Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيلول (سبتمبر) 2007

وتبقى حواءُ محطََّ النقاشات وموضوعَ الأبحاث ومَعرِض الأخذِ والردّ وشُغلَ "المجتمع الذكوري" الشاغل. هذه الإنسانةُ الرقيقةُ اللطيفة والخلاَّقة المبدعة، التي بناها الله الخالق العظيم من ضلعٍ مأخوذٍ من صدرِ آدم وأحضرها إليه إنسانةً كاملة نظيرةً له، هذه الكائنة الحية نُعتت ولا تزال حتى في عصرنا الحاضر بـ"الناقصة العقل"، و"العورة"، و"الشيطان"، و"الدمية"، وإلى ما هنالك من أوصافٍ لا تليقُ بالكائن البشري المخلوق على صورة الله وشبََهِه كآدم تماماً. وليس هذا فحسب بل إنَّ هذه المرأة التي يُعتبر جسدُها "عورة" تُفرَضُ عليها هذه العادةُ الشرق أوسطية - التي لا تمتُّ إلى الدين بصلة - فتُحجَبُ عن الناس إمَّا بارتداء الحجاب أو بالنقاب أو الخمار. والسببُ بزعم المجتمعات هو حتى لا تعودَ المرأةُ سبباً في إغراء الرجال، والحجابُ يمنحها مناعةً تصون عن طريقه عفَّتها وكرامتها.

 

وفي كلِّ مرةٍ تعود قصة "إبريق الزيت" إلى الظهور على مسرح البحث وتقوم الأمم وتقعدُ لنقاش الموضوع من جديد في بلادنا، وبلاد أوروبا، وأمريكا، وحتى أستراليا الآن التي جاءت تصريحات مسؤوليها لحد القول: "أستراليا دولة علمانية، وأي مهاجر لا يستطيع أن يقبل بهذا فإن عليه أن يغادر البلاد. وإن كانت لديه اعتراضات قوية على قيم أستراليا فيجب ألا يأتي إليها." وامتد الموضوع ليصل إلى صانعي القوانين والشرائع ليس في البلاد العربية فحسب بل في البلدان الغربية أيضاً. ويبقى الجدل والنزاع قائمَيْن، والكرُّ والفرُّ والقبول والرفض حتى إنَّ بعض الحكومات قامت بسنِّ قوانين في شأنه. ففي تونس والمغرب أقرَّت الحكومة منعَ ارتداء الحجاب في المراكز العامة والمدارس وسمحت بارتدائه في الجامعات فقط. وفي مصر تخاف الحكومة من الحجاب باعتباره رمزاً سياسياً أكثر منه دينياً لكن ما باليد من حيلة. وفي بريطانيا تشجع الحكومة على التخلِّي عنه لأن العينين والفم وسائل تعبيرية فليس على المرأة أن تسترها. وكذلك في ألمانيا فلقد منعته في بعض مقاطعاتها. وفرنسا متشددة على منعه بعد التصويت على التخلِّي عنه. وفي هذا المنحى يقول أحد الكتاب الصحفيين هو الدكتور جان أحمرانيان معلِّقاً على الموضوع ككل:

"أصبح الحجابُ مشكلة كبيرة وكأن العالم يفتقر إلى مشاكل! وبرأيي علينا أن نهتمَّ أكثر بما هو في الرأس، بدلاً من الاهتمام بما هو فوق الرأس."

 لفتتني دعوة هذا الصحفي القيِّمة -والتي لا تخلو من روح الدعابة - إلى أن يوجه الواحدُ منا اهتمامه ليس إلى ما يرتديه فوق رأسه ليحجُبَ به مظهره إلى الناس والملا، بل إلى ما يدور في رأسه من أفكار وأحاسيس ومشاعر ونيَّات هي الأهم من كل شيء آخر. وليس هذا فحسب، بل أن يهتم المجتمع الذكوري الذي يقوم بفرض هذه العادات التقليدية على المرأة بغيةَ الحفاظِ عليها وحمايتها حتى لا تقع هي في الخطيئة وتوقِعَ معها الذكر، بأمورٍ أهم وأعظم بكثير منها. ولكن وللأسف وحتى الآن تبقى المرأة همَّ الرجل الأول حتى لكأنِّي به يلهو بدميةٍ هي ملكُه، أو لكأنِّي به يحمل كأساً يخاف عليها من الكسر أو العطب.

والسؤال الآن: ماذا عن المحجبات الظاهرات على شاشات الفضائيات اللاتي يقرأن الأخبار وهن متبرِّجات إلى آخرِ حدود التبرُّج؟ إذ تبدو الواحدة منهنَّ وكأنَّها لعبة من الجص من كثرة المساحيق التي تزيِّن بها خدودها المتوردة وأحمر الشفاه الذي تخطِّط من خلاله ثغرها؟! وماذا عن العيون المحاطة بالكحل وألوانه المتدرِّجة،  ومن ثمَّ بالحجاب؟! ألا يبُرزها هذا الحجاب أكثرَ إثارةً وجاذبيةً؟ فما نفعُ الحجاب إذن؟

يخطئ المجتمع الذكوري جداً حين يعامل المرأة على هذه الشاكلة ويفرضُ عليها فرائض لا تقدِّم ولا تؤخِّر في السترة والعيب والحشمة والحرام. كما يخطئ المجتمع الذكوري جداً حين يفكر وحتى عصرنا هذا بأن التجربةَ كامنة في وجه المرأة أو شعرها أو جسدها. لأنَّ الخطيئة كامنة في الإنسان بشقيه في الذكر والأنثى سواء وأن الإنسان بما فيه الذكر والأنثى هو الذي جُبل بالخطية وحُبل به في الخطية بسبب عصيان أبوينا الأولين آدم وحواء. وهكذا انتقلت الخطية إلى البشر أجمعين سواء. فالخطيئة عمل شخصي تلعب الإرادة فيه دوراً كبيراً. والخطيئة فيكَ وفيَّ وهي في قرارةِ نفسي ونفسِكَ. فالمرأة مخلوقة مثل الرجل لها حقوقها وامتيازاتها. أفما آنَ الأوانُ بعدُ يا ترى أن يدَعَها الرجل تفكِّر بنفسها ولنفسِها في شؤونها الخاصة بها كما يفكر هو في شؤونه الخاصة به؟ فلا الحجابُ يعطيها مناعةً ولا زي الراهبة يصونُ عفتها وكرامتها. ينبغي الاهتمام بما في الرأس وليس بما على الرأس.

 : "سراج الجسد هو العين. فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيِّراً. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً. فإن كان النور الذي فيك ظلاماً فالظلام كم يكون؟" (متى 6: 22-23).

بمعنى أن العين هي مصباحُ الجسد. لأننا من خلال العين نرى الأشياء. والمصباح من المفروض أن يُشعَّ نوراً في الأرجاء. فإن كان المصباح يعمل صحيحاً فإنه يضيءُ الجسد كلَّه. والعكس صحيح، فإن كان المصباح مظلماً أي معتماً ليس فيه نور ولا يضيء، فالجسد كلُّه يكون مظلماً. فإذا كانت العين التي من المفروض أن تكون سراجاً مضيئاً ليست نيِّرة بل مظلمة فما أشدَّ الظلام الذي يمتلك هذا الجسد كله؟! ولكي يكون لدى الشخص منا رجلاً كان أم امرأة بصيرةٌ نيِّرة روحية يستطيع من خلالها أن يسيِّر حياته ومسلكه، عليه أن يعترفَ أولاً بالظلمة التي يعيش فيها من جرَّاء الخطية التي وُلد فيها وأعمال الخطية التي تظهر في مسلكه. وعندما يقرُّ الواحد منا بخطاياه ويندم عليها ويتركها يُرحم. قال الرب يسوع: ”أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة“ (يوحنا 8: 12).

وبكلمة أخرى فإنَّ المطلوب هو تغيير القلب من الداخل. عندها يفيض القلب بما فيه وتصبح العين نيِّرة تتحكَّم في  سلوك المرء وتصرفاته. وإذا سكن روح الله في قلب الإنسان رجلاً كان أم امرأة، فإنَّه يقوده في اختيار لباسِ الحشمة والورع والعيش بالتعقُّل والتقوى والوقار بعيداً عن كلِّ فرائض وشرائع وقوانين وطقوس لا تغيِّر الإنسان ولا قيدَ أُنْمُلَة. وعندها يعيش الإنسان بشقيه الرجل والمرأة سواء بشفافية ووضوح بحسب ما يعلِّمه الكتاب المقدس فيتكلم بما يعني ويعني ما يتكلم، وينظر إلى ما يريده ويحجب نظره عما لا يريده. وهكذا ينسجم المظهر مع الجوهر والسر مع العلن. فأين يبقى اهتمامُنا إذن بما فوق الرأس أم بما في الرأس؟

المجموعة: 200709

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

116 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10472159