Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخت أدما حبيبي"كان فصل الصيف من العام 1984حين هاجرتْ عائلتي من رومانيا إلى كاليفورنيا (أميركا). كنت عندها في العشرين من عمري. وفي أول يوم أحدٍ لنا هنا في أمريكا، دُعينا لكي نحضُرَ الكنيسة في باسادينا ولنتناولَ طعام الغذاء مع الإخوة. وبينما نحن هناك، علِمنا أنَّ كنيسةً عربية كانت تعقِد اجتماعاتها في الطابق الأعلى من المبنى نفسه.

فقرَّرنا للحال أن نستطلعَ الأمر. لم أكن أعلم عند ذاك بأنَّني في هذه الكنيسة الصغيرة لسوف أتقابل مع الحبيب، والصديق، وزوج المستقبل. إذ ما أن دخلْنا الكنيسة حتى لفتَ نظري شابٌ وسيم يلعب البيانو. راح يبتسم ويتطلّعُ باتجاهي. ومنذُ تلك اللحظة أحسستُ أنَّه يميلُ إليّ. فقابلْته أنا الأخرى بنظراتٍ خجولة، لم تُخفِ إعجابي به. نعم، وكان "الحبُّ من النظرة الأولى".
وحين انتهتِ الخدمة في الكنيسة، رحَّبتْ بنا زوجةُ الراعي وإخوة آخرون. وعندما عرفوا في سياق الحديث بأنَّني وأخي نتكلم اللغة العربية تعجبوا جدًا. فأخذوا للحال رقم هاتفنا، واعدين بأنهم سيتَّصلون بنا قريبًا، وهذا أيضًا ما فعله الشاب الأردني الوسيم (كميل). لكن، مرَّت شهور أربعة على ذلك اللقاء لم نسمع فيها من أحد. كنّا خلالها نحن أيضًا مشغولين جدًا نحاول أن نتأقلم مع الحياة هنا في أميركا، ونسعى لنجدَ أشغالًا مؤقتة ندعم من خلالها أنفسنا، بالإضافة إلى بدء دراستنا في الجامعة. ومع الوقت أصبحت زيارتنا للكنيسة في باسادينا بخبر كان. إلى أن أتى يومٌ قريبٌ من أسبوع عيد الشكر، حين اتصل بي كميل لكي يدعوني وعائلتي إلى بيت الراعي من أجل قضاء عيد الشكر معهم. ولأنَّه لم يكن لدينا أيُّ مخطط آخَر، قبلْنا الدعوة وذهبتُ مع والديّ وأخي وجدتي، في سيارتنا الـ فورد القديمة إلى باسادينا لكي نحتفل بعيد الشكر الأول لنا في أميركا. عندئذٍ أخبرني كميل بأنه لم يتصل بي قبلًا لأنه أضاع رقم الهاتف. لكنَّه استطاع استرجاعه من إحدى الطالبات الأردنيات التي كانت تدرس في جامعة بيولا Biola حيث كنا ندرس أنا وأخي. إذ أخبرته تلك الفتاة بأنها تقابلتْ مع أخٍ وأختٍ قَدِما مؤخرًا من رومانيا وهما يتكلَّمان العربية. عرف كميل للحال بأنَّها تتكلم عني وعن أخي فطلب منها رقم الهاتف. نعم كانت هذه فرصةً أخرى كي نلتقي، فالله هو "إله الفرص الثانية".
ومنذُ ذلك الحين، بدأ كميل بزيارتِنا بشكلٍ مستمر. ورحنا نتحدث معًا على الهاتف لساعاتٍ طويلة لأننَّا اكتشفنا بأنَّ اهتماماتنا متشابهة وأردنا أن نتعرَّف أكثر على بعضنا البعض. كانت سيارتا Ford وِAMC Hornet اللتان نملكهما آنذاك قديمتين جدًا، وكثيرًا ما قطعَتانا وتركتانا محجوزيْن إمَّا في المدرسة أو في الطرقات. وبالطبع كان كميل دائمًا مستعدًا للمجيء ولمدِّ يد المساعدة لنا، خاصة أنَّه بالإضافة إلى دراسته الجامعية، كان يعملُ بشكلٍ جزئي ميكانيكيًا للسيارات في أحد الكاراجات. واستطعتُ أنا أن أحصلَ على عمل في ماكدونالد في نفس الشارع الذي كان كميل يعمل فيه. فأصبحَ من البديهي أن يحضر يوميًا مع رفاقه لتناول طعام الغذاء هناك. وما أن كان يدخل المطعم حتى يناولني قصاصة من الورق مكتوبًا عليها: أحبكِ. وفي بعض المرات كان المدير يمنحني فرصةً للراحة بنفس الوقت، فنجلس ونتحدث. كان هناك كلامٌ كثير أحكيهِ له، فكميل كان مستمعًا جيدًا ويُحسِنُ أيضا فنَّ التواصل. وعليه نمَتْ صداقتُنا وتوطَّدت، وباتَ واضحًا بأنَّنا فعلًا قد وقعْنا في الحب. صلَّينا كلُّ بمفرده، وصلينا كذلك معًا طالبينَ مشورةَ الرب في حياتنا. فكلانا ننحَدِرُ من خلفيةٍ وثقافةٍ تختلفُ كليًّا عن الآخر. ولم يستطع أهلنا التواصلَ مع بعضهم بسبب اللغة. فهل من الممكن أن يتمَّ الأمر؟ وتساءلتُ مرارًا: هل كان كميل هو الرجل الذي يريدني الرب أن أرتبط َبه؟!
ظنَّ أهلي للوهلةِ الأولى بأنَّ كميل لا يناسبُني كزوج، كما شعروا بأنَّني لا زلتُ صغيرةَ السن حتى أُقدِم على الزواج وأتأقلمَ مع ثقافةٍ مختلفة تمامًا عني؟ على كل حال، كنا نحن الاثنان نحبُ الربَّ ونودُّ أن نخدمَه. وسرعانَ ما وجدتُ نفسي أعلِّم أطفالَ مدرسةِ الأحد في الكنيسة العربية. فمعرفتي للغةِ العربية دفعتْني لأنْ أخدم معه في الكنيسة العربية التي دعاهُ الربُّ إليها. إذ كنتُ أذهب معه في كل صباح أحد إلى هناك، وأعودُ ظهرًا إلى البيت. عملْنا معًا كفريقٍ واحد.
وفي صيف 1985 طلب كميل من أهلي بأن يسمحوا لي بالذَّهاب معه إلى مؤتمر للكنيسة في ولاية كولورادو. فوافق الأهلُ بشرط أن يصطحب معه أخته الكبرى كاميليا. نعم، أنا أعلم، أنَّ هذا الطلب يبدو غريبًا لأصدقائي الأمريكيين، خاصةً أنَّني كنتُ قد بلغتُ الحادية والعشرين من العمر. لكنَّ أهلي كانوا حريصين جدًا عليّ لأنني جئت حديثًا لهذا البلد الجديد. بالطبع لم يكن من السهل على كاميليا فعلُ ذلك، لكنَّها قبلَتْ وتركتْ زوجها وأولادها الأربعة ورافقتْنا في الرحلة إلى كولورادو. تمنَّت والدتي آنذاك، بأنَّه يمكنني ومن خلال هذه الرحلة، أن أرى كميل وهو بينَ رفاقه الذين من خلفيَّته العربية، وعندها أستطيع أن أتخذَ القرار الصحيح بشأنه.
وفعلًا، وجدتُ كميل شابًا مهذبًا ومحترمًا وظريفًا ولطيفًا إلى أقصى حدّ. كان يحبُ الناس جدًا. أما ابتسامتُه فكانت مُعديةً بالحق. وفوقَ هذا كلِّه كان يحبُّ الرب من كلِّ قلبه. وحين تعرَّفت فيما بعد على أفراد عائلته تأكَّدت بأنَّه هو الشخص المناسب بالنسبة لي. كانت عائلتُه عائلة معروفةً بالإيمان الحقيقي. ولم أشعر يومًا بأنّني غريبةٌ بينهم. لأنَّهم سرعانَ ما حضنوني وقبلوني. كان والده نجارًا من الناصرة. وحين قدَّمتْه أمي للأصدقاء كانت تقول عنه: هو ابنُ نجارٍ من الناصرة. أما والدتُه فكانت خيّاطة ماهرة، وهي الأكبرُ بين إخوة ستة ويعودُ لها الفضلُ في قيادتهم جميعًا إلى معرفة الرب يسوع المسيح كمخلِّص شخصي لحياتهم. ليس هذا فحسب، بل كانَ معظمُ إخوة كميل وأقربائِه يعملون في خدمةِ الرب. أما خالُه - الأخ فواز عميش - فقد كان قسًا معروفًا في الأردن. لذا فلا عجبَ بأن يكون كميل محبًا للرب ومحِبًّا لخدمته. وهكذا تيقّنْتُ ساعتئذٍ بأنَّنا سنقدر على مواجهة أيةِ مشكلة مستقبلية لأنّ الربَّ معنا وهو سيسدِّد خُطانا. ولم تمضِ سنةٌ حتى تزوَّجنا. كان قلبانا مفعَميْنِ بالحب الكبير ومليئيْنِ بالكثيرِ من الأحلام. لكنَّ الله بيَّن لنا فيما بعد بأن مخططَنا هو غيرُ مخطط الرب. وكما يقول الحكيم في سفر الأمثال: "في قلب الإنسان أفكارٌ كثيرة لكنَّ مشورة الرب هي تثبت." (21:19)
عادةً ما تنتهي القصصُ بأنَّ الحبيبَيْن عاشا حياةً مليئةً بالفرح والسعادة حتى النهاية. وغالبًا ما تُظهرُ نهايةُ الأفلام بأنَّ الحبيبَيْن يمشيان معًا وهما يراقبانِ غروب الشمس يدًا في يد وجنبًا إلى جنب. لكن، هل هذا ما حصل بعد أن قُلنا "نعم" واحدُنا للآخر؟ من دون شك حبُّنا كان كبيرًا، لكنَّنا لم نكن زوجين كاملَيْن. كنتُ شابةً فتيَّة وعنيدة. ترعرعتُ في كنَف عائلة رومانية وثقافة رومانية تتوقَّع أن تكونَ فيها المرأةُ قويةً ومستقلة ومنتِجة. وكميل، على العكس من ذلك، إذ كان شديد الحرص عليّ وأراد أن يحيطَني برعايته وحمايته إلى درجةٍ ضايقتني أحيانًا لأنني أحسست بأنَّني مقيَّدة الحرية وأنني لست أتمتع بمحضِ ثقته. كان يقلقُ عليّ بسبب الجهد المتواصل الذي كنت أقوم به. وبانت على الساحة توقعات كثيرة حاولتُ التعامل معها والتأقلم بها كموضوع الضيافة وكيفية استضافة الزائرين وما أشبه. تعودتُ في (بودابيست) حيث تربيتُ بأنْ نستقبل الضيف بحرارة ونقدّم له المربيات المنزلية، والقهوة وشربةً من الماء البارد. وعند تناول العشاء كنا نعِدُّ نوعًا واحدًا من الأطباق وإذا كان هناك عددٌ كبير من الضيوف فكنا نحضِّر السندويتشات. فإكرام الضيف لدينا هو أن نقوم بعملِ شيء ما معه. أما في العادات الشرقية العربية، فهي أن يحِلَّ الضيفُ أهلًا، فيكونَ بين أهله وصحْبِه متى يشاء وإلى ما يشاء. يأكل معهم ويتكلم إليهم بحرية وهو يحتسي القهوة. أي أنَّ إكرام الضيف هو قضاء الوقت مع مضيفيه.
تحديات عديدة واجهتنا، لكننا، تعلَّمنا كيف نخترق الصعوبات معًا على الرغم من اختلاف شخصياتنا وطباعنا، واختلاف ثقافتنا وخلفيَّتنا. قضينا لياليَ بكاملها في الحوار والصلاة. تدرّبنا أن يثق واحدُنا بالآخر. كما اكتشفنا كلانا بأنَّ الزواج ليس هو بأن يربَح أحدُنا المعركة لكنَّ الزواج هو تعاونٌ واتحادٌ بيننا لكي نربح كلانا الحرب ضدَّ الأنانية وضدَّ كلِّ الضغوط التي تأتينا من الخارج، وضدَّ سهام الشيطان الملتهبة، الشرير الذي يسعى بأن يخرّب زواجَنا. يقول الكتاب: "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه." (1بطرس 8:5) فالرب الذي جمعنا أولًا والحبُّ ثانيًا جَعلانا ندرك بأنَّ عهد الزواج الذي قطعناه على أنفسنا يوم تزوَّجنا هو فعلًا عهد وليس اتفاقية. فالاتفاقية يمكن أن تُنقضَ في أيِّ وقت إذا ما أرادَ أحدُ الأطراف فسْخَها لسبب ما. أما العهد فهو دائمٌ وبدون شروط مسبَقة. وهذا العهدُ يتطلَّب المواجهةَ (الصراحة) والغفران الدائمين بين الفريقين. وحين أنظرُ الآنَ إلى السنين الماضية التي عبرتْ في حياتنا معًا، أرى بجلاءٍ كيف كنا قريبيْن، ومرتاحيْن معًا، وكيف كنا نعرفُ بعضنا بعضًا حقَّ المعرفة. أجل، لسوف أفتقد هذه القُربى، نعم، لَسوف أفتقد صديقي الحميم، وشريكي ما حَييت."
لومي خليل – المعروفة بـ "نورا"
"هذه القصة الحقيقية الجديرة بالنشر، لوفرة فائدتها لم تكتملْ بعد. فما سيأتي هو أكثرُ بلاغةً وأكثرُ عمقًا ممَّا مضى، أرجو أن تتابعَ معنا قارئي ما آلت إليه رحلةُ هذين الزوجين المؤمنين في العدد القادم."

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2018

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

122 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10619028