Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الأول (أكتوبر) 2007

كان حديثنا في الحلقات الماضية عن الإرهاب وأسبابه الحقيقية، وكيف تحوّل الإنسان الوديع الهادئ إلى إنسان وحشي يقتل ويدمّر بلا وازعٍ من ضمير.

واليوم نتحدث عن رجل إرهابي خطر قاوم المسيحية بضراوة، وكان له تاريخ عريق بالعنف والإرهاب، وكيف انقلب الرجل بين ليلةٍ وضحاها ليصبح مسيحياً مؤمناً، ونتيجة لهذا الانقلاب الهائل تحوّلت كل قوى الإرهاب في الرجل إلى حماس منقطع النظير في نشر إنجيل المسيح ودعوة الشعوب للإيمان به.

 

فقبل إيمانه وتوبته كان قلب الرجل يفيض بالحقد والكراهية، وكان ينظر إلى كلّ من لا يدين بدينه على أنه زنديق كافر لا يجب أن يعيش، حتى وصل لديه الاعتقاد أنّ كلّ ما يقوم به من ظلم وإجرام بحق الغير، إنما هو خدمة لله. واستمرّ في عنفه وإرهابه إلى أن ظهر له المسيح بصورةٍ معجزية قلبت أوضاعه، وغيّرت مفاهيمه، وإذا بالرجل يتحوّل من غرابٍ أسود وحشي إلى حمامةٍ وديعة، ومن وحشٍ مرهب إلى حمل وديع، فانتزعت من قلبه كلّمرارة وكلّ دوافع الأذى والعدوان، فصار داعياً نشطاً يبشر باسم المسيح ويربح العشرات والمئات والألوف للإيمان به. ونحن اليوم أمام تفاصيل هذا المشهد الحقيقي نتساءل:

من يستطيع أن ينتزع عقدة الحقد هذه من قلب الإنسان؟من يقدر أن يستبدل الحقد والكراهية وأصل المرارة في قلوب حاقدة ليزرع بدلها الحب والسماحة والحنوّ والرحمة؟من يقدر أن يغيّر الوجه العبوس الحاقد إلى وجهٍ سمحٍ باسمٍ مشرقٍ بالأمل والحب؟

هناك واحد أحد لا مثيل له بين الناس يستطيع أن ينزع من الإنسان قلب الحجر ويضع فيه قلب لحم مليء بالحنان.إنه المسيح، فهو استطاع أن يغير قلوب ملايين لا تحصى من الأشرار ليصبحوا أبراراً. حوّل المسيح وحوشاً بشرية إلى حملانٍ وديعة.ومن بين هؤلاء هذه الحالة التي نحن بصددها لرجلٍ إرهابي كان يرتدي ثوب الدّين وكان مقرّباً من أهل الدّين في عقيدته، ويقوم بما كان يقوم به من أعمال إرهابية على أساس أنها علامةُ ولاءٍ لدينه السابق، ولذلك كان يصبّ جام غضبه على الآخرين اعتقاداً منه أنه بذلك يخدم دينه ويرضي ربه، إلى أن اكتشف فجأة أن تعصُّبه الحادّ لدينه، وحماسه الشديد له، وغيرته النارية تلك ما كانت إلا بسبب شحنات التنشئة الخاطئة التي تربّى عليها في طفولته ليكره الآخرين، ويحقد عليهم ويتمنى لهم الدمار والخراب.

وفي تعليقنا على هذا نقول: ما زال اليوم الكثيرون يسيرون على ذات الدرب نتيجة التنشئة الخاطئة في أيام الطفولة علماً أن الدّين الحقلا يحتاج إلى من يدافع عنه بمعاداة من لا ينهجون نهجه، فالدّين لله، ومن أبرز صفات الله الحب والرحمة. فالرجل الذي نحن بصدده كان اسمُهُ شاول، يهودي الدّين من طرسوس غيّور على دين آبائه وأجداده، فكان يكره المسيحيين ويعاديهم، ويتمنى أن يلاشيهم من الوجود، واستمرّ على هذا الحال فترة من الزمن ينفث قتلاً وتهديداً، والمسيحية حينها كانت في بداياتها والمسيحيون أقلاَّء يعيشون ضمن وسط يهودي متعصب، والسلطة الحاكمة كانت سلطة رومانية وثنية لا تعير اهتماماً لمظالم تتعلق بقضايا الخلافات الدينية.فاستغل شيوخ وكهنة اليهود هذا الحماس في قلب شاول فشحنوه بمزيدٍ من الحقد بالخطب الدينية المتطرفة، وملأوا رأسه بالعداء ضد الطرف الآخر، وأرسلوا شاول بمهمّة إرهابية من فلسطين إلى دمشق للقيام بأعمال تخريبية ضد مسيحيي دمشق المقيمين هناك.

ونحن هنا نقول: إنّ هذه خطية تسجل في سجلات الله ضد رجال الدّين الذين ينصب اهتمامهم الشديد على شحن عقول الناس والشباب بالحقد على من لا يواليهم.

وسافر شاول إلى دمشق، ولكن للبيت ربٌ يحميه...ففي هذا الوقت كان المسيح له تسعة سنين بعد صعوده حياً إلى السماء، فعندما اقترب شاول ومن معه من رفاقه ومعاونيه إلى دمشق أبرق حوله في لحظةٍ مفاجئةٍ نور ساطع أفقده بصره، وأسقطه أرضاً، وسمع شاول صوتاً يقول: ”شاول شاول لماذا تضطهدني؟“ ولما احتار شاول في مَنْ تُرى يكون صاحب الصوت، ردّ عليه قائلاً: من أنت يا سيّد؟فجاءه الجواب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده صعبٌ عليك أن ترفس الحراب المسنونة، فهي تدميك! عندها أدرك شاول خطأهُ في ما نشأ عليه من عقيدة متعصِّبة تنكر ما للمسيح من جلالٍ ومجدٍ، وما في المسيحية من حق كان منه خطأً، وأنه بعنفه وحقده وإرهابه إنما كان على باطل، فقال شاول: من أنت يا سيّد؟ فجاءه الرّد: أنا يسوع الذي أنت تضطهده! هنا رفع شاول يديه وقال: ماذا تريد يا رب أن أفعل؟ أنا بين يديك أستسلم لأمرك!... فكان أول ما اعترف به شاول هنا أن المسيح ربٌ مقتدر، وأن الطاعة والولاء له حق!...

فقال له المسيح: واصل سفرك إلى دمشق وهناك أعلمك.هنا يخبرنا الإنجيل المقدس أنه بعد انتهاء هذا الحوار الحاد وجد شاول نفسه أعمى العينين فاقد البصر، فاقتاده رفاقه إلى دمشق، ونزل في بيت بقي فيه أياماًثلاثة لا يأكل ولا يشرب من هول الصدمة. فالذي كان في نظره كفر يجب محاربته تبين أن حق، وأن موقفه منه كان هو الكفر، واستمرّ على هذا الحال صائماً يراجع ماضيه ويأسف عليه. بعد هذا ظهر المسيح إلى رجل تقي من رجال كنيسة دمشق اسمه حنانيا، وأرسله إلى شاول ليعالج الموضوع معه، فذهب حنانيا إلى شاول ودخل عليه، وقال له: أيها الأخ شاول، المسيح الذي ظهر لك في الطريق أرسلني إليك لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس. ففي الحال وقع من عيني شاول شيء كأنه قشور فأبصر وقام واعتمد بالماء، وتناول طعاماً فتقوّى وانتعشت روحه من جديد، وابتدأت تتضح له الأمور على حقيقتها بأكثر جلاء... وصرف أياماً مع المؤمنين المسيحيين في كنيسة دمشق وظهر التغيير الهائل في حياته، حتى أن اليهود الساكنين في دمشق بعدما سمعوا عنه دبّروا له مكيدة لكي يغتالوه ولكن الله أنقذه.

فشاول الطرسوسي إذاً كان ضداً للمسيح ويضطهد شعبه بالعنف بدوافع التعصب، فهو بذلك يُعَدّ حسب مصطلحات اليوم رجلاً إرهابياً، مع أنه حسب ظنِّه كان مخلصاً لدينه غيوراً عليه. كثيرون اليوم يعيشون هذه الصورة من التديّن المشحون بالعداء والكراهية لمن لا ينهج نهجهم، وهذا ينشر قشوراً على العينين تمنع الرؤيا السليمة وتُغيِّب الحقيقة.

ولكن شاول عندما عرف من هو المسيح سقطت القشور من عينيه، واختطّ طريقاً جديداً يسلكه، وأعطى القفا للماضي، وصار من أنشط الدعاة للمسيحية، ولكن بالمحبة، بالإنسانية، وبالحجة المقنعة، لا بالمعاداة ولا بالعنف أو التَّرهيب. هذا هو الخلاص الذي ينادي به المسيح للشعوب، بقوله: "تعالوا إليّ... وأنا أريحكم".فالشرير يتحوّل إلى قديس، والإرهابي يصبح لطيفاً وديع القلب. والمتعصب يصبح سمحاً، والحاقد يصبح محباً، وشاول هذا أصبح فيما يُعرف باسم بولس الرسول.وبولس حمل رسالة المسيح لشعوب أوروبا الوثنية، وبجهوده تحطّمت أوثانها أمام جلال المسيح صانع المعجزات، والسلاح الوحيد الذي حمله هو إنجيل الرّحمة... إنجيل السّلام!

المجموعة: 200710

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

98 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10477003