Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور صموئيل عبد الشهيدهل في حياة الإنسان، مؤمنًا أو غير مؤمن، ما هو مدعاة لتقديم الشكر لله؟
وهل الشكر ضرورة حتمية في علاقتنا مع الله؟

وهل هذه الحتميّة لا تُعرب عن ذاتها إلا في أوقات الراحة، والطمأنينة، والصحة، والعافية؟
وما هو الدور الذي يلعبه عامل الشكر في حالاتنا النفسية وتقلبات ظروفنا اليومية؟
لقد وردت لفظة الشكر ومشتقاتها في العهد الجديد فقط نحو 64 مرة، وكلها تتمحور حول علاقتنا بالله، وبالإخوة، والكنيسة ككل. وكانت هذه الصفة غالبة، بعد المحبة، في حياة المسيح نفسه. فها نحن نقرأ في إنجيل مرقس 6:8 [شكر وكسر وأعطى.] ونرى هذه الظاهرة في إنجيل يوحنا 11:6 أيضًا. ومن الملاحظ أيضًا اقتران الشكر بالعطاء، لأن الشكر يثمر العطاء تعبيرًا عما يشعر به الإنسان من امتنان نحو من أحسن إليه ولا سيما إن كان هذا الإحسان قد أسفر عن نتائج خيّرة ومجدية لصالح المُحسَن إليه.
غير أن الشكر لا يتجلّى في حياة المؤمن في أوقات الخير والطمأنينة فقط بل هو في صميم علاقتنا مع الله. ويجب أن يكون صورة حيّة في أوقات الضيق، والنكبات، والمصائب. ولعلّ أبرز مثال على ذلك ما حدث مع أيوب الصدّيق الذي كان في زمانه أعظم أهل عصره في مجتمعه الذي كان يعيش فيه، وكان بارًا في عينيّ الله حتى بعد أن حلّت به الكارثة التي فقد فيها كل ما يملك من أموال، وأملاك، وبنين، وبنات. ولم يبق له سوى زوجته. وعندما بلغت محنته الذروة قالت له: "أنت متمسّك بعد بكمالك؟ بارك (العن) الله ومتْ!] فماذا كان جوابه الذي ردّدته العصور وسجّله الكتاب المقدس؟ [فقال لها: تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات! أالخير نقبل من عند الله، والشر لا نقبل؟] ويتابع النص الكتابي: [في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه.] وفي هذه العبارة تجسدت عظمة المستوى الروحي الذي كان يتمتّع به أيوب في مثل هذه الظروف الكالحة؟
لقد أدرك تلاميذ المسيح أيضا قيمة الشكر في حياتهم الروحية، وبالأخص الرسول بولس لأنه كان يعلم كل العلم أن مصدر جميع البركات التي يتمتع بها المؤمن هي هبة من الله. وهي لا تقتصر على الحاضر الأرضي فقط، بل تمتدّ إلى عالم الأبدية. وما علينا سوى أن نطالع ما ورد في سفر الرؤيا حتى ندرك ما ينتظر المؤمنين من أمجاد، ونِعم، وسعادة، وفرح يفوق كل فهم ويعجز القلم عن وصفه. وقد سبق للمسيح نفسه أن وعد المؤمنين به أن يعدّ لهم منازل في بيت أبيه، أي في عالم الأمجاد الأبدية؛ ومثل هذه المكافآت تقتضي كل شكر وامتنان. لهذا، وفيما نحن نطالع رسائل بولس تعترضنا آيات كقوله: [أشكر إلهي بيسوع... وأشكر إلهي في كل حين... وأنا أشكر المسيح يسوع... وإني أشكر الله الذي أعبده... ونشكر الله وأبا ربنا يسوع... ونشكر الله بلا انقطاع...] ويدعو أيضًا المؤمنين أن يكونوا في أثناء الصلاة [ساهرين فيها بالشكر...] وهناك مواضع أخرى كثيرة تطالب المؤمنين أن يكونوا دائمًا شاكرين غير متأثرين بالظروف الأليمة التي يمكن أن يتعرّضوا لها إبان وجودهم على قيد الحياة.
والسؤال الذي لا بدّ منه هو: ما هي الأسباب الموجبة لهذا الشكر حتى في خضم المآسي والفواجع؟

أولاً، لأنَّ آلامنا الحاضرة هي آلام وقتية

فقد ورد في سفر رومية 18:8 "فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا.]
والواقع أن الرسول بولس لم يطلق هذا الكلام جزافًا، لأنه سبق له أن شاهد ما ينتظر المؤمن من أمجاد يتعذّر على أي فنَّان تصويرها، إذ اختطف في رؤيا إلى السماء الثالثة وشاهد بأم عينيه ما أعدّه الله لمتقيه [عند استعلان أبناء الله.] (رومية 19:8)
ويستطرد في آية 22 [فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخّض معًا إلى الآن.] لأنها قد أُخضعت من جراء الخطية للبطل، وما زلنا نحن نعيش على هذه الأرض التي أصابتها اللعنة، فإننا جميعنا سنظل عرضة لنوائبها ومآسيها. غير أن الله في المسيح هو االمتقلِّد زمام أمور حياتنا لأننا، [نحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوّون حسب قصده.] (عدد 28) هناك ترجمة أدقّ لهذه الآية تقول: [ونحن نعلم أن الله يجعل كل الأشياء تعمل للخير...] إذن، علينا كمؤمنين أن لا ننوخ تحت ثقل آلام هذه الحياة بل نشكر الله على ما نرتقبه من أمجاد ألمح إليها سفر الرؤيا تشجيعًا وتعزية للمؤمنين.

ثانيًا، لأنَّ المسيح وعد أن لا يتركنا كاليتامى في الضيقات

فقد أعلن بصريح العبارة لتلاميذه ولنا قائلاً: [في العالم سيكون لكم ضيقٌ، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم.]
وأكثر من ذلك، فقد وعد قبل صعوده إلى السماء مباركًا: [وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر.] وهذا الوعد ينطبق علينا ولنا لأن لا أحد من تلاميذ المسيح قد عاش إلى انقضاء الدهر، فهو بهذا الوعد يشمل جميع أحبائه والمؤمنين به إلى انقضاء الدهر. والتعزية الكبرى هي في قوله: [ثقوا: أنا قد غلبت العالم.]
لهذا، من شأن هذه الوعود والثقة التي لدينا في المسيح الذي لم يخلف بأي عهد قطعه على نفسه، أن تجعلنا دائمًا شاكرين، غير متذمرين، فهو أيضًا كان مثالاً رائعًا لنا. فقد ورد في سفر إشعياء 7:53 عنه: [ظُلم أما هو فتذلّل ولم يفتح فاه.]
قرأت في إحدى تأملاتي الصباحية فقرة أثارت شديد انتباهي، قال كاتبها فيها:
[نحن نتذمّر أحيانًا من الضوضاء التي يثيرها الأطفال بدلاً من أن نشكر الله لأنهم أصحاء. وقد نشكو من البيت الذي نعيش فيه لأنه قديم، بينما البعض يضطرّ أن يعيش في أكواخ. وأحيانًا نتذمّر لأننا نكدّ ونتعب في عملنا بينما هناك الآلاف من المرضى يضطجعون على ظهورهم غير قادرين على العمل... فضلًا عن كثير من الأشياء الأخرى التي قد تكون سبب شكوانا أو تذمرنا.] (اقتبست من النص الأصلي مع بعض التنقيح الطفيف.)
وطبعًا، هناك أمور أخرى عديدة يمكننا أن نضيفها لهذه اللائحة كأسباب لتذمرنا، وربما تعاستنا وننسى أن المسيح في أثناء وجوده على الأرض لم يكن يجد حجرًا يضع عليه رأسه.

ثالثًا، لأنَّ الشكر برهان الغلبة والانعتاق من عبودية إبليس

إنَّ المؤمن هو ابن الملكوت، ولا يجدر بابن الملكوت أن يكون مغلوبًا على أمره مهما كانت عوادي الدهر وصروفه قاسية. فالمؤمن لا بد أن يعاني من مشقات الحياة كأي إنسان آخر باستثناء شيء واحد: إنه لا يقف وحده يصارع في معترك القتال، فهو محاط بحماية المسيح وصلوات الإخوة القديسين، وإن ألمّت به النوائب فإنه لا يسقط لأنه مدعوم بقوة من أحبّه وافتداه. وقد أشار بولس الرسول في رومية 23:8 إلى هذه الحقيقة قائلًا: "وليس هكذا فقط، بل نحن الذين لنا باكورة الروح، نحن أنفسنا أيضًا نئنّ في أنفسنا، متوقّعين التبنّي فداء أجسادنا.]
وفي فداء أجسادنا تكون لنا الغلبة النهائية التي تملأ قلوبنا بالشكر لأننا آنئذ نسير في موكب نصرة المسيح التي اكتملت ونغلب معه كما هو قد غلب العالم وأنارت أمانته حياتنا.
أليس في هذا كله أكبر حافز على الشكر؟ أخي المؤمن، أشكر من فداك! لأن لك الغلبة بالمسيح.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2017

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

399 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10476718