Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الأول (ديسمبر) 2008

أنا هيرودس الكبير، صاحب الجاه والسلطان الوفير، والابن الثاني لأنتيباس حاكم اليهودية الشهير.
احتللتُ مركز الصَّدارة، فَصرْتُ على رأس العائلة الهيرودسية، وأضحيتُ ضياءها المنير. امتزتُ أنا هيرودس بالعظمة والقوة، فأَشدْتُ  المدنَ الكثيرة والأبنية الضخمة. وأنفقتُ أموالاً طائلة على كلِّ قديم وحوَّلتُ فلسطين إلى جنَّة من البساتين. دخلت القدسَ فاتحاً سنةَ سبعٍ وثلاثين قبل الميلاد. وصُنْتُها وزيَّنتُها بالملاعبِ والقصور، ورمَّمت الهيكلَ الضخمَ في أورشليم، بالإضافةِ إلى معابدِ الأوثان المتنوعة. ودرجْتُ اسمي على كلِّ طريق وشارع وبناء، عساي أخلِّد اسمي أنا هيرودس الكبير.


وبعد أن تربَّعتُ على عرشي، حصَّنت نفسي بكلَِّ بأسِ، لئلاَّ يغتابَني خسيسْ،  فيوقِعُ بي ويستولي على قصري ويطيحُ برأسي. تزوَّجتُ من النساء الكثير، وأنجبْتُ أولاداً أشدَّاء وبنات مرفّهات. وصِنتُ كلَّ ما ليَّ من فساطيطٍ بهيَّة، وعرش ومركز وأبَّهِيَّة. أنا هيرودس الكبير ولا يمكن أن يواجهني منازعٌ قدير. أنا هيرودس "ملك اليهود" ولروما أنا مديون لهذا اللَّقب الكريم. إذ حَبوني إيَّاه على الرغم من انتمائي لليهودية ليس من ناحيةِ الجنس بل من ناحيةِ المعتقد نقلاً عن والدي وأمي الأدوميَّة. وسَباني يوماً منظرُ البحر المثير، وإذ ابتغيتُ مُنَحَ التقدير، أقمت مدينة جميلة على شاطئه، وأسميتُها "قيصرية"، تخليداً وتكريماً لأغسطس قيصر. كما رمَّمتُ مدينةَ السامرة المهلهَلة بعد أن تهدَّمت وأسميتُها "سباسطيا" أي مدينة أغسطس. وهكذا كنت أُكرمُ العظماء من أباطرةِ روما، وأسعى دائماً للتخليد والتمجيد. أما بعضُ الحكام الآخرين فلم يحظَوْا مني إلا بالتهديد والوعيد، فتآمرتُ عليهم لأنَّهم صاروا من أعدائي اللَّدودين.
وفي ليلة من الليالي، سمعتُ صوتَ همساتٍ في أروقةِ القصر والرّدهات، وأصوات صهصهةٍ والأخرى وشوشة. فخشيتُ للحال على عرشي وصولجاني، واستعددتُ للقتال. وما أن خرجت من غرفتي حتى فوجئتُ بإحدى زوجاتي والبعض من أولادي يتهامسون ضدّي. فأمرتُ الحراس بقطعِ الرأس لكلِّ مَنْ سوَّلتْهُ نفْسُه على التآمر عليَّ أنا الملك هيرودس الكبير صاحب القوة والسلطان الشهير. نعم، وبلمح البصر قضيتُ على المؤامرة وحظيتُ بالنصرة على كل صاحب شرٍّ مستطير حتى ولو كان من المقرَّبين لكي يصيروا عبرةً للمعتبرين.
وفي يوم من الأيام، وبعد أن حكمتُ البلاد لأكثر من ثلاثة عقودٍ ونيِّف، إذا بالقصرِ يَضِجُّ بخبرِ ولادة ملكٍ لليهود الذي حملَهُ شُلَّةٌ من المجوس قد جاءوا من المشرق إلى أورشليم ليسجدوا لهذا الطفل المولود. فعزَّ عليَّ الأمر، وطارَ من رأسي النوم، واضطربتُ إلى أقصى الحدود. وقلت: أيُعقل أن يأخذ أحدٌ عرشي أو يكون ملكاً غيري؟ أنا ملك اليهود!! وباتَ القصر يعجُّ ويمجُّ بالناس الفضوليين من يهود ومتهوِّدين، يريدون الاستفسارَ عن ولادةِ ملك اليهود هذا، الذي كانوا ينتظرونه ويتوقَّعونه. ولما زاد الأمرُ إفشاءً، وصارَ الجميع متشوِّقين لمعرفة حقيقة هذا الطفل، كان لا بد لي من فعل شيء ما لإيقاف هذا الحدثِ الخطير من جذوره وأصوله. عندها دعوتُ كلَّ رؤساء الكهنة اليهود وكتَبَة الشعب ووضعْتُهم أمامَ الأمر الواقع وتحدَّيتهم لكي يبيِّنوا لي من كُتبِهم أين يولدُ المسيح؟ فقالوا جميعاً وبصوت واحد: في بيت لحم اليهودية، لأنه هكذا مكتوب بالنبي: وأنت يا بيتَ لحم أرض يهوذا لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا. لأنَّ منكِ يخرج مدبِّر يرعى شعبي إسرائيل.
وبناء على هذه النبوة بَدا ليَ الأمرُ حقيقياً ومؤكّداً، فخفْتُ وارتعتُ على منصبي، وطارَ نومي من جديد. فالأمرُ جادٌّ وليس فيه مزاح. ويبدو أنَّ الطفلَ قد وُلد فعلاً في بيتِ لحم، وها النجمُ في السماء يشهدُ عن ولادته وتحقيقِ هذه النبوة. فللحال قلتُ لحرَّاسي بأن يأتوني بالمجوس الذين جاءوا يحملون هذا الخبرَ المريع. فتحقَّقْتُ منهم بنفسي عن زمان ظهورِ النجم في السماء. ثم أرسلتهم إلى بيتِ لحم حيث الطفل الموعود. وأبديْتُ لهم رغبتي الشديدة في الذَّهاب إلى الطفل وزيارته وتقديم السجود له بنفسي. وقلت لهم بالحرف الواحد: اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي. ومتى وجدتموه فأخبروني لكي آتي أنا أيضًا وأسجد له. فذهب المجوس إلى بيتِ لحم، ورحتُ أنتظر أنا بفارغ الصبر موعدَ رجوعهم. ولكنْ هيهاتِ فلقد مضتِ الأيام والأسابيع لا بل الشهور ولم أسمع منهم قط. عندها تأكَّدت ممَّا كنت أخافُه، لقد  سَخِروا مني فعلاً، ولم يرجعوا إليَّ ليخبروني بمكان الصبي. وهنا استشطْتُ غضباً، وصرتُ أضرب الأرض بقدميَّ ذهاباً وإياباً، وتعهَّدت لنفسي، أمام أهلِ القصر والناس فيه، بأنَّني لسوفَ أنتقمُ من هذا المولودِ ملكِ اليهود. فأصدرْتُ للحال أمراً في بيتِ لحم وفي كل تخومها بقتل جميع الصبيان المولودين من عمرِ سنتَيْن فما دون. وعلى الرغم من ارتفاع صيحاتِ النساء وعويلِ الأولاد، ونوحِ الآباء، إلا أنَّني استطعتُ بقدرتي وقوتي أنْ أقضيَ على كلِّ صبي يمكن أن يأخذَ مني عرشي في المستقبل. فالعرشُ هو لي فقط، أنا هيرودس الكبير. وما من ملكٍ سواي.
التوقيع: هيرودس
 
لكنَّ نجمَ يسوعَ المسيح مولودِ بيت لحم في فلسطين، تألَّقَ يا قارئي على الرغم من أنفِ الرَّافضين وحقدِ الحاقدين. وتوقف حيث كان الصبي. فلاقاهُ المجوسُ وفرحوا فرحاً غامراً، وللحال، خروا وسجدوا له ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا: ذهباً لأنَّه حقاً الملك الموعود، ولباناً لأنَّه الكاهنُ الحقيقي والشفيعُ بين الله والإنسان، والمرَّ لأنه الفادي الذي سيموتُ من أجل فداءِ البشر من مرضِهم المستعصي، من داء الخطية وعقابِها المرير. واللهُ الآب الذي قاد المجوسَ عن طريقِ النجم المتلألئ إلى بيتِ يسوع الصبي ملك الملوك، عاد ليقودَ أولئك إلى اتِّباعِ طريقٍ أخرى إلى بيوتهم. لقد تمَّتِ النبوءةُ بحذافيرها وجاءَ الملكُ الموعود. أما مملكتُه فلم تكن كما توقَّعها البعضُ في قصرِ الملوك، قصر هيرودس الشرير الكبير، أو في مملكةٍ أرضية تقضي على الرومان وأباطرِتهم، بل هي في قلبِ كلِّ إنسان يبغي ذلك. أليس هذا ما صرَّحه في بداية خدمته؟ ألم يقل: قد كَمُل الزمان واقتربَ ملكوتُ الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل (مرقس 15:1)؟ "... ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك لأنْ ها ملكوتُ الله داخلَكم" (لوقا 21:17).
يا ليتنا نتعرَّف بحنايا نفوسنا الداخلية إلى حقيقة هذا المولود، فنملِّكُه عرشَ حياتِنا بالقولِ والفعل. هو وحده المنقذُ والمحرِّرُ والشافي لهذهِ النفسِ البشرية السَّقيمة. الكلمةُ صار بَشراً مثلَنا مُخْلياً مجده العظيم، لكي يُعيدَ لنا قيمتَنا الضائعة ويبدِّل صورتنا المشوّهة إلى تلك الصورة الزاهية النقية. فهل نفتحُ له باب قلوبنا بمصراعيه ونقولُ له: ادخل إليها واشفِنا من مرض الخطية، وفُكَّ أسْرَنا وأطلقْنا أحراراً؟! وحذارِ من التمسُّك بعرش نفوسنا كما تمسَّك به هيرودس،  فنال جزاءَه المستحق. وإذا فعلنا فلا بدَّ أن نسمع تطويبَ ملكِ الملوك يقول لنا: طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات.

المجموعة: 200812

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

107 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10560507