Voice of Preaching the Gospel

vopg

نيسان (إبريل) 2008

في خضمِّ الأحداث التي شهدتْها أورشليم المدينةُ العظيمة، وأمامَ الجماهير المحتشدة والغاضبة، وحفاظاً على السلام المنشود في كلِّ المناطق الرومانية آنذاك، سلَّم الوالي بيلاطس حاكمُنا الكبير، يسوع الذي يُدعى المسيح، إلى الجمع لكي يصلبوه. وعلى الرغم ممَّا أملاهُ عليه ضميرُه بأنَّه كان بريئاً بعد الفحص والاستقصاء الذي عرضه عليه خلالَ محاكمته، إذ لم يجِدْ فيه علّةً يستحق الصلبَ من أجلها، إلا أنَّه سلَّم يسوعَ إلى الجموع الصاخبة لكي يُصلب، خوفاً من تهديدات القادة الدينيين اليهود بإبلاغِ الأمر إلى قيصر حاكمِ روما ورئيسها (يوحنا 19:12). أسلمه إليهم بعد أن أصدر حكمه بالصلب، وألقى بالتالي مسؤولية هذا الحكم على عاتقهم وعاتق أولادهم من بعدِهم إذ كانوا قد صرخوا بحزمٍ وإصرار قائلين: دمه علينا وعلى أولادنا. أما هو فغسل يديه ظناً منه أنَّه قد برَّأ نفسه من دم ذاك الذي وجدَه باراً.

 

ومنذ ذلك الحين أخذت الأحداثُ تتسارع. وأُمرْتُ أنا قائدُ المئة مع جنودي بحراسةِ يسوعَ الذي يُدعى المسيح، وبتنفيذ حكم الصلب بحق المتهم. فجرَّه العسكرُ إلى دار الولاية من أجل إكمال الإجراءات قُبيلَ الصلب. وجمعنا عليه جنودَ الكتيبة كلها. وهناك وتبعاً لأوامري المتشددة، قاموا بتجريده من ثيابه وألبسوه رداءً قرمزياً، وجدلوا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه. كما وضعوا قصبةً في يده اليمنى، وراحوا يركعون أمامه ويسخرون منه ويقولون: السلام يا ملك اليهود!! وبصقوا عليه، وأخذوا القصبة منه، وضربوه بها على رأسه. وبعدما أوسعوه هزءاً نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه. وساقوه خارج المدينة كما هي العادة. وبينما أنا وجنودي في طريقنا إلى الموضع، إذا به يتعثَّر أمام ثقل الصليب. ولمَّا وقع مرات عدة، وجد الجنود رجلاً قيروانياً اسمه سمعان فسخَّروه أن يحمل عنه الصليب. ولمَّا وصلْنا إلى مكانٍ يُدعى جمجمة أعطوه خمراً ممزوجاً بمرارة ليشرب (متى 34:27)، فلمَّا ذاقها يسوع، رفض أن يشربها. أما ثيابه فاقترع عليها الجنود. وهناك تمَّ صلبُ يسوع المسيح ووُضِعَت لافتة فوق رأسه تحمل تهمتَه مكتوباً عليها:

هذا هو يسوع ملك اليهود

هذا هو ملك اليهود. هذا ما صرَّح هو به سابقاً. وجلست أنا هناك فوق تل الجمجمة مع جنودي نراقب ونحرسُ بكلِّ حذر وحيطةٍ يسوع المصلوب وكذا اللصين اللَّذين صُلبا إلى جانبيه بحسب الأوامر التي صدرت إليَّ من قبَلِ السلطات العليا. وكان المارَّة يشتمونه وهم يهزُّون رؤوسهم ويقولون: يا ناقضَ الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام. خلِّص نفسك. إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب.!  وقتئذٍ لم أفهم معنى كلماتهم، إذ بدت لي غامضةً غامضةْ. فكيف يكون يسوعُ المسيح هادمَ الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام؟ ثم كيف يحثُّونه على تخليص نفسه إن كان ابنَ الله؟ كل هذه الكلمات بدت لي غريبة ومبهمة. أما رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ فكانوا يسخرون منه هم أيضاً ويقولون: خلَّص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلِّصها. إن كان هو ملك إسرائيل فلينزِل الآن عن الصليب فنؤمنَ به. قد اتكَّل على الله، فَلْيخلِّصه الآن إن أراده. لأنه قال أنا ابن الله. وكذا اللصان المصلوبان معه كانا يعيرانه بمثل هذا الكلام. وسمعته يردد كلمات وجملاً أثارت أحاسيسي ومشاعري وشعرت وكأنَّ منخاساً حاداً قد نخسني في أعماق قلبي. فها هو يغفر للَّذين صلبوه، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون. وهذا التصريح يعنيني بالطبع أنا أيضاً. ثم فوجئت به يقول للِّص الذي بجانبه: اليوم تكون معي في الفردوس. 

وبينما أنا واجمٌ  أفكر بكل ما يحدث أمام ناظري، وجنودي حولي يراقبون وكلُّنا نتأمل بهَول هذه الأحداث المتتالية، محاولين فضَّ سرِّها الغامض، حدَث شيءٌ غريب جداً. إذ غَربتِ الشمس في منتصف النهار، وغابتْ خلفَ الأفق من غير ميعاد. وحلَّ الظلام الدامس على الأرض كلِّها. فخِفتُ وارتعبت أنا الذي لم يتسرّب الخوف إليَّ من قبل وكذا ذُعر الجنود معي. ومضى على هذه الحال ثلاث ساعات كاملة. ونحو نهاية الساعة الثالثة، صرخ يسوع بصوت عظيم: إلهي! إلهي، لماذا تركتني؟ فظن الواقفون معي أنه ينادي إيليا. فركض واحد منهم وأخذ اسفنجةً غمسها في الخل، وثبَّتها على قصبة وقدَّم إليه ليشرب. ولكنَّ الباقين قالوا: دعه لنرى هل يأتي إيليا يخلصه؟ فصرخ يسوع مرة أخرى وعندها أسلم الروح.

وما لبثتُ أنْ سمعت وأترابي دوياً قوياً من جراء زلزال عنيف جداً، تشقَّقتْ منه الصخور وتفتَّحت بسببه القبور، وقام الموتى الذين فيها. عندها، سقطتُ أنا على وجهي إلى الأرض، ووجدت نفسي أخرُّ أمامَ الصليب ساجداً للمصلوب يسوع، وشرعت أصيح وبأعلى صوتي مجداً لك يا ألله، مجداً لك. حقاً كان هذا ابن الله... كان هذا الإنسان باراً. وأدركت ساعتئذٍ مع جنودي المئة أنَّ يسوع هذا الذي نفّذتُ فيه حكمَ الصلب القاسي، هو بارٌّ بالفعل، وهو ابن الله الكلي القدرة والقوة إذ صاحبَتْ موتَه هذا  أحداثٌ جسامٌ ومعجزات عظام لم تحصلْ من قبل، ولا في أيِّ آن. 

 وجاء فيما بعد يوسف الذي من الرَّامة وطلب من بيلاطس جسد يسوع. وبعد أن تحقَّق مني عن موته، أمرني بيلاطس بتسليم الجسد ليوسف، ففعلت. فأخذه بكل إجلال واحترام، ولفَّه بكتان، ووضعه في قبر جديد كان قد نحته في الصخر. أما القادة اليهود فقد دبَّ الذعرُ والحيرة في آنٍ واحد في قلوبهم إزاء موت يسوع. لأنهم تذكَّروا بأنه قال وهو حي بأنه بعد ثلاثة أيام سيقوم. فهرعوا إلى بيلاطس من جديد يطلبون منه حراسة القبر لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه. فأصدر بيلاطس أمراً بحراسة القبر بواسطة الحراس إلى اليوم الثالث، وتمّ ختمُ القبر.

لكن ما أن أتى فجرُ اليوم الثالث،  حتى حصلتْ زلزلةٌ أعظم من سابقتها حين أسلم يسوع الروح. وملاكٌ من السماء نزلَ ودحرج الحجر وجلس عليه. ولمَّا رآه الجنود الذين كانوا يحرسون القبر أصابهم الهلع وارتموا أرضاً كأنهم أموات. وإذ كانت النسوة آتياتٍ إلى القبر لكي يحنِّطن الجسد كما جرت العادة عند اليهود، وجدن الحجر مدحرجاً. فطمأنهنَّ الملاك وأعلَمهُنَّ بأنَّ يسوع المسيح المصلوب قد قام من الأموات كما قال. وأمرَهنَّ بالذهاب مسرعاتٍ لكي يخبرْنَ التلاميذ. ثم يتحدّث الكتاب المقدس عن اثنتين منهن: ”وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما. وقال: سلام لكما... فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له. فقال لهما يسوع: لا تخافا. اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني (متى 28)

نعم، لقد أحدثتِ القيامةُ ضجةً أكبر بكثير من تلك الضجة التي حصلت عند صلبه ومن ثم موته. وتسارعَ خبرُ القيامة لينتشر بين التلاميذ بأنَّ يسوع حي. وفي نفس الوقت ولمَّا هرع الحراس إلى رؤساء اليهود ليخبروهم بما جرى، رشُوهم بالمال وقالوا لهم: قولوا إنَّ تلاميذه قد أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام. وإذا سُمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين. (متى 28)  وهذا ما فعله الجنود بالضبط. وانتشرت الإشاعة منذ ذلك الحين بأن تلاميذ يسوع قد سرقوا جسده حتى هذا اليوم.

لقد أدركتُ أنا قائد المئة الروماني بأنَّ يسوع هذا الذي صُلِب أمام ناظري،  قد كان باراً بالحق وآمنتُ أنَّه ابنُ الله العلي القدير. فهل من الصعب عليه أن يقوم كما قال؟ حقاً، كان هذا الإنسانُ باراً وهو ابن الله المقام من بين الأموات تماماً كما قال هو وكما تُنُبِّئ عنه في القديم. ندمتُ فعلاً على ما اشتركت به من أعمال مشينة عند الصلب، والآن أنا أعترف أنني كنت بالحق أعمى لا أرى، لكنه هو الذي نزع القشور عن عيني وأنار بصيرتي فصرت أرى بعين إيماني أنه هو ابن الله المقام. فهل تصدِّق وتؤمن بالمسيح المقام؟ أم أنَّك لا زلت تؤخذ بالإشاعات التي  نشرها وينشرها الكثيرون حتى يومنا هذا؟ أم تراه يبقى أحجيةً تودُّ فكَّ طلاسمها؟  

 قائدُ المئةِ الروماني  

المجموعة: 200804

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

80 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10577294