Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2014

الدكتور صموئيل عبد الشهيدتتميز هذه القصة ببساطتها الإنسانية وإن كانت تكشف بصدق عن دقائق العواطف البشرية. ومع ذلك فإن خصائص القصة الناجحة تتوافر فيها بصورة تبعث على الدفء والحنان. ندرك منذ مستهل القصة أن عائلة "نعمي" قد هاجرت إلى بلاد موآب من جراء المجاعة التي عمّت أرض إسرائيل. بيد أن هذه الهجرة كانت تتعارض مع الشريعة التي تحظر على الإسرائيلي الاختلاط بالشعوب الأجنبية. وفي بلد الاغتراب توالت النكبات على هذه العائلة  ففقدت "نعمي" زوجها وولديها اللذين كانا قد تزوجا من امرأتين موآبيتين.

وعندما همت "نعمي" بالعودة إلى بلادها رافقتها كنتاها ولاء وحبا. غير أن "نعمي" أصرّت عليهما أن ترجعا إلى أرضهما وإلى أهلهما إذ لا جدوى من ذهابهما معها ولا مستقبل لهما في أرض إسرائيل. فأذعنت "عرفة" لطلبها، أما كنتها الأخرى "راعوث" فتعلقت بها وأبت أن تفارقها قائلة:
"لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجعَ عَنْكِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي. حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ. هكَذَا يَفْعَلُ الرَّبُّ بِي وَهكَذَا يَزِيدُ. إنَّمَا الْمَوْتُ يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ".
يشكِّل موقف "راعوث" عقدة القصة لأن مدارها يقوم على المحبة والوفاء والإخلاص. فهي بما تتميّز به من مزايا أصبحت رمزًا لكل معاني النبل والتضحية. ويبدو من سياق القصة أن "راعوث" كان قلبها قد استنار بمعرفة الله، ورأت في حماتها "نعمي" شهادة حية على قوة إيمانها بإلهها فعزمت أن تتخلى عن كل ما يربطها بموآب لتعنى بهذه الأم المنكوبة. قد يتعذّر على الإنسان العادي إدراك رموز هذا القرار ويتبيّن غور هذا التحوّل الذي طرأ على حياة "راعوث"، ولكن هذا لا يمنع القارئ من إبداء إعجابه بهذا الولاء أو التعبير عن تقديره لهذه المحبة غير المشروطة. وأية مشاعر وتصوّرات متسامية توقظها هذه الأحداث في خياله؟ هنا نقلة عاطفية تمس شغاف القلب البشري وتتحوّل، بفضل تأثيرها، من عاطفة فردية آنية إلى عاطفة تنزع نحو الشمولية تستأثر بنفس كل قارئ. إنها لم تعد قصة حب عادية بل استحالت إلى موقف إنساني تجسّد بصورة صارخة في حياة "راعوث". وحتى تلك اللحظة يظل عنصر البساطة هو الغالب على أجواء القصة إلى أن تظهر على مسرح الأحداث شخصية "بوعز"، أحد أقرباء "نعمي" الأباعد وأحد أصحاب الأملاك. عندئذ تأخذ حبكة القصة في التعقّد لأن "نعمي" التي لم تنس فضل كنّتها "راعوث" أشارت عليها أن تمضي إلى حقل "بوعز" في موسم الحصاد لتلتقط السنابل المتخلِّفة عن الحصادين، وبذلك تتاح لها الفرصة للتعرّف على "بوعز". وحالف النجاح خطة "نعمي" وإن كان على "بوعز" أن يتغلّب على بعض العقبات الناجمة عن بعض المطالب التشريعية. غير أن هذه العقبات أصبحت عامل تشويق وإثارة بداعي هذا الموقف المستجد. وإذ كان "بوعز" صورة أمينة لروح العصر فقد التزم بالمحافظة على أصول التقاليد المرعية. أدرك "بوعز" ببصيرته الواعية أن "راعوث الموآبية كانت تختلف عن بقية النساء بما تتحلّى به من أخلاق حميدة ولا سيما بعد أن شاعت في بلدة "بيت لحم" شهرة قصتها مع حماتها "نعمي". وبعد أن تمكن "بوعز" من الإيفاء بمطاليب الشريعة التي خلقت توترًا في القصة، أقدم على الزواج منها وأنجبت له بنين وبنات فكان داود النبي الذي مُسح ملكًا على إسرائيل من أعظم أحفاده.
إن المناخ العام لهذه القصة هو أصلح مناخ لأحداثها لارتباطه بأجواء القرية التي تتحكّم فيها التقاليد والعادات والأعراف على نقيض ما نراه في مناخ المدينة الكبيرة. فحياة القرية تتسم بالبساطة والهدوء، لهذا فإن حدث رجوع "نعمي" مع كنتها الموآبية التي كانت في موقفها مثلًا أعلى في الولاء والإخلاص صار، ولا ريب، حديث الساعة. لهذا نجد أن الحبكة القصصية تتلاءم بشكل طبيعي مع أجواء القرية من غير تكلف أو تصنّع. بل نرى أن التقاليد أصبحت، بصورة فنية، خاضعة لتطوّرات هذه القصة حتى توَّجتها بنهاية سعيدة.

المجموعة: كانون الثاني-شباط Jan-Feb 2014

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

214 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10561842