Voice of Preaching the Gospel

vopg

خادم الرب جوزيف عبدوكما أن الصليب بصفته آلة للإعدام كان رمزًا لقسوة العقاب والنقمة والموت. كذلك فإن المذود، وهو مخصّص لعلف الحيوانات والماشية، فإن استُخدم مهدًا فقد كان رمزًا للضعة والمذلّة والهوان.

ولكن ذلك المذود الذي وُضع فيه الرب في تجسّده، صار رمزًا للعزة والكرامة والقداسة! فقد أُسست في ذلك المكان كنيسة المهد التي يزورها الملايين من بني البشر متبرّكين، وصارت صورة ذلك المذود والمغارة التي احتوته على رأس زينات الميلاد في جميع أنحاء العالم، من ذلك اليوم وحتى نهاية الزمان. فأي سر هذا؟!
كان ذلك الزمان عصيبًا، فأنوار الطبيعة من شمس وقمر ونجوم لم تستطع أن تزيل عن النفوس ظلامها، ولا عن القلوب سوادها. حيث سادت الخطية بكل قوتها وفعاليتها. وفقدت الشعوب سلامها وطمأنينتها، واستفحل الظلم وحلّ الخوف والاضطراب. وبرز الموت الأدبي ينشب أظفاره، والخليقة البشرية تئن تحت ثقل مصيرها المحتوم. ويسمّي الكتاب المقدس تلك الحقبة بـ "ملء الزمان." ونستطيع أن نفسّر هذه العبارة بقولنا: "إنه قد طفح الكيل" في نظر الله القدوس!
يقول الوحي المقدس: "وَيَنْظُرُونَ إِلَى الأَرْضِ وَإِذَا شِدَّةٌ وَظُلْمَةٌ، قَتَامُ الضِّيقِ، وَإِلَى الظَّلاَمِ هُمْ مَطْرُودُونَ." (إشعياء 22:8) ثم يتابع "وَلكِنْ لاَ يَكُونُ ظَلاَمٌ لِلَّتِي عَلَيْهَا ضِيقٌ. كَمَا أَهَانَ الزَّمَانُ الأَوَلُ أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي، يُكْرِمُ الأَخِيرُ طَرِيقَ الْبَحْرِ، عَبْرَ الأُرْدُنِّ، جَلِيلَ الأُمَمِ. اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ... لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ." (إشعياء 1:9-2، 6)
ففي حلكة الليل وسواده وَلدَت العذراء المباركة وليدها الموعود فقمّطته وأضجعته في ذلك المذود الوضيع، "إذ لم يكن لهما موضع في المنزل." ومع هذا فقد تزيّنت السماء بأنوار مجد ساطعة، وتردّدت فيها أنغام جديدة وصدحت أجنادها بتسابيح فريدة، فضجّ في الأعالي احتفالها، وفرحت ملائكة الله بخالقها. ووجهت إلى سكان الأرض نشيدها، وزفّت إليهم بشراها. "وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ»." (لوقا 8:2-14)
لقد خصّ الله بحكمته هذه الفئة من بسطاء الناس بأعظم بشارة عرفتها البشرية، فما هي اعتبارات القدير في هذا الأمر العظيم؟

أولاً: كان الرعاة فقراء إذ كانوا يرعون أغنام ومواشي الآخرين لكي يعيشوا من أجور ذلك العمل. ولكن الفقر ليس نقيصة في نظر الله. ولا هو بحدّ ذاته سببًا في رضى الله. ولكن كثيرًا ما يكون الفقراء ضحايا لجشع الأغنياء، وبهذا يكونون أكثر اتكالاً على الله، بينما يتكل الأغنياء في الغالب على ثرواتهم وأموالهم. وقد جاء الرب في تجسده إلى هذه الأرض فقيرًا لا يملك شيئًا من متاع الدنيا... لم يكن له أين يسند رأسه، وقد أُضجع في مذود حقير اتخذته العذراء المباركة له مهدًا. وذلك لكي تكون به أعظم تعزية للفقراء والذين يلقون رجاءهم على الله.

ثانيًا: كانوا متواضعين يقضون جلّ أوقاتهم مع هذه الحيوانات العجماء، يعتنون بها ويحمونها من الضواري، وكانوا قانعين بمراكزهم الوضيعة في مجتمعاتهم. وقد مدح الله في حكمته المتواضعين وعبّر عن كراهته للمستكبرين بقوله: "وَلكِنَّهُ يُعْطِي نِعْمَةً أَعْظَمَ. لِذلِكَ يَقُولُ: «يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً»." (يعقوب 6:4) لذا فقد كان الرب في أيام تجسّده أعظم المتواضعين في الأرض. يقول عنه الإنجيل المقدس: "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ." (فيلبي 6:2-8) وفي أولى تطويباته في الموعظة على الجبل ذكر الرب المتواضعين بقوله: "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات." فالمساكين بالروح ليسوا هم الفقراء بالروح بل الذين يعتبرون أنفسهم في مقام أدنى مما هم فيه أمام الله العزيز القدير.

ثالثًا: كانوا يعيشون حياة الغربة "متبدّين"، أي يسكنون البادية في خيام بسيطة متنقّلة للبحث عن الكلأ والمياه لرعيتهم التي يرعونها ويسهرون على أغنامهم مفترشين الأرض وملتحفين السماء. وقد عاش أبونا إبراهيم غريبًا في خيمة وإلى جانبها مذبح أينما ذهب. بينما لوط "نقل خيامه إلى سدوم" فخسر كل شيء حتى بعض أفراد عائلته أيضًا. وأحبّ الرب يسوع هؤلاء الذين لم يتجذّروا في الأرض ولم يعمّروا فيها بل كانت أنظارهم إلى المدينة التي صانعها وبارئها الله. وكان، له المجد، في تجسده مثالاً صادقًا فعاش متنقّلاً بين اليهودية والجليل وأحبُّ أوقاته إليه كانت تلك التي يقضيها في الجبل يصلي ويتواصل مع أبيه السماوي.

رابعًا: كانوا ساهرين ومجتهدين "يحرسون حراسات الليل على رعيتهم." وهذا يرمز إلى حالة السهر الروحي التي يطلبها الله، وقد حثّ الرب، له المجد، تلاميذه وتابعيه على السهر الروحي. وكان هو أيضًا "يقضي الليل كله في الصلاة."
كما كانوا مجتهدين لا يهملون واجبات خدمتهم التي ائتمنوا عليها. والرب - له المجد - كان جادًا في عمله لذا فقد أحبّ المجتهدين. ففي لقائه مع المرأة السامرية على بئر يعقوب، وكان جائعًا، قال له تلاميذه إذ أحضروا طعامًا: "يا معلم، كلْ. فقال لهم: أنا لي طعام لستم تعرفونه أنتم... قال لهم يسوع: طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله." (يوحنا 32:4 و34) وقال أيضًا: "يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ." (يوحنا 4:9-5) ويقول أيضًا: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل."

خامسًا: كانوا مطيعين ومستجيبين للدعوة الإلهية. "وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ»." (لوقا 15:2) لقد كان هؤلاء أول الزائرين الذي تمتعوا ببركات رؤية رب المجد في أول أيام تجسده المبارك.

سادسًا: كانوا مبشرين، بل تصدّروا البشارة بمجيء المخلص. "فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هذَا الصَّبِيِّ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ." (لوقا 17:2) ويسوع المخلص جاء من عليائه وقدّم ذاته من أجل البشرية الساقطة، وقضى أيامه مبشرًا باقتراب ملكوت السماوات وبالخلاص لجميع الذين يقبلونه بالإيمان.
سابعًا: كانوا مضحّين. لقد جاءتهم الدعوة وهم يسهرون على رعيتهم ليلاً. تقول الكلمة الإلهية: "فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعًا في المذود." (لوقا 16:2) فقد تركوا رعيتهم وربما في عهدة راع أو رعاة متبدين لا يستطيعون حمايتها. وقد ضحّوا بوقتهم وتحمّلوا متاعب السفر غير عابئين براحتهم. أما رؤساء الكهنة وكتبة الشعب الذين سمعوا من المجوس عن ولادة المسيا فلم يكلّفوا أنفسهم أن يأتوا ليروه مع أنهم كانوا ينتظرونه.
أما جميع تضحيات بني البشر فلا تساوي جزءًا يسيرًا من تضحية الرب يسوع الذي جاء من عليائه لفداء جنسنا الساقط في الخطية.

تاركًا مجد علاه وترانيم الصفا
أشرقت شمس سناه بجناحيها الشفا
فهلمي يا برايا وارفعي صوت المديح
هوذا الماحي الخطايا ربنا لفادي المسيح

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2018

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

107 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10606806