Voice of Preaching the Gospel

vopg

 الأخت أدما حبيبي(الحلقة الأخيرة)
بينما قُمنا أنا وكميل بتجهيز أوراق التبنِّي المطلوبة لابنِنا الجديد سام - تابعتْ نورا كلامَها قائلة: خطرتْ ببالي هذه الآية من رسالة رومية: "إن كان الله معنا فمَن علينا؟ الذي لم يُشفق على ابنه بل بذلَه لأجلنا أجمعين كيف لا يهبُنا أيضًا معه كل شيء؟" وبالفعل أتمَمْنا كلَّ المطلوب، وذهبنا إلى لبنان كيما نأتي بالطفل الهدية المُعطى لنا من قِبَل الله.

وإبّان وصولِنا إلى بيروت اصطحب كميل سارة معه إلى سيارة أخيه الأصغر الذي كان ينتظرُنا في المطار آنئذٍ، بينما رافقتُ أنا المسؤولة في سيارتها وتوجَّهنا جميعًا إلى الميتم في المنصورية. وما هي إلا دقائق حتى اتصل كميل بي يطلب وعدًا مني بألاَّ أرى الصبي في حال وصولي قبلَه إلى الميتم، فوعدتُه بذلك.
لكنَّني شعرتُ بأنَّ تلكَ الدقائقَ العشرة بدتْ لي أطولَ مدةِ انتظارٍ في حياتي كلِّها. وحين رأينا سويًا الطفلَ فيما بعد وقعْنا للحال في حبِّه. أما سارة فراحت تهتم به كأختٍ كبرى وتخبرُه حكاياتٍ عديدةً عن ديزني لاند وشخصيات ديزني العريقة.
أيضًا، تكرَّسَ سامي للرب أربع مرات، في لبنان والأردن، وفي كاليفورنيا في كنيستنا العربية والكنيسة الرومانية. نعم، لقد انتظرنا مجيء سارة خمس عشرة سنة ومجيء سام ثماني عشرة سنة. ومرةً أخرى تذكَّرنا وعدَ الرب الذي يقول: "فتعلمين أنِّي أنا الرب لا يَخزى منتظروه." (إشعياء 23:49) وفعلًا كانا طفلَيْن جديرَيْن بكلِّ هذا الانتظار. وصرْنا كعائلةٍ فيما بعد ننمو معًا ونلعبُ معًا ونُمضي أوقاتًا جميلةً ومميَّزة. ومضتْ سنونَ عديدة بعدَها تعرَّضنا فيها كعائلة لأزمةٍ جديدة في العام 2007 حين انهار الاقتصادُ هنا في أميركا، وخسر الكثيرون عندها وظائفَهم ومصدرَ رزقِهم، وكان كميل واحدًا من أولئك. وبالتالي تأثَّرنا جدًا من الناحية المادية ومررنا بظروف صعبة إذ كنت أهتم بالأولاد وعملْتُ حينذاك لسنينَ كمعلمة دوامًا نصفيًّا فقط. لكن تعلَّمنا والأولاد في تلك المحنة دروسًا ثمينة. كان أحدُها بأنْ لا يقارنَ الأولاد أنفسَهم أو عيشَهم مع الآخرين، بل يشكروا الله على كل ما لديهم من عطايا وبركات. ألم يقلْ الرب يسوع: "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون... انظروا إلى طيور السماء... وأبوكم السماوي يقوتها، ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟" (متى 6: 25-26) وحين ركَّزنا نظرَنا كعائلة على حاجات الآخرين نسينا بالفعل حاجاتنا نحن. وسمَحَ الربُّ لزوجي كميل في تلك السنوات العِجاف أن يقوم برحلاتٍ تبشيرية مع راعي الكنيسة وإخوة آخرين إلى السودان، وإسبانيا، ومالطا، وكذا فرنسا. كانت سبب بركة وفرحٍ لنا جميعًا.
ومرَّتِ الأيامُ والسنون، وعادتِ الحياة من جديد واستقرَّت إذ صار كميل يعمل عملًا حرًّا، وعُدتُ أنا إلى التدريس بدوام كامل. وكبُر الأولاد وأصبحا كالزهور اليانعة، التي بدأت تتفتَّح أمام عيوننا. وقرّرنا في صيف 2017 قضاءَ عطلةٍ طويلة في الأردن لزيارة الأهل والأصدقاء. وبالفعل كانت عطلةً مميّزة ومفعمة بالمشاعر المخلِصة والعلاقات الوطيدة. وزُرنا العديدَ من الأماكن السياحية في العَقَبة وبيت لحم والقدس. وأحسستُ عندها أنني أعيشُ في أيام القِدَم حين كانَ الربُّ يسوع يمشي على هذه الأرض الجليلة. عُدْنا بعد تلك الرحلة إلى بيتنا ونحن مملوؤون بالحركة والنشاط المتجدّد. عندها حانَ الوقتُ لنا لكي نزورَ العديد من الجامعات عسى أن نقرِّر مع سارة - التي كانت في آخر سنة لها في المدرسة الثانوية – الكلية المناسبة لها للدراسة الجامعية. وبعدَ مضيّ ثلاثة أسابيع فقط من رجوعنا من الأردن حدثَ شيءٌ مرعبٌ ومخيف لم نكن نتوقعُه.
كانت تلك ليلةً عادية في 28 تموز، حين قام كميل بتحضير دراسةٍ خاصة للشبيبة. وبينما نحن نجهّز أنفسنا للنوم، أخبرني بأنه يريد أن يتكلم لهم عن مثَل الكنز المُخفى (متى 44:13)، وأراد أن يبيِّن وجهَ الشبَه بينه وبين قصة الشاب الغني في لقائه مع الرب يسوع (مرقس 17:10). وقال معلِّقًا: أريد أن أطرح السؤال التالي على الشبيبة: كم هو ثمينٌ ملكوتُ السماوات بالنسبة لهم؟ وهل هم مستعدّون أن يتركوا كلَّ شيء من أجله؟ فأعربت له عن إعجابي الشديد بالموضوع. وبعدها تمنّينا ليلةً سعيدة واحدُنا للآخر ونمنا. لم أكنْ أعلمُ البتَّة بأنَّها كانت آخَرَ ليلةٍ لي معه. إذ أفقتُ عند الساعة الرابعة والربع فجرًا يوم الجمعة على صوتِ شخيرٍ عالٍ مصطحبٍ بصعوبةٍ في التنفس. حاولتُ أن أغيّرَ وضعَ نومه، لكنَّه لم يتجاوب أبدًا. عندها طلبتُ للحال (911) وقمتُ بأداءِ التنفس الاصطناعي عليه لكن دون جدوى. أيقظتُ عندها الأولاد لكي يستعدّوا للذهاب معي إلى المستشفى. وبدأت أبكي من وقْع الصدمة وكذا فعلَتْ سارة. أما سام فنزَل للحال إلى المطبخ ليحضّر لي فنجانًا من الكاكاو عساه يهدّئ من روعي. هكذا ظنَّ! حاول المسعفون أن يسترجِعوا وعيه لمدة خمس عشرة دقيقة حسِبتُها الأطول في حياتي. وصرخنا أثناءها أنا وسارة للرب من الأعماق بأن ينجِّي كميل من هذه المحنة. لكن للأسف لم يحصل ذلك. بعدها قالوا: نأسف، لم نجدْ أيَّ نبض. نحن على استعداد لنعلِن وفاته. غاصتْ قلوبُنا فينا. لكن للوقت صرخ أحدُهم وقال: ها قد عاد النبض لكنَّه ضعيف. عندها نقلوا كميل على جناح السرعة إلى المستشفى الأقرب إلينا. ولكن ما حصلَ بعد ذلك لم يكن إلاّ عواصفَ هوجاء من المشاعر والانفعالات المتضاربة تركتْنا متأرجحين بين الأمل واليأس. وقيل لنا في غرفة الطوارئ بأنَّ الوضعَ لا يدعو للاطمئنان أبدًا. ومن شدة الصدمة، لم أردّ على الطبيبة المعاينة. فظنَّت أنني لا أتكلم الإنكليزية. أما طبيبُ القلب فاقترب مني وقال: لقد تعرَّض زوجُك ِلنزيف حاد في الدماغ إثرَ انفجار في أحد الأوعية الدموية. وأنَّه من غير المحتمل أن يعيش. قالت لي مونيك نسيبتي وهي تضغط على يدي: تجاهليه، لا تستمعي إليه. وعليه عاد الأمل إليَّ من جديد. أخبرتُ أخا كميل كمال وزوجته اللذيْن كانا في رحلةِ عمل في شيكاغو فحضَرا على الفور. كما حضرتْ أختُه وزوجُها. وجاء أخي وزوجتُه من بيكرزفيلد لكي يكونا إلى جانبي ويساعدا في نصائحهما الطبيّة لكونهما طبيبين. وأعلمتُ الكنيسة قسًا ورعيةً الذين بدورهم رفعوا قلوبهم بالصلاة والترجِّي أمام الرب. كما قام الشبيبة برفع صلاة حرَّى وصاموا في اليوم الذي يليه طالبين معجزة من عند الرب. وغصَّت قاعةُ الزائرين بالإخوة والمعارف والأقرباء حتى تعجَّب طاقمُ المستشفى. وأمضيتُ أنا الليلة الأولى كلَّها إلى جانبه أتحدّث إليه وأنا ممسِكة بيده علَّه يسمعني أو يحسُّ بي، لكن دون جدوى. قالت لي زوجةُ أخي الطبيبة: إنّه يسمعكِ يا لومي، فقولي له ما تريدين. وفي صباح اليوم التالي السبت، راح رتلٌ من الأطباء يخبرنا الواحد تلو الآخر بحال كميل الميؤوس منها طبيًا، وكان كلُّ واحد منهم يهزُّ رأسه ب النفي. أما أنا فقلت في نفسي: هل يستحيلُ على الرب شيء؟ ألا يعلم الله أنني والأولاد بأـمسِّ الحاجة إليه؟ فكيف لي أن أعيشَ بدونه. لقد تعاهدْنا على أن نكبُر معًا جنبًا إلى جنب!
قضينا يوم السبت كلَّه بالصلاة كما صلّى الإخوة جميعًا والأقرباء والأصدقاء، فوق رأسه وإلى جانبه. وامتلأت غرفتُه في العناية الفائقة بالزائرين والمحبّين والعاضدين. وقرر يومَها الأطباء أن يقوموا بفحوصات أخيرة لمعرفة حالةِ الدماغ وفيما إذا كان هناك أيُّ نشاط حاصل فيه. ولما فعلوا جاء الجواب المريع في صباح يوم الأحد: لا يوجد أمل البتة. فالدماغ متوقّف عن العمل تمامًا منذُ حصول النزيف. لذا ينبغي علينا أخذُ القرار الحاسم في توقيف الآلة التي تساعده على التنفس.
فاجتمعنا كلُّنا حوله كعائلة يدًا بيد - كنّا عشرة أشخاص - ورفعْنا صلاةَ شكرٍ للرب على حياته وسيرتِه التي عاشها. واستودعناه بين يدي الرب. ورنّمنا ترنيمةً في وداعه. أما أنا فصلّيت في داخلي مسلّمةً لإرادة الله ومشيئتِه على الرغم من عدم فهمي لهذه المشيئة. وتذكّرتُ الآية التي تقول: "مع أنه لا يزهر التين ولا يكون حمْل في الكروم... فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي. الرب السيد قوتي!" (حبقوق 17:3-19)
لقد انتقل زوجي الحبيب كميل إلى محضر الرب فاديه في الثلاثين من تموز عام 2017. وفي الخامس من شهر آب أُجريت له مراسيمُ الاحتفال بحياته حضرها أكثرُ من خمسِمئة شخص، ولمَسَ الجميع حضورَ الله العجيب في المكان. لقد كانت حياتُه عطرًا فواحًا أثَّرت على الكثيرين من القريبين والبعيدين الذين شهدوا بذلك. لا شك أنَّ الربَّ إلهَنا صالحٌ في كل الأوقات. إنَّه لا يخطئ البتة لأنه وحده كلّي المعرفة. لقد ارتأى أنَّه حان الوقت لـكميل أن يكون في حضرته. لذا فأنا والأولاد نخضعُ لإرادته الصالحة ونثقُ أنَّه سيعبُر معنا في وادي الدموع هذا لذا فلن نخاف. إنَّني أشكر الله من أجل واحدٍ وثلاثين عامًا أمضيناها سوية فكان فيها الحبيب والصديق والشريك. صلّوا من أجلي ومن أجل سارة وسامي كيما ينمو إيمانُنا ويتشدّد ويتقوّى بعد هذا الفقدان الكبير، صلّوا من أجلنا حتى يهدّئ الرب يسوع عاصفةَ حياتِنا ويمنحنا سلامه العجيب. (لومي خليل - المعروفة بـ نورا)
* دوَّنت "لومي" أيضًا اختباراتٍ عديدةً شهدَتْ فيها عن عناية الرب بها وبالأولاد، وكذلك عن أمانته الفائقة منذ أن غادرها الحبيب كميل، لكنَّ بالطبع، لن تسعَ الصفحاتُ الكثيرة لذكرِها كلِّها. لذا لا يسعنا إلا أن نقول بأنَّ لسان حال "لومي" فيها كلِّها هو:
أنا لست وحدي في الطريق أبي يمشي معي
يحفظني من كل ضيق يمسح أدمعي

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2019

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

109 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10602890