Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيلول - تشرين الأول Sep - Oct 2012

الدكتور القس ميلاد فيلبستشدد الوصية السادسة من الوصايا العشر على عدم الثأر والقتل "لا تقتل" (خروج 13:20) اعتبارًا للحياة البشرية وقدسيتها، وفي ذات الوقت تظهر اهتمام الله بالحياة الفردية، وأحقيته في التصرف في الحياة لأن الدم الذي يسفك عند القتل هو عطية الله، والله هو معطي الحياة. لذلك يبطّل ويحرّم عمل المتصرفين في حياة الناس. وهذا ما تذهب إليه الوصية في النهاية "لا تقترف جريمة".
وهذا يعني أن لا يرتكب الإنسان جريمة بنفسه كعمل فردي من شخص لآخر، لأن هذا من حق القضاة والحكومات فقط الذين خُوِّلوا الحق الدستوري في الحكم وإجراء العدل لاستتباب الأمن في البلاد (رومية 1:13-7 وتكوين 6:9).

أولاً: نواهي إلهية

إن ما تنهي عنه الوصية هنا هو التهوّر وتعمد القتل بسبب بواعث خاطئة وفي ظروف خاطئة بواسطة سلطات غير شرعية. ومع أن الناموس كان بداية حسنة لأنه "لم أعرف الخطية إلا بالناموس - القانون"، لكنه لم يستأصل دوافع قتل النفس، فهو يحذر ضد حمل السلاح أو أداة القتل ويبين العقوبة.
حلم سكير أنه رأى أربعة فئران في بيته، أحدهما أعمى والثاني سمين جدًا والباقيان هزيلان وضعيفان جدًا. وعندما قص حلمه على عائلته، أجاب أحد أبنائه: أما الفأران الهزيلان فهما أنا وأمي لأنك تسكر بثمن قُوتِنا، والفأر الثمين هو بائع الخمر لأنه يأخذ ثمن طعامنا وكسائنا، والفأر الأعمى هو أنت لأنك ترى كل هذا وتغمض عنه عينيك.
إن السلوك العدواني سببه الطمع في أموال الآخرين، أو حسد الغير على نجاحهم، أو التعصب ضد فئة من الناس واستباحة أموالهم، أو الظن بأن سلب الآخرين يرد حقوق الغير. وقد قيل: "الناس من خوف الفقر في فقر".
ورد مرة في إحدى الجرائد العالمية تحت عنوان "الإنسان والمدنية": الخطر وكل الخطر هو ما نشاهده هذه الأيام من الزيادة المطردة في نسبة الأمراض العقلية التي ترجع إلى عوامل الخوف والقلق والإرهاق. وفي إحصائية لعام 1960 ترى أن سكان الولايات المتحدة يتعاطون كل مساء ستة ملايين ونصف قرص من الأدوية المنوّمة لتهدئة أعصابهم المتوترة. بكل تأكيد إن وساوس الخوف، والاضطهاد، والقتل، والفقر، والتوجس بما سيأتي به الغد أكثر تعذيبًا من وقوع هذا الشر فيما لو حدث. إن السلحفاة لها صدفة كافية لتحميها ولو داستها عربة ثقيلة ولكنها تخشى المطر جدًا، فلا تقتل نفسك! ربنا موجود.
لهذا السبب وضع المسيح مقياسًا أعلى حتى نتعرف على القاتل القابع فينا والحوافز الخفية وراء سلوكنا العدواني، فقد أوضح أن من يغضب أو يحقد يستوجب الحكم (في المحاكم الصغيرة العالمية) تماما كالقاتلين، ومن يقول لأخيه "رقا" أي "راس فارغ"- وهي كلمة أرامية الأصل تدل على الإزدراء والاحتقار فهو يستوجب المجمع (مجمع السنهدريم وهو المحكمة العليا)، ومن يقول "أحمق" وهي كلمة تمس المرء أدبيًا وأخلاقيًا فهو يكون كمن يدين غيره واصمًا إياه بأنه لا يستحق اهتمام الله، ويحطّ من سمعة الآخرين، لذلك يستحق قائلها نار جهنم لأن الله وحده هو الديان. وكأن الرب قصد في متى 5:21 و22 أن يساوي الانفعالات الداخلية بمظاهرها الخارجية في أهميتها لكي نتحكم في سلوكنا وأفعالنا وأن نسير في الطريق المؤدي إلى النضج الانفعالي نحو الكمال.

ثانيًا: دوافع غريزية

ينبغي أن لا ننسى أن عالمنا قد ازداد تعقيدًا بحيث كثرت فيه المنافسة مما يزيد من حدة الانفعالات. ويقول علماء النفس ما معناه: "أن السلوك العدواني هو استجابة لانفعال معيّن، وبقدر ما يكون الانفعال قويًا فلا شك أن الاستجابة تكون مسرفة أيضًا، فالقتل مثلاً هو استجابة لانفعال الغضب. والسبب في السلوك العدواني أو المقاتلة يرجع إلى أن هناك عائقًا ما منع الفرد من تحقيق هدف يسعى إليه. وإذا انعدم هذا العائق انعدم معه بالتالي السلوك العدواني. ولقد بين البعض أن الميل إلى المقاتلة من الدوافع الأولية، بل هو دافع اجتماعي يكتسبه الفرد من جو الأسرة والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها.
قيل لمجنون: "عدّ لنا المجانين".
فقال: أنا لا أعرفهم وإنما أستطيع أن أعد لكم العقلاء.
فقيل له: إذن عد لنا العقلاء،
فأجابهم: أنا لا أجد في الدنيا إلا عاقلاً واحدًا وهو "أنا".
إذن كيف يمكن التحكم والسيطرة على الانفعالات الداخلية؟
إن أخطر ما يحدث للرتم (الغزال) التشابك بالقرون المعقدة، وهو أن يدخل في عراك مع زميل له فتتشابك قرونهما حتى الموت جوعًا.
إن الإنسان لا يمكنه التخلص من انفعالاته ويصبح جامدًا، لكن عليه أن يعاملها بصورة أفضل بإضعاف تأثيرها، وترويضها، وتوجيهها إلى طاقة خلاقة صالحة، وهذا يظهر حكمة ربنا يسوع المسيح في الموعظة على الجبل. والإرادة - كما في رأي (عمانوئيل كانط) الفيلسوف الألماني- عنصر فعال في الحكم على شرية أو خيرية الفعل، وبذلك نستنتج أن الإنسان غير مجبر على أفعال معينة بطريقة حتمية مما يدمر اتزانه النفسي. وفي العلم الحديث "الطب السيكوسوماتيك" توصل العلماء إلى أن الانفعالات الشديدة كالغضب والخوف والحزن،  تؤثر على غشاء المعدة الداخلي فتزداد حركة جدرانها وتكثر إفرازات سوائلها ويحتقن نسجها مما يسبب ظهور القروح المعدية، والربو، والسرطان، والإسهال، والإمساك، وفقدان الشهية، وأمراض القلب، والضغط، والتعرض للإيحاء، وسرعة التصديق، وأحلام العدوان، ودوافع الانتقام. وهذا كله أو بعضه يؤدي إلى اضطرابات في السلوك الخارجي. قال فولتير الفيلسوف مرة: "قد أختلف معك في الرأي، ولكنني مستعد أن أموت دفاعا عن حريتك في إبداء رأيك".

ثالثًا: غلبة داخلية

من الواضح أن المسيح لم يسن قوانينا بخصوص القضاء والعدالة في المجتمع لأن الحكومة الرومانية كانت تقوم بالعدالة، لكنه أوصى بعدم الغضب إطلاقا بسبب أو بغير سبب (متى 5:22، يعقوب 20:1 و1كورنثوس 8:3)، ففي الدستور الإلهي الغضب ممنوع.
سُئل أحدهم: كيف خلت حياته من المشاجرة، فقال: "بترك الغضوب يتشاجر مع نفسه".  وإذا رُفع العائق تَدَعَّم السلام بين الناس بالإيمان والمحبة. ويسوع لم ينفِ وجود الأعداء بل قال "أحبوا أعداءكم" مما يجعلنا نتقبّل أشياء كثيرة يعملها الناس ضدنا نشمئز منها، لكن نتقبلها بسرور "لأنه مكتوب لي النقمة أنا أجازي يقول الرب" (رومية 19:12). وهذا يستدعي منا الحزن على أعدائنا لأنهم تحت غضب الله بل ونصلي لأجلهم كثيرًا (متى 11:5 و12 و14). ويضع المسيح أمامنا تسلسلاً منطقيًا في معاملة أعدائنا.. فعلى المسيحي أن يضبط نفسه فلا يغضب "لا تقاوموا الشر" (متى 39:5)، بمعنى أن لا تبادلوا المثل بالمثل أو بالمساواة. وبذلك أرسى أمامنا مقياسًا جديدًا يمكن أن ندعوه "مبدأ المفاجأة"، فليس فقط أن تعامل من يضربك بغير ما عاملك بل أن تحوّل الخدّ الآخر، أو تمشي الميل الثاني، أو تستعدّ للعطاء والقرض (متى 39:5 و42). فالمصالحة مع الآخرين أهم من العبادة (متى 23:5 و26). وهذا شيء صعب أن يدركه العقل تمامًا "وإن كان ممكنًا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس".
أراد ملك أن يكافئ أحد قواده البواسل. فاستدعاه ووضع أمامه وسامًا وكيسًا مملوءًا ذهبًا، وقال له: "خذ واحدة من هاتين الجائزتين". فأخذ القائد كيس المال دون أدنى تردد. فقال الملك: يظهر أنك لا تكترث للشرف لأنك فضلت المال على الوسام. فأجاب القائد: عليّ دين يا سيدي يقتضي شرفي أن أفيه قبل كل شيء، أما الوسام فإنني أسعى إلى اكتسابه في المعركة القادمة.
يقول ستانلي جونس: "إن هذا يظهر نوع الحياة التي يجب أن تحياها البشرية في مستواها الجديد. فإذا أردنا أن نعيش هذه الحياة يجب أن نموت عن الذات، فالميت عن ذاته فقط يمكنه تجنب بغض أعدائه ويحيا حياة الطهارة التي يتطلبها يسوع المسيح، والله هو الوحيد الذي يخضع الذات البدائية الخبيثة لإرادته وبذلك نسير في ركاب الحياة الحقيقية والفضلى". أعتقد أن هذا ما عناه أمير الشعراء أحمد بك شوقي حين قال:

إلام الخلف بينكم إلاما
وهذي الضجة الكبرى علاما
وفيم يكيد بعضكم لبعض
وتبدون العداوة والخصاما

المجموعة: أيلول-تشرين الأول Sep-Oct 2012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

103 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10582264