Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الثاني November 2010

تُوفي زوجُها مخلّفًا وراءه ثلاثًا من الفتيات الصغيرات في عمرٍ لا يناهزُ الأعوام القليلة، وكذلك مستقبلاً صعبًا مرتسمًا هناك فوق خط الأفق المنظور، وتحدّيات الزمان من حرمانٍ مروّع وفقرٍ مدقعٍ وظلم وجَور. ومع أنَّها كانت متمرّنةً في حقل التعليم، إلا أنَّها لم تستطع أن تعمل في مدارس فيلادلفيا لافتقادها لشهادات تؤهّلُها لفعل ذلك. ولم يكن أمامها سوى العمل في غسل الملابس وكيّها، ومن ثمّ انخراطِها في تنظيف أرض المخازن الكبيرة ومسحها. وفي ذلك الزمان المرير، نالت ”آنّا“، وهذا اسمها، قسطًا كبيرًا من الإهانات وتحمَّلت الكثير من المآسي بسبب لون بشرتها السوداء. فالتمييز كان بعدُ سائدًا في المجتمع وقد بلغ أوجّهُ في ذلك الوقت. وعندما سُدّت أمامها الأبواب، وانزلقتِ الفرص من بين يديها، آمنتْ ”آنّا“ بأنها إذا اتَّكلت فقط على الرب من كل قلبها ولم تعتمد على فهمها ومعرفتها، فلسوف يسدِّد الربُّ خطاها ولا بدّ أن يقوّم سبلها ويقود مسيرتها لأنَّه سندها. وعلّمت ”آنَّا“ بناتها الصغيرات بأن يعتمدن على الرب في كل شيء، ويتبعنه الاتباع الحقيقي، وأن يكنّ شاكرات له على الدوام.

   وعندما كبُرت ابنتها البكر ”ماريان“، وتفتَّح البرعمُ الصغير وصار زهرةً يانعة سرعانَ ما فاحت رائحتها العطرة في كل مكان. ونضجَتْ موهبةُ ”ماريان“ في الصوت العذب الرخيم الذي حباها إياه الله، واندمجت ”ماريان“ في حقل الغناء، وبرزت مكانتها، وسرعان ما احتلت مركزًا مرموقًا عالميًا في حقل الفن والأداء الغنائي الكلاسيكي. أما ”آنّا“ فبقيت تصلي من أجلها وتُرجع نجاح ابنتها البكر إلى الله وحده الذي أغدق عليها هذه الموهبة. وحين سأل الصحفيون ”آنَّا“ مرةً كيف كانت تشعر بعد الحفلة الموسيقية التي قامت بأدائها ابنتها ”ماريان“ في قاعة كارنيجي الشهيرة، وفي دار الأوبرا في العام 1955، كانت تقول: "أشكر الله، وله وحده يعود الفضل في كل ما حقّقته ابنتي ماريان". كلا، لم يكن جوابها هذا ”كليشيه“ أي مجرد صيغة تردّدها، بل كان ينمُّ عن قلبٍ مفعمٍ بالإخلاص والأمانة والامتنان لله على عطاياه الكريمة. وبدل أن تجلس ”آنَّا“ تندب حظها العاثر وترثي لنفسها بسبب فقدان زوجها وشريك حياتها في السنوات الأولى من زواجها، اختارت آنّا أندرسون موقف الشكر والتقدير في حياتها وشرعت تقدّم الامتنان لله على كل ما منحها - على جوده وإحسانه من نحوها ونحو بناتها - وارتأت أن تمجد اسم الله القدوس الذي يستحق كل إكرام وحمد.
 
 الامتنان والعرفان بالجميل هو علامة من علامات الورع الحقيقي والتقى والصلاح. فحين نعترف بإحسانات الله وبركاته الجزيلة علينا، فإننا بذلك نقدم له ثمر شفاه معترفة بأفضاله. ولقد كتب أحدهم مرة يقول في هذا الصدد: الشكور يتمتع بالبركة مرتين: مرة حين يتلقاها ومرة حين يتذكرها. أما أنا فأزيد على ذلك مرة ثالثة لأقول: ويتمتع الشكور بالبركة أيضًا حين يخبر الآخرين عنها. وقال آخر: حين تُكثر من التفكير في أمانة الرب وألطافه عليك، يقل تفكيرك في مصاعبك ومتاعبك.
 
 ولقد أظهرت دراسة كندية جديدة تقول: ”إن التفكير بالله يُطَمْئنُ المؤمنين ويخفّف من احتمال ارتكابهم الأخطاء المتعلقة بالقلق. غير أنه قد يزيد من إرباك الملحدين ويعرّضهم للأخطاء“. وذكر موقع لايف ساينس أن الباحثين في جامعة تورنتو – سكاربوروغ، قاسوا الموجات الدماغية المتعلقة بنوع معين من ردّات الفعل القلقة عندما ارتكب المشاركون أخطاء في اختبار تمّ إجراؤه. وظهر أن الأشخاص الذين استعدّوا قبل الاختبار بالتزوّد بأفكار دينية كانوا أقل عرضةً لارتكاب الأخطاء مقارنةً بالذين لم يستعدّوا. وقال معدُّ الدراسة مايكل إنزليشت أن 85٪ من الناس لديهم نوع من المعتقدات الدينية. وأظهرت الدراسة أيضًا أنه حين يفكر الناس بالله والدّين، تكون ردة فعل أدمغتهم مختلفة ممَّا يُحدُّ من احتمال ارتكابهم الأخطاء الناتجة عن القلق. وقد كتب المشاركون كلمات تتعلق بالله قبل الاختبار، ثم قاس الباحثون نشاطهم الدماغي وهم يقومون باختبار على الكمبيوتر تم اختياره بدقة لاحتمال ارتكاب الكثير من الأخطاء فيه. وظهر أنه حين يفكر الأشخاص المؤمنون بالله يتراجع النشاط الدماغي في منطقة معينة من الدماغ التي تُنذر الإنسان حين يقوم بخطأ ما. فحين يفكر الناس بالله يمنحهم ذلك شعورًا بالثقة بنظام معين في العالم يشرح لهم الأحداث العشوائية مما يخفف من شعورهم بالقلق. والعكس صحيح مع الملحدين إذ يرتبكون لأن التفكير بالله يتعارض مع النظام الذي يعتنقونه مما يسبب لهم القلق الكثير.
 ليس التفكير بالله وحده كافيًا - يا قارئي - بل الرجوع إلى الله الخالق العظيم، العودة إلى صفاء الحياة ونقائها، معرفة الله عن كثب، اختبار الله في الفكر والعقل والقلب والوجدان، وتطبيق وصاياه المقدسة في الحياة اليومية. لأنه مكتوب: "والشياطين يؤمنون ويقشعرّون" (يعقوب 3:19ب). لا، ليس هذا النوع من التفكير العابر في الله الذي ربما يريح للحيظات من الوقت، بل الإيمان الحقيقي الراسخ في الرب يسوع المسيح "الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ" (عبرانيين 3:1). الذي هو من جوهر الله، أعلن للبشر أجمعين محبة الله الأبدية والعجيبة والباذلة والمضحية. تواصل الله الذي هو إله المحبة الكاملة مع الإنسان عن طريق الرب يسوع المسيح الذي صار مصالحًا الإنسان بالله. أليس هو الذي صرح عنه الرسول بطرس وقال: ”وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ“ (أعمال 12:4)؟ وعندما يؤمن الإنسان حقًا بهذا المخلص الفريد وعمل الفداء الذي قام به على الصليب من أجله شخصيًا، فيحظى المؤمن بغفران خطاياه وتعود الشركة بينه وبين الله الآب؛ وعندها يملأ السلام والفرح الحقيقيان قلبه. وهذا السلام والفرح يرافقانه في حياته اليومية، ويساعدانه في تخطي مصاعب الحياة وهمومها وآلامها ومآسيها المتنوعة. هذا النوع من "السلام الذي يفوق كل عقل" يحفظ قلب المؤمن التابع الحقيقي للمسيح، وهذا "الفرح الذي هو قوة المؤمن" يفيض من داخله على الرغم من كل ما يواجهه من تجارب وضيقات. إذن ليس مجرد التفكير بالله، أو الإيمان الفكري العقلي الجامد، بل الإيمان الاختباري بالمخلص والفادي المسيح الذي "هو الوسيط الوحيد بين الله والناس".
 
 هذا بالضبط كان إيمان ”آنّا“ الأرملة التي فقدت زوجها في سني زواجها الأولى. لم تتكل على الله بالكلام فقط، بل وثقت فيه وبمواعيده في كلمته المقدسة بأنَّه راعيها الذي يسدُّ كل إعوازها لأن فيه شبع القلب والروح. فماذا يعوز المؤمن بعد؟ يقول الرسول بولس في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس: "وَلكِنْ لَنَا هذَا الْكَنْزُ فِي أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ، لِيَكُونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ ِللهِ لاَ مِنَّا“. كنز الإيمان كنز إشراق الله لنوره في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح. مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. مُضْطَهَدِينَ، لكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ".
 
 هذه المواعيد - يا قارئي - هي مرساة للنفس مؤتمنة ثابتة. فإذا رَسوت عليها حصلت على هدوء النفس والطمأنينة والاستقرار الداخلي والسلام الحقيقي. عندها لا تستطيع إلا أن تهتف مع المرنم داود وتقول: "اسْتَيْقِظِي أَيَّتُهَا الرَّبَابُ وَالْعُودُ. أَنَا أَسْتَيْقِظُ سَحَرًا. أَحْمَدُكَ بَيْنَ الشُّعُوبِ يَا رَبُّ، وَأُرَنِّمُ لَكَ بَيْنَ الأُمَمِ. لأَنَّ رَحْمَتَكَ قَدْ عَظُمَتْ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى الْغَمَامِ حَقُّكَ" (مزمور 2:108-4).

المجموعة: 201011

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

106 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10555134