فيا حبذا لو شغّل أصحاب الأقلام مواهبهم في الكنيسة. إن لغتنا العربية هي من أغنى لغات العالم كله. إنها لغة موسيقية فيها أوزان الأفعال والموازين الصرفية وبحور الشعر. وما كان الشعر الذي كتب منذ عصر ما قبل الإسلام ليستمرّ مقروءاً ومدروساً ليومنا هذا لو لم يكن قد استغلّ الجمال الأدبي للّغة العربيّة وغناها. فحريّ بنا أن نستفيد من جمال لغتنا لنصوغ منها ما يخدم الأجيال ويستحق الاستماع في نقله للحقائق الأبديّة. فكاتب المزمور 45 الذي يبدأ بعنوان ترنيمة محبة، يقول: "فَاضَ قَلْبِي بكَلاَمٍ صَالِحٍ. مُتَكَلِّمٌ أَنَا بِإِنْشَائِي لِلْمَلِكِ. لِسَانِي قَلَمُ كَاتِبٍ مَاهِرٍ" (عدد 1).

4- استغلال ظروفنا للإبداع: يدعونا الكتاب المقدس للترنيم في حال الفرح تعبيراً عن شكرنا لله إذ يقول، "أمسرور أحد فليرتّلْ" (يعقوب 13:5). لكنّ الله هو ”مؤتي الأغاني في الليل“ (أيوب 10:35). فداود كتب ترانيمه الجميلة الغنيّة باللاهوت في أحلك ظروف هربه من وجه شاول. وأكثر قصص الترانيم جمالاً وروعة هي تلك التي كتبت في ظروف الألم، عندما يرتفع الإنسان بقلبه إلى الله ويقترب منه فيكتب بكل صدق ما يعبر عما يشعر به. فهكذا كتب ناصف صبحي كلمات ترنيمة رائعة في مناسبة وفاة والده قال فيها:

يا حياة القلب يا حبيب روحي ضامنـي
إن مضى الأهلُ ستبقى أنت لي تضمّني

فيا ليت القادرين في شعب الربّ يوظّفون مواهبهم في كتابة الترانيم الجميلة لمدح إلهنا وتعظيمه أدباً ولاهوتاً.

يُحكى أن أمّاً فقدت طفلتها الصغيرة، وبحثت عنها طويلاً بلا جدوى. وبعد سنين عديدة، وفي مكان شعبيّ، رأت صبية صغيرة، فصرخت بأعلى صوتها، هذه ابنتي، وصارت تتحدى الأبوين اللذين عاملاها كإنسانة حمقاء. لكن تلك السيدة بقيت تحتجّ، ثم قالت للأبوين، إنني أقدر على إقناعكما حتى ولو وضعتما الفتاة في غرفة ثانية. وقبل الأبوان التحدي، وأدخلا الصبية إلى غرفة، وابتدأت السيدة المسكينة تغني الأغاني التي كانت تغنيها لرضيعتها، ولم تمرّ دقائق قليلة حتى خرجت الفتاة من الغرفة تصرخ باكية، أمي أمي. تبيّن أن الزوجين سرقا البنت وربياها وكانا يودّان الاحتفاظ بها لو لم تجدها أمها الحقيقية.

فإذا كانت الموسيقى تحمل قوّة عجيبة على ترسيخ الكلمات في الذهن، فيا حبّذا لو حملت دوماً في ثناياها ما يرسخ في ذهننا من كلام يبنينا ويعلّمنا ويرفعنا ويمجّد إلهنا. هذا ما شجعنا عليه في القديم الرسول بولس إذ قال: "مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ" (أفسس 19:5).

المجموعة: 200710

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

157 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10558718