Voice of Preaching the Gospel

vopg

 القس يعقوب عماريبعد أن تسلّم موسى الوصايا العشر على الجبل، عاد الوحي ليذكّر الشعب مُجدَّدًا بمضمونها في الأصحاح الخامس من سفر التثنية، مع شيء من الإيضاح في نص الوصية الرابعة يقول فيه:

"وأمَّا اليوم السابع فسبت للرب إلهك. لا تعمل فيه عملًا ما، أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وثورك وحمارك وكل بهائمك ونزيلك الذي في أبوابك، لكي يستريح عبدك وأمتك مثلك. واذكر أنك كنت عبدًا في أرض مصر، فأخرجك الرب إلهك من هناك بيد شديدة وذراعٍ ممدودة، لأجل ذلك أوصاك الرب إلهك أن تحفظ يوم السبت." (تثنية 14:5-15) فالرب بهذا يوصي بيوم في الأسبوع لراحة الإنسان، ولأنه رب عادل ورحيم أكّد أيضًا على راحة العبد والأمَة، العاملين في البيت أو في الحقل ليكون لهما أيضًا نصيب من الراحة، إذ يقول: "لكي يستريح عبدك وأمتك مثلك."
ونشير هُنا إلى أنه من المفروض أنه لم يعد وجود للعبد أو الأمَة بين الشعوب المتمدنة، وإن وجدت اليوم حالات من هذا، تكون حتمًا في مجتمعات تخلَّفت عن ركب الحضارة. فالوصية الرابعة اليوم تنطبق على الموظفين بأجر سواء في المكتب أو الشركة أو المؤسسة، وكذلك عمال الحقل، وورشة العمل، والمقيمين في البيت للخدمة المنزلية، فكلهم يتقاضون أجرًا عن خدمة يؤدُّونها، والوصية تشملهم.
ويُلاحَظ أن معنى ما يُسمَّى اليوم بـ "الخدمة المنزلية" قد اتَّسَع بشكل ملحوظ في بلدان الشرق الأوسط، وكثُر اللغط فيها والتشكي من مظالم ومعاملات غير إنسانية لمثل هؤلاء، ومنها الإهانة والتحقير، والاغتصاب الجنسي، في غياب تشريعات مُفعَّلة للحفاظ على حقوق هؤلاء، خاصة وأن العمال أو العاملات في هذا النوع من العمل غالبًا ما يكونون أغرابًا قدموا من شعوب دول فقيرة بعيدة عن المنطقة، والفرصة متاحة لاستغلالهم بلا رقيب أو حسيب.
وتذهب الشريعة إلى بُعْدٍ آخر، فتوصي براحةٍ للأرض أيضًا. فالله هو من خلقها وبرمجها ووضع حدود قدرتها في الإنتاج. فيقول في مطلع الأصحاح الخامس والعشرين من سفر اللاويين: "تُسْبتُ الأرضُ سبتًا للرب (أي ترتاح)" ويُخاطب الرب صاحب الأرض فيقول:
"ستَّ سنين تزْرَعُ حقلك، وستَّ سنين تقضب كرمك وتجمع غلّتهما. وأما السنة السابعة ففيها يكون للأرض سبتُ عطلةٍ، سبتًا للرب. لا تزرع حقلك ولا تقضب كرمك. زرِّيعَ حصيدك لا تحصد وعنبَ كرمك المُحول لا تقطف. سنة عطلة تكون للأرض." (لاويين 3:25-5)
كما أوصى الرب براحة الحيوان المستخدَم في الحقل، فاهتمّ بالدابة أيضًا وأوصى براحتها! إذ يقول الوحي في سفر الأمثال 10:12 "الصّدّيق يراعي نفس بهيمته."
هذه ميزة يتفرَّد بها إله الكتاب المقدس، الكتاب الذي يصوّب عليه البعض سهام النقد والتجريح بأسلوب أقل ما يقال فيه إنه غوغائي يفتقر للمنطق وأمانة القول، ولا يدرون أن سهامهم إنما يصوّبونها إلى خالق السماوات والأرض وما عليها من إنسان ونبات وحيوان. فهو جلّ جلاله لا يحابي في إحسانه بين سيّد وعبد، أو بين كبير وصغير، بل ويهتم حتى بالدابة وراحتها كما براحة الإنسان. لا يصل الكتاب المحرّف إلى هذا المستوى الراقي من التحضر والأدب.
تدعو الوصية الرابعة إلى تقديس اليوم السابع. والتقديس هنا يعني تخصيص أو فرز اليوم السابع لمهمّةٍ تختلف عن باقي أيام الأسبوع. فهذا يوم له مهمةٌ خاصة، وطبيعة تُمَيّزه عن الأيام الستة التي سبقته، فتلك يسودها العمل والكدّ والجهد، ثم يتلوها يومُ راحةٍ للجسد وغذاءٍ للروح، يومٌ يلتقي فيه الإنسان مع عائلته ويشارك الحضور مع جماعة المؤمنين في بيت الله في فترة العبادة الجماعية، ويصرف باقي ساعات اليوم في راحةٍ واسترخاء، فيستعيد نشاطه للبدء بأسبوع جديد، وهكذا!
فالذين لا يتمتعون بمثل هذا النظام الرباني، وأيام الأسبوع لديهم تمضي على وتيرة واحدة، لا وقت فيها للراحة من متاعب العمل، يفتقرون للسعادة والتمتع بالحياة، وبعضهم يذبلون في غير أوانهم وهم يلهثون وراء مطالب الدنيا بلا توقف.
وبدأ شعب موسى بتقديس يوم السبت أثناء رحلتهم الطويلة بعد تسلمهم للوصايا العشر. وبعدما انتهت الرحلة واستقروا في أرض كنعان بين جيرانهم من الشعوب الوثنية، امتنعوا عن الاتجار مع جيرانهم في أيام السبت تنفيذًا للوصية. وفي حالات ذكرها الكتاب المقدس كانت أبواب السور المحيط بأورشليم تغلق في وجه التجار القادمين من الشعوب الأخرى في أيام السبت، فيضطر أولئك للمبيت خارج الأسوار إلى أن يعبر السبت (نحميا 15:13-22).
وكان هذا مثار استغراب لدى جيرانهم، وتساءلوا كيف يتوقف هؤلاء عن الإنتاج فتخلو شوارعهم من الباعة والمشترين ليوم كامل في نهاية كل أسبوع!
ومع توالي الأزمان وتداخل الحضارات بين الأمم انتقلت العدوى لباقي شعوب الأرض على اختلاف أجناسهم وحضاراتهم وانتماءاتهم الدينية وأنظمتهم السياسية، وأصبح الكل يخصّص يومًا في الأسبوع لراحة العامل والموظف والتاجر والكادح أيًا كان، ليخلد في عطلة رسمية في نهاية كلّ أسبوع، والتزمتْ بذلك الدوائر والمؤسسات الحكومية والخاصة بلا استثناء. والمبادرة في الأصل كانت من الله في زمن كان فيه العامل يصل الليل بالنهار لخدمة سيده، بلا رحمة يبديها صاحب العمل. ونرى مشاهد من ذلك في الأصحاح الخامس من سفر الخروج. فبفضل الله شقَّت الوصية الرابعة طريقها إلى أنظمة وقوانين وتشريعات كافة الشعوب، واكتسبت إقرارًا دوليًا لا رجعة عنه، وكل شعب أو أمة اختارت اليوم الذي يناسبها من أيام الأسبوع، ليكون يوم عطلة رسمية لراحة مواطنيها.
ومع زخم العمل خلال القرن الماضي بسبب توسع الإنتاج، ارتأت بعض الدول أنْ تخصِّص يومين متلازمين كعطلة أسبوعية لراحة مواطنيها.
في جلسة حوار مع أحد الأصدقاء قال: "لماذا لا يحفظ المسيحيون يوم السبت الذي ورد في الوصايا العشر، بل بدلًا منه يحفظون الأحد، طالما أن الوصية كانت وصية ربانية وهدفها خير الناس؟"
وبنعمة الرب، سوف ننشر الإجابة عن هذا السؤال في العدد القادم

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2015

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

245 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10476040