Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور القس لبيب ميخائيلحياة المسيحي الحقيقي في هذه الأرض سلسلة من الآلام، والصخور، والضيقات، وهذا ما قاله لنا السيد: "في العالم سيكون لكم ضيق." (يوحنا 33:16) وما ذكره رسول الأمم للمؤمنين في فيلبي "لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضًا أن تتألموا لأجله،" (29:1) وما أكده لتلميذه تيموثاوس في كلماته: "وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون." (2تيموثاوس 12:3)

ومع أن حياة المسيحي مفعمة بالآلام، والاضطهاد، والصخور، لكن وعد الرب لنا أن يشبعنا عسلاً من هذه الصخور، إذ يقول: "ومن الصخرة كنت أشبعك عسلاً." (مزمور 16:81) يا له من وعد جميل للنفس المتألمة، وسأركز رسالتي على كلمتين:

أولاً: الصخور التي نشبع منها عسلاً

1- صخرة الصليب وفيها عسل الفداء والغفران

يكتب بطرس الرسول عن رب المجد: "فلكم أنتم الذين تؤمنون الكرامة، وأما للذين لا يطيعون، «فالحجر الذي رفضه البناؤون، هو قد صار رأس الزاوية وحجر صدمة وصخرة عثرة.]" فشخص المسيح المصلوب هو صخرة عثرة للكثيرين، والصليب في ذاته لليهود عثرة، ولليونانيين جهالة، ولكن من هذه الصخرة، صخرة الصليب، يشبع المؤمن من عسل الفداء والغفران "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا."
من هذه الصخرة شبع اللص المصلوب إلى جوار السيد من عسل الغفران، ومن هذه الصخرة شبع شاول الطرسوسي المجدّف، والمضطهد، والمفتري... ومن هذه الصخرة يشبع كل خاطئ تائب.
تمر أمام عيني الآن صورة ذلك الرجل سمعان القيرواني، وأراه عائدًا من الحقل، لكنه يفاجأ بيد غليظة توضع على كتفه، وبصوت عسكري يأمره أن يحمل الصليب خلف يسوع. ولا شك أن الرجل أحسّ أن هذا الصليب هو صخرة ظهرت في طريقه، وحِملاً لم يكن عليه أن يحمله. لكن هذا الصليب، كان وسيلة لقاء سمعان بالمسيح، ويقينًا أن السيد - له المجد - وهو يأخذ الصليب عن كتف سمعان قال له هامسًا: "أشكرك يا سمعان لأنك حملت صليبي." وهكذا ظلت هذه الكلمات ينبوع سعادة لا توصف في قلب سمعان القيرواني "أبو ألكسندروس وروفس" (مرقس 21:15)، بل كانت سببًا في ربحه وعائلته للحياة الأبدية. فمن صخرة الصليب نشبع عسل الفداء والغفران.

2- صخرة الآلام والأحزان وفيها عسل النعمة والعزاء

استمع إلى بولس وهو يذكر آلامه فيقول: "فَأَنَا أَفْضَلُ: فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ، فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ، فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ، فِي الْمِيتَاتِ مِرَارًا كَثِيرَةً. مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ، مَرَّةً رُجِمْتُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْكَسَرَتْ بِيَ السَّفِينَةُ، لَيْلًاً وَنَهَارًًا قَضَيْتُ فِي الْعُمْقِ. بِأَسْفَارٍ مِرَارًًا كَثِيرَةً، بِأَخْطَارِ سُيُول، فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ..." ثم يستطرد قائلاً: "وَلِئَلّاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ." رجل أصابته كل هذه الآلام والمتاعب، ووقفت في طريق خدمته كل هذه الصخور... هل يستطيع أن يشبع عسلاً من صخور الحياة؟ نعم، وبكل يقين. فبعد أن صلى بولس طالبًا أن تفارقه هذه الشوكة، ناداه الرب قائلاً: "تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تُكمل." وإذ بالرسول الأمين يردد: "فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي، لكي تحلّ عليّ قوة المسيح. لذلك أُسرّ بالضعفات والشتائم والضرورات والضيقات لأجل المسيح. لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي." لقد وجد عسل النعمة المقوّية في صخور الخدمة المؤلمة.
وكما ردّد بولس هذا، كذلك غنّى داود قائلاً: "عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذّذ نفسي." لقد وجد عسل العزاء في صخور الهموم. وجد أن الله يعزيه بمواعيده، وبروحه القدوس، وبحضور شخصه الكريم معه. وهذه ينابيع لا تفرغ من العسل الشهي للنفس المتألمة.
يذكر الدكتور ستانلي جونس في كتاب له قصة عن نحات من المكسيك كان يقوم بصنع تمثال، وقبل أن يفرغ من نحته أصيب في حادث أفقده يده اليمنى. لكن الرجل اعتمد على قوة الله، وتعلم أن ينحت بيده اليسرى وفمه، ثم استمر في صنع تمثاله الشهير الذي أطلق عليه الاسم "بالرغم من In Spite of."
ويقف هذا التمثال في المكسيك كدليل مادي على نعمة الله المقوية والمنتصرة على آلام الحياة. ففي صخرة الآلام والأحزان نشبع من عسل النعمة والعزاء.

3- صخرة التجربة وفيها عسل المنفذ

التجربة هي امتحان لإيماننا، والامتحان هو "محنة" تمر بالإنسان لتظهر حقيقة ما كسب من علم واختبار... ولكن كثيرًا ما يحطم الامتحان أعصاب الناس، فيحتل القلق مكانًا كبيرًا في حياتهم، وبعض الناس يأخذون من الامتحان فرصة لإظهار قوة الله في حياتهم... ولذلك يقول يعقوب: "احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة." (يعقوب 2:1) ومن الصعب عمليًا أن يقوم الإنسان بهذه الحسبة، فيفرح بل يحسبه "كل فرح" أن يقع في تجارب متنوعة. لكن لو أدركنا أن التجارب هي فرصة امتحان، لخلقِ الصبرِ فينا لنكون تامين وكاملين، وأن التجارب هي الوسيلة التي بها نرى كيف يشرق الله علينا بنور وضّاح من منفذ عجيب، إذن لشبعنا عسلاً من صخرة التجربة.
اسمع ماذا يقول رسول الجهاد العظيم: "لم تصبكم تجربة إلا بشرية. ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا." (1كورنثوس 13:10)
لقد صادف شمشون أسدًا في طريقه، والأسد رمز للافتراس، هو رمز لإبليس الذي يجول ملتمسًا من يبتلعه. ولكن شمشون قتل الأسد، وفي عودته وجد في جوفه عسلاً حلوًا أكل منه حتى شبع، واستطاع أن يقول بعد ذلك أحجيته المشهورة: "من الآكل خرج أُكلٌ، ومن الجافي خرجت حلاوة." فمن التجارب الآكلة، يخرج العسل الشهي، ومن الصخور القاسية نشبع حلاوة. فوعد الرب لنا "من الصخرة كنت أشبعك عسلاً."

4- صخرة الوحدة وفيها عسل الرؤى

إن الوحدة لا تعني بالضرورة الابتعاد عن الناس، فالمرء قد يكون محاطًا بعدد وافر من البشر، وهو يحس بوحدة قاتلة في نفسه، "القلب يعرف مرارة نفسه وفي فرحه لا يشاركه غريب." لكن في ساعات الوحدة يمكننا أن نتمتع برؤى السماء.
عندما خرج يعقوب، وكان وحيدًا في الصحراء، طريدًا من أخيه عيسو، أخذ حجرًا من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه... وعلى وسادة الحجر هذه رأى حلمًا. "وإذا سلّمٌ منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء، وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهوذا الرب واقف عليها." (تكوين 10:28-13) لقد أحس يعقوب أنه ليس وحيدًا، وأدرك أن السماء ترعاه، وأن الله معه، وأن الملائكة تحرسه، وهكذا تبددت سحب الظلام التي ظهرت في جوّ حياته.
ويوحنا عندما ذهب إلى جزيرة بطمس، وفصلته السلطة الغاشمة عن رعيته، وكنيسته، وشعبه، يقول: "أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره. كنت في الجزيرة التي تُدعى بطمس من أجل كلمة الله، ومن أجل شهادة يسوع المسيح." لكنه في هذه الوحدة يقول: "سمعت ورائي صوتًا عظيمًا كصوت بوق قائلاً: [أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية.]" وهكذا رأى السيد في مجده، وأشرقت له رؤى المستقبل، حتى رأى السماء الجديدة والأرض الجديدة، وحينئذ هتف من قلبه: "آمين. تعال أيها الرب يسوع."

ثانيًا: كيف نشبع عسلاً من صخور الحياة؟

1- الخطوة الأولى هي طرح الأصنام بعيدًا عن قلوبنا: إن المزمور الذي اقتبسنا منه آية موضوعنا يقول: اسمع يا شعبي فأحذّرك... لا يكن فيك إله غريب ولا تسجد لإله أجنبي." فالطريق إلى البركة يبدأ بتحطيم الأصنام القديمة: صنم الخرافات، والسحر، ومناجاة الأرواح، وعبادة القوة... أصنام المال، والنجاسة، والحقد، والسير مع تيار العالم الشرير في أزيائه الخليعة، وطريقته الشريرة.
قال يعقوب لأهل بيته وهو يريد الصعود إلى بيت إيل: "اعزلوا الآلهة الغريبة التي بينكم وتطهروا وأبدلوا ثيابكم." ويوحنا التلميذ الحبيب يختتم رسالته الأولى بالكلمات: "أيها الأولاد احفظوا أنفسكم من الأصنام،" وكل شيء يشغل انتباهنا، واهتمامنا، وعواطفنا أكثر من الرب هو صنم يجب أن نتحفظ منه، فإن فعلنا هذا فإن الرب قد وعدنا: "كان أطعمه من شحم الحنطة ومن الصخرة كنت أشبعك عسلاً."

2- الخطوة الثانية هي الطاعة الكاملة: نقرأ في المزمور هذه الكلمات: "لو سمع لي شعبي... من الصخرة كنت أشبعك عسلاً." فالطاعة لوصايا الرب - وهي تتطلب درس الكتاب المقدس بإخلاص - خطوة ضرورية لكي نشبع عسلاً من الصخور.
فيا صديقي القارئ النبيل، عندما تملأ صخور الحياة طريقك، اطلب إلى الله أن يفحص قلبك، واطرح الأصنام بعيدًا عنك وأطع الرب، ويقينًا أنه من الصخرة سيشبعك عسلاً.

المجموعة: آب (أغسطس) 2018

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

198 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10625307