Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيار - حزيران May - June 2013

الدكتور القس ميلاد فيلبسلا تختلف الأديان أو العلوم أو الفلسفات على ضرورة الإيمان بمسلمات ما، وتبني بديهيات وقوانين في مجال الأبحاث مما دعى البعض بتعريف الإيمان بأنه فطري في الإنسان. وها هو بولس  فيلسوف المسيحية يشهد قائلاً: "لست أستحي بإنجيل المسيح، لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن: لليهودي أولاً ثم لليوناني. لأن فيه معلن بر الله بإيمان لإيمان، كما هو مكتوب: أما البار فبالإيمان يحيا" (رومية 16:1-17).
فما هو الإيمان؟ وما هي أبعاده؟ إن كلمة إيمان تشتق من نفس جذور كلمتي أمان وأمانة لغويًا. وكلمة إيمان في الإنجيل تعني ثقة، واعتماد، وإخلاص، ومصداقية، ويقين، واعتقاد، وأصالة، وتفهم. لذلك يقول الفيلسوف الإنجليزي سي إس لويس: "الإيمان قوة التي بالتمسك بها نفهم الأفكار المنطقية بالرغم من التناقضات الظاهرية. أما "إلفن بلانتيجا" فيرى أن كل عقائدنا تؤسس على المبادئ المطلقة التي نقبلها بالإيمان. والمهم هنا معقولية الإيمان. إن فرانك لوباخ، صاحب مشاريع محو الأمية، كان يبدو دائمًا كما لو كان قابضًا على شيء في يده، وهو يد الله الذي يسير برفقته. وهنا نسأل ثانية: ما هو الإيمان؟

أولا: الإيمان سر

يقول الكتاب المقدس عن الشمامسة: "ولهم سر الإيمان بضمير طاهر" (1تيموثاوس 9:3). وهذا السر لا يعطيه الله أو يكشفه إلا بنعمته، لا فقط بالدراسة كما في إعلان بطرس "أنت هو المسيح ابن الله الحي" (متى 16).  "الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا أين تذهب. هكذا كل من وُلد من الروح". فتغيير القلب معجزة تتم لا بأعمالنا بل بروح الرب حين نسمع صوت المسيح ونصبح ملكًا له بالإيمان. وهذا يعني أن الطاعة والإيمان متلازمان. في أحد الموانئ يرشدون السفن الداخلة إلى الميناء بوضع أنوار في خط مستقيم، ومتى تبع القبطان اتجاه الأنوار، دخل الميناء بسلام. ما أكثر سفن الحياة المحطمة على صخور الطيش والعجلة بينما "من آمن لا يهرب" (إشعياء 16:28). أي من آمن بالرب لا يسرع منتظرًا معرفة مشيئة الرب. تجدد أحدهم وتقدم للخدمة، وإذا بعجوز تقي يضع أمامه ثلاثة قوانين بسيطة للنمو في الإيمان:
الأول: أن يصرف ربع الساعة كل يوم ليصغي فيها إلى كلمة الله ليكلمه من كتابه.
والثاني: أن يصرف ربع الساعة ليتكلم فيها مع الله.
والثالث: أن يصرف ربع الساعة فيها يكلم الناس عن الله.

ثانيا: الإيمان حبة

"لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم" (متى 20:17). إن الإيمان حبة صغيرة يضعها الروح القدس في قلوبنا بالكلمة فتنمو وتنمينا. والله يتعامل مع أقل قدر من الإيمان "آمن فقط فهي تُشفى". إن الله لا يبررنا من خطايانا بناء على براهين بل بناء على حسبان، فهو يعامل الخاطئ كأنه ليس خاطئًا بالمرة، وهذا هو الإنجيل (رومية 17:1). إذًا برّ الله معلن بناء على مبدأ الإيمان "بالنعمة أنتم مخلصون". ثم أنه معلن لإيمان أي للسلوك بالإيمان، لأن عدل الله بدون الإنجيل يدين الإنسان، لكن عن طريق الإيمان يعلن خلاص الله "ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد". بكلمة أخرى، الإيمان يحدّد الحقيقة الفلسفية والدينية، ويوجّه الضمير نحو المعرفة، معرفة المسيح.

ثالثا: الإيمان جوهر

في عبرانيين 2:4 نقرأ: "لأننا نحن أيضًا قد بُشِّرنا كما أولئك، لكن لم تنفع كلمة الخبر أولئك. إذ لم تكن ممتزجة بالإيمان في الذين سمعوا". إن كلمة الخبر هي البشارة المفرحة والراحة والسلام. "إذًا الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله"، أي يلزم قبوله بقوة تفوق العقل "الإيمان". فالإيمان جوهر ما نرجوه أو المادة التي "تقدّم الأساس" لشيء آخر. وتشير هذه الكلمة إلى "رسم جوهره" عن المسيح في عبرانيين 3:1 أي إلى طبيعته. وحيث أن الجوهر ليس له صورة أو رسم لذلك هو ذاته الله. إن الله الآب هو الواقع الأبدي وغير المرئي والذي يعبّر عنه يسوع المسيح على نحو مرئي (عبرانيين 1:11)، كما أن الإيمان عنصر إلهي، أو شرط فعال، أو جوهر حقيقي يغير ويخلق ويصلب الإنسان العتيق فيتجدد. "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد"، والتجسّد يعني هنا تواصل واتصال – اتصال الله بالبشر. أما البار فبالإيمان يحيا" (غلاطية 20:2). إنه يحيا بالإيمان وفي الإيمان لأنه يمتلك إيمانه بالمسيح، ذلك المبدأ السامي الذي يثبته ويقويه.

رابعا: الإيمان ثقة

"وأما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا تُرى" (عبرانيين 1:11). إن الإيمان هو الرجاء الذي بدون شك سيأتي بما نتوقعه. سأل القاضي يوحنا بنيان السجين لأجل إيمانه بالمسيح: "هل تظن أن رجلاً مثلك سيذهب إلى الله ويتمتع بأمجاده؟" فأجابه: "ليس هذا من قبيل الظن والتخمين بل هو العلم واليقين". "بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله، حتى لم يتكوّن ما يرى مما هو ظاهر"، فالإيمان يفتح البصيرة لإدراك أن الله لم يصنع العالم من مادة موجودة بل أنه خلقه من لا شيء. ومن ناحية أخرى، "الروح يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله". وعندما يكتب الله نواميسه في قلوبنا، ويدفعنا للبر، ويحوّل الإيمان الإرادي إلى ثقة وتصديق، يتوّجنا آنئذ باليقين. في المسيحية، الإيمان مبني على عمل المسيح، وبواسطته يمكن رؤية سر الله. إنه الإيمان الذي يغير ويتسبب في التغيير. إن هذا الإيمان يحمي المؤمن من "خرافات وأنساب لا حد لها" أو الأساطير الخرافية.

خامسا: الإيمان عمل

ففي 1تسالونيكي 3:1 يردد بولس القول: "متذكرين بلا انقطاع عمل إيمانكم، وتعب محبتكم، وصبر رجائكم، ربنا يسوع المسيح، أمام الله وأبينا". هذا يعني أن الإيمان ليس سلبيًا بل عندما نطرح خطايانا على المسيح المصلوب نتعلق به بالإيمان في قيامته. هذا هو الإيمان الذي يرى ما لا يُرى. إن الإيمان العادي كالمياه الراكدة الساكنة، أما التصديق فكالماء الجاري نسيّر فيه مركبا. دعت إحدى الكنائس الأمريكية شعبها لاجتماع صلاة إلى الله لينهي الجفاف ويغمر الأرض مطرًا. شاهد أحدهم ولدًا يحمل معه مظلة فسأله مستوضحًا عن السبب، فأجابه: عندما نصلي إلى الله تهطل أمطار السماء، فلا بد أن أحمي نفسي من سيولها.

سادسا: الإيمان جهاد

إن القول "جاهد جهاد الإيمان الحسن، وأمسك بالحياة الأبدية التي إليها دُعيت أيضًا، واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين" (1تيموثاوس 12:6)، نجد صداه في أماكن أخرى مثل "هذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا"، و"حفظت الإيمان". إن الإيمان الحسن يقصد به الديانة الأصيلة والنمط المسيحي الذي نواجه به صراعًا فكريًا وضلالاً عقائديًا في العالم، ويقدم لنا المسيح مثالا "الذي شهد أمام بيلاطس البنطي" بالحق وكإستفانوس "الشاهد" الذي جاهر بإيمانه، مما يدعونا للثبات "إلى ظهور ربنا يسوع المسيح". وبولس هنا يهتم بتنمية الصفات من الزاوية الإنسانية والتشديد على البر والنزاهة في الخدمة، "وأما أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا، واتبع البر والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعة". قال مهندس زراعي: إن الزارع ينتخب أجود أصناف البزور، وعلى كل طالب "زرع الله" أن يختار أجودها، ولنسمع قول الشاعر:
إن رمت أن تخطب لنفسك حرة
عليك ببيت الأصلِ خذ من خياره،
إذا لم يكن في منزل المرء حرة
تديره ضاعت مصالح داره

سابعا: الإيمان كلمة

إذًا "لا تقل في قلبك: من يصعد إلى السماء؟ أي ليحدر المسيح، أو: من يهبط إلى الهاوية؟ أي ليصعد المسيح من الأموات لكن ماذا يقول؟ الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك أي كلمة الإيمان التي نكرز بها: لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت" (رومية 6:10-11). إن الله كلمة، "وكان الكلمة الله"، والكلمة هي أداة التواصل، كما أن العقل يساعدنا في الوصول إلى السبب "والكلمة صار جسدًا" أي شخص. وبكلمة أخرى، الله هو مصدر الحياة ويمكنه أن يجيب عن جميع أسئلتنا God knows the best.  إذًا المسيح هو الكلمة (يوحنا 1:1-3). يقول عمانوئيل كانط: "لا يمكن أن تتفلسف مع أو ضد مبدأ ما بدونه (أي المسيح)"، إنه: "اللوجوس" في اليونانية أو المنطق الإلهي، والحكمة، والقوة، والعلم الأبدي، وطريق المعرفة الدينية، بل إنه "ممرا" العبرية كما في حجي 7:2 "وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم"، والكنز المخفي، والنشاط الرؤيوي، والقوة النبوية الإعلانية. والنتيجة ليس المهم أن تمتلك الإيمان العقائدي فقط بل أن تمتلك إيمان المسيح، ذلك المبدأ السامي "أما البار فبالإيمان يحيا".
شكى أحد خدام الطوائف المسيحية الأسقف أنه أبقاه في كنيسة صغيرة لمدة طويلة، وذهب إلى المؤتمر السنوي منتظرًا أن يمن عليه الأسقف بكنيسة كبيرة، لكن خاب أمله إذ أرسله الأسقف إلى نفس الكنيسة. فقال لأحد أصدقائه: هم يصلبونني هنا في هذه البلدة الصغيرة، فأجابه: هذا صحيح ولكن المأساة أنك لم تمت بعد. اغتاظ الواعظ وسار مسافة ميل تقريبًا وبكّته روح الرب، فركع على ركبتيه نادمًا وتائبًا. قال المسيح: "من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن".
"آمنت يا ربي فقوِّ إيماني". آمين.

المجموعة: أيار - حزيران May - June 2013

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

205 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10572440