Voice of Preaching the Gospel

vopg

آب Agust 2010

في العالم ألغاز كثيرة يعجز الإنسان عن إيجاد حلٍّ لها، أو تفهُّ م بعض أسرارها. غير أن أعْقدَ لغزٍ في الحياة هو الإنسان نفسه، لأنه يحمل بين جوانبه إمكانيات تؤهّله للقيام بأفضل الأعمال، وتقديم أثمن التضحيات. وهو في الوقت نفسه يخبّئ بين ضلوعه نوازعَ لارتكاب أشرّ الآثام وأقبح الخطايا التي يستحي منها الأبالسة.
 فهو توّاق إلى الخير، نزّاع إلى الشر. حينًا تراه أقدس من الملائكة، وأحيانًا أخرى تلقاه يلغ في الوحل. فهو مزيج من الخير والشر، وخليط من التبر والتراب.
 غير أن الإنسان، مهما انحرف عن جادة الحق والصواب، فأبعدته شروره وآثامه عن الله، إلا أنه يشعر بين الفينة والفينة بحنين إلى الله، وتعطُّشٍ إليه كما يتعطّش الإيّل إلى جداول المياه... هذه هي الشعاعة الضئيلة الخافتة، الباقية بين حنايا قلب الإنسان بعد السقوط...
 فالابن الضال بدّد ماله بعيشٍ مسرف، فكان يأكل الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله... غير أن فارقاً كبيراً كان بينه وبين الخنازير، وهو أن الخنازير كانت تهنأ بذلك الخرنوب وتستمتع به، إذ كانت تجد فيه كل مبتغاها، فلا تجوع إلى شيء سواه. أما ذلك الابن المتغرّب عن بيت أبيه، فقد كان يقضي الليل مسهدًا غير مكتفٍ بنصيبه من طعام الحيوان، لأن فيه نفساً إنسانية تحنّ إلى ما هو أسمى، وتجوع إلى طعام أفضل، وتشتاق إلى الوجود في حضرة أبيه.
 هذا هو تعطّش الإنسان إلى الله - وهو دليل قاطعٌ على عظمة الإنسان. فكل ما في أنهار الأرض من ماء، لا يمكن أن يروي الإنسان! وكل ما في مخازن التغذية من لحوم أو حنطة، أو بقول أو فاكهة، لا يمكن أن تشبع الإنسان - فهذه كلها "أشياء"، وليس الإنسان مجرد "شيء" حتى تشبعه هذه الأشياء، إنما هو ذات حية لا يشبعها سوى الذات العليا الذي هو الله تعالى، لأنها منه وإليه.
 هذه حقيقة جليلة - تقابلها حقيقة أخرى أجلّ منها قدرًا، وأبعد منها أثرًا - هي أن الله نفسه يشتاق إلى الإنسان "عمل يديه"، ويتوق حنينًا إليه، فهو على الدوام يبحث عنه، ولا يكفّ عن البحث عنه حتى يجده. "لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك". وأيضًا، "لأن عينَي الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه". وقال الله لحزقيال: "وطلبت من بينهم رجلاً يبني جدارًا ويقف في الثغر أمامي عن الأرض..."
 ليس من الطبيعي أن يطلب الله الإنسان، رغبة منه في خيرٍ يأتيه من الإنسان، إنما يطلبه لأجل الخير الذي يغدقه على الإنسان... لأن أمامه "شبع سرور" وفي يمينه "نِعم إلى الأبد".
 إن الله يطلب الإنسان لكي يخلص الإنسان! فلا هناء للأب يعادل الهناء الذي يغمر قلبه بعد عودة ابنه الضال إلى بيته! ولا عزاء يوازي العزاء الذي يفيض بين جوانح قلب الراعي الأمين، وهو يحمل الحَمَل الضال على منكبيه، بعد أن أنقذه من بين براثن الذئاب الخاطفة...
 غير أن لله غاية أخرى في طلب الإنسان... هي أن يجعله وسيلة وأداة في تخليص أخيه الإنسان، وفي تضميد جراح البشرية الدامية. هذا ما أراده من قوله في حزقيال: "وطلبت من بينهم رجلاً... يقف في الثغر أمامي...". وكم من ثغرات مفتوحة في قلب البشرية الدامي، في دائرة الأسرة الضيقة، وفي الدائرة التي هي أوسع منها نوعاً وهي دائرة الوطن، وفي الدائرة التي هي أوسع الدوائر جميعاً - دائرة العالم - بين جنس وجنس، ولغة ولغة...؟!
 إن لله وسائل كثيرة بها يطلب الإنسان.. مرة يدعوه بصوته الذي يفيض رقة وحناناً، وأخرى يدعوه بأعمال العناية التي يحيطه بها، من يسرٍ وعسر، ورجاء وشدة. ومرات أخرى يدعوه "بشدة اليد" مستعملاً عصا التأديب، كالحرمان، والمرض، وموت الأعزاء...
 كل منا يحمل بين جوانحه نفسًا طيبة يستبدّ بها، ويسخّرها لنزواته. فلا بد من أن يطالب الله كل منا لكي يحرر نفسه الطيبة التي يضمها بين جوانحه... فكل منا ينطوي على وحش وملاك، وكم مرة يستبد فيها الوحش بالملاك، ولا يمكن أن يرضى الله عنا حتى نطلق الملاك الذي نخفيه بين جوانحنا فنعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله!
 فيا أيتها النفس، هل سمعتِ صوت يد رفيقة تقرع باب قلبك برقة ووداعة؟ هذا صوت الله يدعوك أن ترجع إليه.
 وهل سمعت هذا القرع يشتدّ في قوته حتى يصبح قرعاً قوياً عنيفاً؟ هذا هو صوت الله يعود إليك مرة أخرى، ويدعوك لكي تسلم نفسك له، وتلقي سلاح مقاومتك وعصيانك عند موطئ قدميه!
 اللهمّ، اغفر لي ما مضى من جموح مني عنك، واصفح عن كل جمود أو جحود صدر عني نحوك. وتقبّل مني نفسي ذبيحة حية دائمة، أقدمها سكيبًا عند موطئ صليبك، مطهَّرة بذلك الدم الثمين، مقدسة فيه، ومختفية فيه وراء الستار. باسم المسيح، آمين.

المجموعة: 201008

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

65 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10541504