Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2013

خادم الرب جوزف عبدوتختلج في قلوب الغرباء ذكريات وشجون لا يداوي أثرها مالٌ ولا ثراء. ولا يخفّف وقعها اكتساب الأصدقاء. فهي تظل محفورة في أعماق النفوس لا يجديها علاج ولا يهدّئها دواء! إلى أن يعود الغريب إلى وطنه الذي تصبو إليه النفس والذي لا يغشى صورته في المخيّلة طول البعد ولا استمرار الجفاء.
لم يكن ذلك  الشعور بالغربة موحدًا بين أهل العالم في يوم من الأيام. حيث أن مكوناته تختلف بحسب توجهات النفس وقناعاتها المستقرة في طوايا المشاعر والعواطف.


فالذين حملوا لافتة "الغيب" لم يكونوا مقطوعين من شعوبهم وأفراد عائلاتهم ولا كانوا في حالة سبيٍ أو تهجير. ورغم أن حال الكثيرين من الناس كحال تلك المرأة الشونمية التي استضافت أليشع النبي في بيتها، فأراد أن يرد لها الجميل... ولما سألها غلامه عن خير أو أمر تريد أن يُصنع لها أجابت: "إنما أنا ساكنة في وسط شعبي" (2ملوك 13:4). فقد كان عندها شعور بالاستيطان كما يشعر غالبية سكان الأرض بأنهم مستوطنون فيها!
لكن الشعور السائد لدى المؤمنين في كل العصور هو: أنهم غرباء ونزلاء ليس إلا!
فداود الملك مثلاً رغم أنه كان يعيش في وسط شعبه الذي يطيعه ويدافع عن ملكه وكانت له القوة الكافية للحفاظ على ملكيته تلك، لكنه قال: "اِسْتَمِعْ صَلاَتِي يَا رَبُّ، وَاصْغَ إِلَى صُرَاخِي. لاَ تَسْكُتْ عَنْ دُمُوعِي. لأَنِّي أَنَا غَرِيبٌ عِنْدَكَ. نَزِيلٌ مِثْلُ جَمِيعِ آبَائِي" (مزمور 12:39). وقد كان هذا الفكر بحسب قلب الله الذي قال للشعب القديم: "والأرض لا تباع البتة، لأن لي الأرض، وأنتم غرباء ونزلاء عندي" (لاويين 23:25). ويقول المرنم أيضًا: "غريب أنا في الأرض. لا تخفِ عني وصاياك" (مزمور 19:119). فلقد تبنّى هذه المقولة جميع الأتقياء في كل أحقاب التاريخ المقدّس.
-  يخبرنا الكتاب عن إبراهيم أبي المؤمنين قائلاً: "بالإيمان تغرّب في أرض الموعد كأنها غريبة، ساكنًا في خيام مع إسحاق ويعقوب الوارثين معه لهذا الموعد عينه. لأنه كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله" (عبرانيين 9:11-10).
-  ونحن كمسيحيين ناطقين بالعربية نعيش في غربتين: غربة السكن، وغربة الحياة بالجسد منتظرين الرجاء الأسمى وظهور ربنا يسوع المسيح. وإذ نشكر الله من أجل هذا الوطن الجديد الذي شاء الرب أن نتغرب فيه، ولأجل الحرية والمساواة واحترام إنسانية الإنسان بمعزل عن عرقه وخلفيته ومعتقده، مصلين من أجل رؤساء البلاد والمسؤولين فيها، لكي يضعوا كلام الله الحيّ أمام عيونهم من جديد نورًا لمسلكهم ونبراسًا لشعبهم، فيسعوا لنشر العدل والحق والسلام في هذا العالم المضطرب، ويعملوا ضد الشر ومخططات الشيطان لرفع الضيم عن الضعفاء، وتخفيف العناء عن الأشقياء. كما نصلي لكي يحفظ الرب هذه البلاد من الكوارث والويلات المدمّرة.
-  وحياة الغربة قاسية على الغريب ولا سيما حينما يكون مقتلعًا من أرضه بالسبي، أو الطرد، أو التهجير، أو تحت التهديد بالإرهاب. يقول المرنم: "ويلي لغربتي في ماشك، لسكني في خيام قيدار! طال على نفسي سكنها مع مبغض السلام. أنا سلام، وحينما أتكلم فهم للحرب" (مزمور 5:120-7).
والمؤمن الحقّ غريب أينما وُجد وحيثما حلّ، لأنه يعيش هنا في موطنٍ فانٍ لا يصلح أن يكون للنفس مقرًا وإن حُسب للأقدام ممرًا! هو غريب في كل شيء لأن أشواقه تتجه نحو وطنه الأبدي، وذلك يرتّب عليه كلفة كبيرة ويسبب له أشجانًا كثيرة لا بد له من احتمالها بصبر...
أولاً: هو غريب في شكله — يتحمّل أن يعتبره الآخرون مستهجنًا في مظاهر حياته... محتشمًا في ملبسه ولو تعرّض لسخرية دعاة التعرّي لإظهار مفاتن الجسد، الذي تسرب إلى بعض أماكن العبادة أيضًا، ولو أراد الله أن يكرّس العري لما نزل بنفسه ليصنع لآدم وحواء أقمصة من جلد ليسترهما في الوقت الذي انفتحت فيه أعينهما؛ أي بعد السقوط.
ثانيًا: وهو غريب في مسلكه — قانع في الحصول على مطاليبه الحياتية، واثق بمصدر رجائه الحي. ينتقي علاقاته لتكون مع إخوته الغرباء نظيره، مختلف في ممارسة أفراحه، فلا يجد مسرته في السكر والبطر ولا يسعى لمجاراة الآخرين، كما نرى مع الأسف كيف يجتهد متوسطو الحال ويتسابق الأغنياء في البذخ في أفراحهم، بينما نجد منابر الله لنشر الكلمة المكتوبة، والمسموعة، والمرئية، تقبع في هزالها المخيف بسبب نقص الموارد وقلة الإمكانيات! أما في أحزانه فهو يختلف عن الآخرين مقتديًا بما قاله الرسول بولس: "فلا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم"، أي الذين يحزنون تظاهرًا ورياء، فقد كانوا في الماضي يستأجرون النادبات، وهم اليوم يستحثون الباكيات... ليُظهروا شدة أسفهم على "فقيدهم الغالي" الذي قتلوه من قبل أن يموت... إهمالاً وإذلالاً وتركًا!
ثالثًا: وهو مختلف في كلامه — متميّز في تعابيره وألفاظه، فأهل هذا العالم تمتلئ أفواههم بالكلام الفاحش، والمذمّة، والسفاهة، والشتيمة، إضافة إلى الأقسام والحلف في كل كبيرة وصغيرة متناسين قول الرب: "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً".
رابعًا: وهو مختلف في أفكاره وتصوّرات قلبه لأن نافذة الذهن خطرة جدًا في حياة المؤمن، ففي هدأة النفس عند قيلولة النهار أو سكتة الليل تتسرب من تلك النافذة – إذا كانت غير منضبطة – أشكال من التفاهات والتصورات الشريرة.
خامسًا: وهو مختلف في أهدافه — عيناه دائمًا نحو وطنه الدائم الذي ينتظره بصبر، وقلبه يصبو إلى لقاء فاديه، وجميع الأمور الأخرى في حياته تخدم هذا الغرض المجيد.
أخي وأختي، أيها الغريب... في الغربة نُصبح إخوة! لذلك الذي تغرّب في أرضنا البائسة حينًا تاركًا مجد السماء، فوُلد في مذود وضيع غريب ومستعار ولجأ هاربًا من ظلم هيرودس ليتغرّب في أرض مصر وقضى أيامه غريبًا لم يكن له أين يسند رأسه، ولكنه يجلس الآن في يمين العظمة في عرش السماء يشفع بإخوته الغرباء... وحتى يوم اللقاء تبقى عبارة سلامنا "ماران آثا"!

 

المجموعة: كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2013

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

66 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10570220