Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الأول December 2012

خادم الرب جوزف عبدوبمناسبة الميلاد المجيد، يقرأ الناس كثيرًا من المقالات والمواضيع حول بركات مجيء المسيح إلى عالمنا الأرضي وتجسّده في صورة إنسان لكي يقرّب لنا صورة الله القدوس العادل فنراه أيضًا في حبّه، وحنانه، وغفرانه العظيم، إضافة إلى ما أرساه مجيئه المبارك من مبادئ الحق والبرّ والسلام. ولكنك قلّما تجد من يشغّل ذهنه في افتراض ما كان سيحصل للعالم لو لم يأتِ المسيح!
يظن البعض أن المسيح قد جاء إلى العالم ليؤسس ديانة، ويعد لأتباعه مناسبة سعيدة يحتفلون فيها ويسرون بالمناظر ويتلذذون بالمآكل والمشتهيات، أو يقيمون المواسم والمراسم والمهرجانات. لكنه في الواقع لم يقصد ذلك، ولم يطلب منا أن نصنع له عيدًا فنزيّن المنازل والمتاجر والساحات بأنوار وبهرجات كثيرة ما زالت تتكاثر وتزداد تنوّعًا وتوجّهًا جيلاً بعد جيل، وعامًا بعد عام، بينما الكثير من القلوب المعتمة يعشش في دواخلها الطمع، والخبث، والخداع، والحسد، والبغضاء، وروح الانتقام، وتستفحل فيها دوافع القتل والشهوة والسطو على حقوق الآخرين.
فلماذا قصد المسيح أن يكون يوم ميلاده غير معروف على وجه التحديد رغم أنه هو الذي رتّب أسس المسكونة ونظّم سيرها في الفضاء بالدقائق والثواني؟
ولماذا رضي أن يولد في مذود حقير - لا يتقبّله مهدًا أدنى أدنياء الناس - ليس فيه شيء من البهجة الظاهرية رغم أن ملائكة السماوات ترنّمت طربًا وبهجة بهذا الحدث الجليل؟
لقد استطاع الشيطان بمكره ودهائه أن يزيّن الظواهر ويعطيها بريقًا زائفًا بينما هو ينجّس الخفايا بكل ما عنده من فنون الشر. ومع أنه لا بأس إن كانت هنالك بعض المظاهر تعلن عن الشعور بالبهجة الداخلية، ولكن إن كانت لا تشير إلى المعنى الحقيقي بشيء فهي وعدمها سواء.
دعونا نتصور عالمًا يملؤه الحقد وتعمّه البغضاء، يسود فيه الظلم والاستعباد للضعفاء، والكره حتى العظم للذين يخالفوننا الرأي أو الفكر أو المعتقد. عالمٌ جميع زواياه مظلمة حالكة السواد، ليس فيها من يحمل شمعة تضاء بنور الحب والتسامح والإخاء، ولا من يرفع راية للحق والعدل والمساواة، أو من ينشد أهزوجة للتعايش والسلم والوفاء. أليس ذلك شبيهًا بغابة كبيرة تسكنها الوحوش والضواري؟ ونحن نعلم أن الشر كلما اتسعت رقعة وجوده تزايد باطراد حسب "سلسلة هندسية" إذا صح التعبير. وكلما مر عليه الزمن ازداد ترسخًا وعنادًا.
فمنذ سقوط أبوينا الأولين في جنة عدن حتى مجيء المسيح إلى العالم، توفرت للبشرية فرصة لاختبار إمكانية تبرّرها ذاتيًّا، ورغم الإعلانات النبوية بما فيها الناموس الأدبي، فقد ثبت فشل الإنسان في مسعاه الذاتي لمساعدة نفسه أو لمعونة الآخرين، وقد تبرر الله في مسعاه إلا أنه كان قد أعدّ في المشورات الأزلية خطته المحكمة لخلاص بني البشر!
من كان سينير تلك القارة السوداء لينقذ شعوبها من تجاهل التوحش وأكل لحوم البشر، فالذي كان يمكن أن يدخلها غازيًا كان سيصبح وجبة دسمة للبطون الجائعة والنفوس التي كانت تأبى أن تعرف معنى الإنسانية، حتى دخلها أولئك الذين تبعوا سيدهم بالحب الحقيقي وإنكار الذات والتضحية بالنفس لإنقاذ الآخرين وليس لتدميرهم لإشباع وتحقيق الذات!
ولنا أن نتصوّر العواقب المريرة التي كانت ستجنيها البشرية لو بقي العالم إلى يومنا هذا دون مجيء للمسيح. فمن كان سيسمع تلك العبارات البلسمية التي نطق بها المخلّص ودُوّنت في الأناجيل حول تفعيل الوصايا الإلهية وإعطائها أبعادها الروحية العميقة في كل مجال من مجالات التصرف والعلاقة بين بني البشر.
فالذين أضلّهم روح الشر والكبرياء لم يقبلوا هذه التعاليم السامية، فبعضهم وجد أنها تفوق قدرة البشر على التطبيق، والبعض الآخر رفضها لأنها تتعارض مع الأهداف التي يبتغيها، وغيرهم لأنها لا تساير الخرافات والأضاليل التي نشأوا عليها، وجميع هؤلاء ما فتئوا يخالفونها نصًا وروحًا رغم ادعائهم الصلاح والتقوى. ولكن الذي يزن الأرواح ويعرف خفايا القلوب أعطانا مبدأً لاختبار زيف الأقوال في ضوء الأفعال بقوله الكريم: "مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً" (متى 16:7-18). ثم ينتهي إلى ذلك التحذير الخطير – مع أن كثيرين يهملونه ظنًا منهم أن الله سيرضى عما ينوون، أو يقولون، أو يفعلون لمجرد ادّعائهم بأنهم يعرفونه – "كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ".

أولاً: في النواحي الاجتماعية والعلاقات الإنسانية على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والعالم


فمن أين تجيء أفكار العدل، والمساواة، والمحبة، وحقوق المرأة، وحرية التعبير، والديمقراطية، وحقوق الإنسان؟ إن الدول  التي سادت فيها روح الإنجيل، على الرغم من تحوّلها إلى دول علمانية، ما زالت تحرص على تبنّي تلك المبادئ السامية، على نقيض ما جرى في الدول والمجتمعات التي سادت فيها روح التعاليم البشرية مهما كان مظهرها:
1- في مجال الحروب والقتل وسفك الدماء. فلو لم يأت المسيح لتضاعفت هذه جميعها لأن نفس الإنسان المليئة بالكبرياء وحب الذات تدفعه دائمًا لمحاربة الآخرين وقتلهم لتحقيق ذاته، ولكن تعاليم المسيح ولجت إلى عمق المشكلة لأنها جاءت بسلطان إلهي واضح. "قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا (تافه)، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ (العقاب)، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ" (متى 21:5-22).
2- في مجال الكراهية والبغضاء للآخرين أيًا كانوا، فقد كان تعليم المسيح – له المجد – في قمة السمو "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ (أي بالمفهوم المعاكس). وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ".
(متى 43:5-44)
3- في مجال الظلم وانعدام العدالة. فقد شجب المسيح ذلك في أماكن وأوقات كثيرة مؤكدًا على إنصاف المظلومين وتطويبهم لأن الله ناظر من عليائه دائمًا إلى دموع المظلومين.
4- بخصوص الإباحية والزنى. فقد عرف المسيح - له المجد - بقوة لاهوته ما ستجره هذه على البشرية من ويلات الأمراض المستعصية فقال: "قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ" (متى 27:5-28).
5- في موضوع السلب والاغتصاب. لقد عرف المسيح أن في الناس ميلاً لاغتصاب حقوق الآخرين فعلّم أعظم مثالٍ للسماحة والبذل بقوله الكريم: "وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ" (متى 40:5-42).
6- في مجال النقمة والافتراء، ما يصعب فعله على من لم يقبل المسيح في قلبه: "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا".
(متى 38:5-39)
7- في مجال الاستعباد والإذلال: فقد سما المسيح بأفكار الناس الذين آمنوا بكلامه لكي ينبذوا التمييز بحسب العرق أو اللون أو الجنس ويعيشوا في مساواة كاملة لأنهم خُلقوا جميعًا من دم واحد. وهذا غيض من فيض من تلك الدرر النفيسة.

ثانيا: وهي الأهم في مجيء الرب يسوع المسيح إلى العالم: العلاقة المطلوب وجودها بين البشر وبين الله


فقد حدد السيد هذه العلاقة في اتِّجاهين: فعلمنا أن علاقة الله ببني البشر هي علاقة حب إلهي تجسد في شخصه الكريم حيث أنه جاء بروح إلهي متجسدًا بنفس وجسد بشريين لكي يقدر أن يضع يدًا على الله ويدًا أخرى على الإنسان المُدان بشره؛ فيقوم بعمل المصالحة والغفران بتوسّطه بين الله والإنسان ببذل جسده - الذي هو بدون خطية - فداء كاملاً وكافيًا لخلاص البشرية وعودتها إلى بنوة الله بعد إزالة مغبة العصيان. كما رتب علاقة البشر بالله لتكون لا علاقة خوف ورهبة بل علاقة بنوّة وحب ولكي تكون الطاعة نابعة من هذا الحب البنوي لأب محب في كمال حبه وحنانه. "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ".
فكم يجدر بنا أن نضرع إلى الله القدير لكي يمنحنا القوة والشجاعة لنعيش حسب تعاليم مخلصنا بالصدق والصبر، ونكون سبب بركة وبنيان وخلاص للسالكين بعكس هذه التعاليم في جميع أنحاء العالم؛ لكي يخلصوا من دينونة اليوم العظيم، وحكم الهلاك الأبدي للذين لم يقبلوا الحق الإلهي الساطع بسبب العناد، والكبرياء، والاستسلام لأفكار الشيطان وطرقه الخبيثة في تزوير الحقائق وإخفاء النور عن عيون الكثيرين، راسمين في أذهاننا صورة لبؤس هذا العالم، لو لم يأتِ المسيح!

المجموعة: كانون الأول December 2012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

90 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10555477