Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور صموئيل عبد الشهيد"فنظر إليهم يسوع وقال: عند الناس غير مستطاع، ولكن ليس عند الله، لأن كل شيء مستطاع عند الله." (مرقس 27:10)
أشار الرب يسوع المسيح إلى هذه الحقيقة الباهرة جوابًا لتساؤل التلاميذ عن قوله: "يا بنيّ، ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله!"

والواقع أن لهذا الحديث خلفيّة هامة تلقي ضوْءًا ساطعًا على عبارة المسيح التي أدهشت التلاميذ. فقد تقدّم إليه أحد اليهود، بل جاء إليه راكضًا وجثا أمامه وسأله: "أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟" كان هذا السؤال ينمّ عن اهتمام مخلص ليعرف ما هو مصيره الأبدي. وما يلفت الانتباه في هذا الحوار تلقيبه للمسيح بالمعلّم الصالح، وبهذا قد ارتكب خطأين لجهله بحقيقة المسيح:
الخطأ الأول أنه دعاه بالمعلم أُسوة ببقية معلمي اليهود الدينيين، والخطأ الثاني أنه وصفه بالصالح، وهي أيضًا من المزايا التي كان يتّسم بها رجال الدين من كتبة وفريسيين. لهذا كانت إجابة المسيح المباشرة: "لماذا تدعوني صالحًا؟ ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله." وكأنما أراد المسيح أن يلفت انتباه هذا السائل إلى ما ارتكبه من سوء الفهم وكأنه يقول له: من حيث أنه لا أحد صالحًا إلا الله، وأنت تدعوني بالصالح، فأنت في عبارتك هذه تعترف بي إلهًا. ثم استطرد المسيح وأشار إلى الوصايا العشر، فأقرّ هذا بأنه قد تلقّنها منذ حداثته. وأحبه يسوع لصدقه وإخلاص نيّته، ولكنه أراد أن يكشف عن مدى اهتمامه بوراثة الحياة الأبدية، وهل هو مستعد حقًا أن "يعمل" كل شيء، ويضحّي بكل ما لديه ليحصل على الحياة الأبدية. في تلك اللحظة وقف هذا الرجل أمام الامتحان الحقيقي لصدق إيمانه إذ قال المسيح له: "[يعوزك شيء واحد: اذهب بع كل ما لك وأعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني حاملاً الصليب؛ فاغتمّ على القول ومضى حزينًا، لأنه كان ذا أموالٍ كثيرةٍ]." (21:10-22)
نعم، إن هذا الرجل الذي أحبه يسوع قد رسب في الامتحان. ولكن ما هي الدروس التي يمكن أن نتلقّنها من هذه المجابهة التي تعذّر على تلاميذ المسيح أن يستوعبوا مضمونها؟

أولاً، سعى المسيح أن يكشف لهذا الباحث عن الحياة الأبدية عن عجز الأعمال عن تحقيق هذا المطمح لأن الأعمال وحدها لا تفي بمطاليب الله. وإذا استخدم المسيح لائحة الوصايا العشرة كمقياس للأعمال الصالحة، استهدف من ذلك أن يزيل الغشاوة عن عينيّ هذا السائل ليدرك أن الحصول على الحياة الأبدية لا يتحقق عن طريق الأعمال لئلا يفتخر بها أحد. فالأعمال الصالحة بحدّ ذاتها هي إعرابٌ أو ثمارٌ للإيمان، وهي ضرورية للشهادة ولكنها لا تخلّص من غير كفّارة كما شرّعها الله من قبل تأسيس العالم.

ثانيًا، أعلن هذا الساعي وراء الأبدية أنه قد حفظ الوصايا منذ حداثته، وكأنه ظنّ أن حفظ الوصايا يجعله مبرَّرًا في نظر الله. غير أن سؤاله الذي طرحه على المسيح كان إقرارًا ظاهريًا منه بافتقاره إلى اليقين. فهو على الرغم من حفظه للوصايا ومحاولة تطبيقها لم يكن موقنًا أنها تسعفه على الحصول على الحياة الأبدية، لهذا أقبل إلى هذا "المعلّم الصالح" يسترشد برأيه لأنه كان متشوّقًا حقًّا أن يحصل على الحياة الأبدية. والواقع أن هذه الأشواق هي رغبة كل قلب لضمان الحياة الأبدية قبل الموت. غير أن طالب المعرفة هذا لم يضع في حسابه تكاليف التضحية التي كان عليه أن يبذلها لكي يحقّق رغبته.

ثالثًا، عمد المسيح في إجابته أن يحرّر هذا الرجل من العائق الأساسي الذي يقف حجر عثرة في طريق خلاصه وهو حبّه للمال، بل ثروته التي يملكها. وإذ رأى هذا الرجل الخسارة المادية الفادحة التي سيُمنى بها إذا اتبع وصية المسيح، اصطدم بالحقيقة الصارخة التي كانت كامنة في أعماق نفسه، والتي كان من شأنها أن تحرمه من وراثة الحياة الأبدية. لقد تغلّبت هذه العقبة الكأداء على رغبته في الحياة الأبدية، فتغلّب آنئذٍ ما هو فانٍ على ما هو باقٍ وخالد. "فاغتمّ على القول ومضى حزينًا، لأنه كان ذا أموال كثيرة." (22:10)

رابعًا، إنَّ اتباع المسيح يتطلب تضحية لأن على التّابع أن يضع المسيح أولاً في حياته وكل شيء آخر يطرحه وراءه. وبمعنى آخر، على من أراد أن يكون تابعًا للمسيح قولاً وفعلاً، أن يحمل صليبه، ويجنّد نفسه في خدمته، فلا تعيقه هموم الدنيا ومشاغلها عن تكريس حياته لمن مات من أجله على الصليب. فالذي يريد أن يرث الحياة الأبدية عليه أن يجعل المسيح أولاً محور حياته ووجوده، وكل ما يصدر عنه من عملٍ أو قولٍ يكون خاضعًا لإرادته التي يتمجّد فيها الآب السماوي. إن المسيح لم يطالبنا أن نكون نسّاكًا نعتزل العالم وننطوي على أنفسنا، بل أراد منا في أثناء حياتنا الأرضية أن نكون حقًّا شهودًا أمناء، نحمل رسالته في أقوالنا وأفعالنا وسلوكنا، ونُعلن إيماننا، ومن ثَمّ تُعرب حياتنا عن انتمائنا الكلي لشخص المسيح. وبمعنى آخر، أن نُخضع كل شيء لإرشاد روح الله القدوس كي تظل راية المسيح خفّاقة مشعّة تجتذب إليه النفوس الضالة.

خامسًا، لم يتخذ المسيح موقفًا عدائيًّا من المال، فقد كان يدرك أن للحياة مطاليبها ومسؤولياتها، وأن على المرء أن يكدح في سبيل توفير أسباب العيش لعائلته والعمل على إسعاد أفراد أسرته. ولكن المسيح هاجم عبودية المال الذي احتلّ في نفوس أغلبية غير المؤمنين محلّ الله، وأصبح المعبد الذي يلتجئون إليه، ويسعون وراءه. أي أصبح المال هو إلههم، ومعبودهم. وتنكّروا لخالقهم وأنكروه. وليس في وسع أيّ واحد أن يعبد ربّين: الله والمال، كما أن الله لا يرضى أن يكون له شريكًا؛ هو الله، والله وحده خالق الكل، ويطالبنا بالتكريس الكلّي "لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟"
وعندما يكون الله هو المهيمن على حياتنا وعلى كل ما نملك، عندئذ، بفضل كفارة المسيح، وإيماننا العقلي والقلبي بها، نرث الحياة الأبدية.
هل أنت واحد من المكرّسين؟

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2019

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

88 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10603065