Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2014

الأخ جوزيف عبدولم تسر حياة بني البشر رتيبة متشابهة على مدى عصور التاريخ كما تسير الآلات تحت رقابة مشغّليها... لأن الله في جلاله وعظمة سلطانه منح الإنسان منذ بدء الخليقة حرية الفكر والتصميم والعمل. وبعد سقوط آدم في خطية العصيان راح أنساله يتمرّدون على المشيئة الإلهية الصالحة، ويعملون شرورًا كثيرة تسيء إلى قداسة الله، تدمّر بالتالي نواحي كثيرة من نواحي راحتهم وسلامهم.
وقد ظل يُظهر واسع رحمته، يعالج ضلالهم وينشئ لهم ملاجئ الحماية بأشكال وطرق لا حصر لها. حتى بلغ أعظم صنائعه في بذل الابن السماوي الوحيد، حسب خطته الأزلية، ليصنع خلاصًا عظيمًا "هذا مقداره".
وفي عودٍ على بدء، فإن الله المحب فتح لبني البشر ينابيع كثيرة للخلاص مما هم فيه، كما رأينا في حلقة سابقة. ومع ذلك فقد ظل الإنسان في رداءة شره وفساد طبيعته الموروثة يسعى دائمًا لمعاكسة مشيئة الله الصالحة بدافع من عدو الخير إبليس.
فعلى سبيل المثال، فإن بني البشر بسبب شهواتهم الجسدية سببوا للبشرية أمراضًا جنسية مستعصية قضت على سلام الكثيرين. وبسبب أطماعهم للحصول على المكتسبات استخدموا المواد المشعة والكيميائية التي تسبب السرطانات المخيفة. وبسبب رغبة البعض في التسلط على الآخرين واستعبادهم انتجوا بدلاً من أدوات النفع أدوات وموادَّ للقتل والتدمير. وبسبب شهوة السبق والتقدم على الآخرين والجشع المادي عملوا على كثرة انبعاث الغازات التي تخرّب طبقة الأوزون وتؤدي إلى أنواء وأحداث طبيعية قاهرة.

وفي كل مرة نسمع من أفواه الأشخاص البعيدين عن معرفة الله القدوس عبارة: "أين الله؟" فما علاقة الله بكل تلك المآسي؟ وإن كان يسمح بها في كثير من الأوقات للردع والتأديب، ولكن ليس من يرتدع. هكذا يكدّر بنو البشر دائمًا، ولو بطرق غير مباشرة، ينابيع الله للخلاص. وينسحب ذلك على بعض المؤمنين.

فنوح الذي أبصر خلاص الله لنجاته مع عائلته من الطوفان يقول عنه الكتاب: "وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه. فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجًا" (تكوين 21:9-22). فسبّب بذلك اللعنة لنسل ابنه الأصغر وذلك باستسلامه لشهوة الجسد.

وداود الذي تمتع بعلاقة جيدة مع الله، إذ كان مستريحًا في بيته، وجيشه يقاتل بني عمون "وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم وكانت المرأة جميلة المنظر جدًا" (2صموئيل 2:11)، فاشتهى وزنى وتسبب بقتل زوج المرأة لإخفاء جرمه.

وشاول بن قيس الذي مسحه صموئيل النبي ملكًا على إسرائيل، إذ صنع الرب خلاصًا بيد ابنه يوناثان في حربهم مع الفلسطينيين (1صموئيل 6:14-15) تملكته الغيرة من نصرة ابنه، وفرض صومًا في غير وقته لكي يحوّل الانتصار لنفسه. فكاد ابنه يُقتل ولكن الشعب افتداه حيث أنه لم يسمع بما نذر أبوه. وعندها قال: "قد كدّر أبي الأرض".
ويفتاح الذي يذكر الكتاب اسمه بين أبطال الإيمان، حينما أعطاه الرب خلاصًا فانتصر على بني عمون، أخذته نشوة الانتصار بدافع الكبرياء، ونذر ما "لم يأمر به الله" تضحية أول شخص يخرج من بيته لملاقاته. فكانت ابنته الوحيدة "وكان لما رآها أنه مزق ثيابه وقال: آه يا بنتي! قد أحزنتني حزنًا وصرت بين مكدريّ" (قضاة 35:11-40). ولو صدق لقال: أنا من كدّر خلاص الله وكدّر الشعب.

أعطى الله الشعب القديم خلاصًا عجائبيًا بقيادة يشوع حيث سقطت أسوار أريحا من نفسها أمام هتاف الشعب وصوت الأبواق فتحوّلت النصرة إلى انكسار أمام "عاي"، فمزّق يشوع ثيابه وسقط على وجهه إلى الأرض. فقال الرب: "في وسطك حرام يا إسرائيل". لقد خالف "عاخان بن كرمي" وصية الرب بتحريم كل شيء في أريحا، وحين عُرف الأمر قال:
"رأيت في الغنيمة رداء شنعاريًا نفيسًا ومئتي شاقل فضة ولسان ذهب... فاشتهيتها وأخذتها وها هي مطمورة في الأرض في وسط خيمتي".
فقال يشوع: "كيف كدّرتنا؟ يكدرك الرب في هذا اليوم" فرجمه الشعب وذلك بسبب خطية الطمع (يشوع 7).

وأخيرًا وليس آخرًا، فنبي الله موسى الذي شهد الرب لحلمه غضب فكسر لوحي الشهادة اللذين أخذهما من الرب على جبل سيناء وتصرف بعناد حينما طلب منه الرب أن يكلم الصخرة فضربها مرتين، فكدّر ينبوع خلاص الرب وحُرم من دخول أرض الموعد.
قد يتّخذ البعض هذه الأحداث الكتابية ليهاجم الكتاب المقدس بحجة أنه يسيء إلى "الأنبياء". ولكن الإنسان المتفحّص المنصف يجد فيها شهادة لصدق وعصمة الكتاب المقدس.

فالكتاب المقدس لا يتستر على خطايا وسقطات حتى الأنبياء وأبطال الإيمان لسببين: الأول، برهانًا على صدقه وعدم محاباته. والثاني، لكي نتعظ نحن كما يقول الإنجيل:
"فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً وكُتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور" (1كورنثوس 11:10).

هذا يثبت حرية الإرادة والقرار والمسلك التي منحها الله للإنسان – ويثبت بالمقابل سلطان الله المطلق حيث أنه لم يترك هذه السقطات بدون عقاب جسدي للذين يقترفونها.

وهو يبين أن الطبيعة الفاسدة الموروثة تبقى موجودة في كل بني البشر وتظهر في حالات الضعف الروحي ولا تزول إلا بعد "فداء الأجساد" (رومية 22:8).

كل هذا يثبت بشكل صريح تفرّد الرب يسوع المسيح، له المجد. فرغم أنه أخذ طبيعة بشرية إلى جانب طبيعته الروحية إلا أنه أثبت للأجيال أنه هو الوحيد بين الذين داست أقدامهم أديم هذه الأرض، كان بارًا قدوسًا لم يفعل خطية ولا كان في فمه غش، ولم يعرف خطية، بل كان كاملاً بشكل مطلق لأنه لم يرث الطبيعة الفاسدة حيث أنه مولود من الروح القدس. ومع كل هذا يخطئ الذين يظنون أن جميع مفاهيم الخلاص التي وردت في العهد القديم تشير إلى نواحٍ جسدية. فهناك إشارات واضحة معظمها وردت بصورة نبوية ترمز إلى خلاص الله الكامل الذي سيظهر للعالم بتجسد الرب يسوع المسيح وموته على الصليب لأجل الفداء، وأن الكثيرين من الأتقياء والمؤمنين في العهد القديم كانوا ينتظرون بفارغ الصبر ظهور هذا الخلاص وآخرها تلك الأنشودة التي نطق بها سمعان الشيخ:
"فَأَتَى بِالرُّوحِ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ، أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ" (لوقا 27:2-32).
عزيزي القارئ الكريم،
توجد ينابيع كثيرة في العالم، يخالها البعض مُروية ولكن بعضها آبار مشققة لا تضبط ماء، وبعضها عيون مياهها مُرّة وسامة، وغيرها لا تروي الشارب بل تزيده ظمأً. ولا يوجد سوى ينبوع واحد نقي حيث قال الرب يسوع:
"وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ" (يوحنا 14:4).
وإلى اللقاء مع أوصاف هذا الينبوع الرائع إن شاء الرب وعشنا.

المجموعة: كانون الثاني-شباط Jan-Feb 2014

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

220 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10556762