"لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ! هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ." (متى 6:28) إن الكلمة الظافرة التي نطق بها الملاك فجر القيامة لم تملأ قلوب التلاميذ عزاء كما تملأ قلوبنا في هذه الأيام...
إن أول خدمة عُقدت في الفجر هي الخدمة التي حضرتها مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسي ويوحنا، والنسوة الأخريات لأنهنّ جئن إلى القبر عند الفجر في أول الأسبوع ومعهن الحنوط الذي أعددنه ليضعنه على جسد سيدهم. وبينما هن سائرات في الطريق إلى القبر قلن فيما بينهن: "من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟"
وبحسب كتابة مرقس البشير "فتطلّعن ورأين أن الحجر قد دُحرج! لأنه كان عظيمًا جدًا. ولما دخلن القبر رأين شابًا جالسًا عن اليمين لابسًا حلة بيضاء، فاندهشن. فقال لهنّ: لا تندهشن! أَنْتُنَّّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ ههُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ."
لقد كان القبر فارغًا... خلا من جسد صاحبه، فما هي رسالة هذا القبر الفارغ؟
إنها رسالة اليقين بأن المسيح قد مات
إن يسوع الناصري قد صُلب، وهذه إحدى صفحات البشرية السوداء، فقد أثبت التاريخ العام، والكتاب المقدس حقيقة صلب المسيح وموته، فقد قام جنود روما الغلاظ الأكباد بصلب ثلاثة رجال فوق قمة الجلجثة في ذلك اليوم التاريخي العظيم. وعلى الصليب المتوسط صُلب "يسوع المسيح الناصري" وعُلِّق بين الأرض والسماء، وبينما كان اللصان اللذان صلبا معه يتلوّيان في ألم، قال أحدهما مجدِّفًا: "إن كنتَ أنت المسيح فخلّص نفسك وإيّانا."
أما الثاني، فقد قال باتّضاع: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك." (لوقا 42:23)
ويخبرنا لوقا البشير عن آخر كلمات يسوع وهو على الصليب بعد أن أظلمت الشمس، وانشقّ حجاب الهيكل من وسطه إذ "نَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». وَلَمَّا قَالَ هذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ."
ويقول الكتاب إن يسوع مات "وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ الْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هكَذَا وَأَسْلَمَ الرُّوحَ، قَالَ: «حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللهِ!»"
وتلاميذه آمنوا أنه مات، والنساء اللواتي كنّ حول الصليب عرفن أنه مات، وقد شك بيلاطس في أنه مات بهذه السرعة فطلب قائد المئة، وقد أكّد له قائد المئة أنه مات، ويقول مرقس: "ولما عرف من قائد المئة، وهب الجسد ليوسف." واليهود آمنوا أن يسوع الناصري قد مات.
والجندي الروماني القاسي طعن يسوع بحربة، ويقول عن ذلك يوحنا البشير: "لكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ." (يوحنا 34:19)
لقد اتفقت جميع الدلائل على أن يسوع الناصري قد مات.
إنها رسالة اليقين بأن المسيح قد دفن في قبر يوسف الرامي
يحدّثنا الكتاب المقدس عن ثلاثة بساتين: البستان الأول هو جنة عدن، والبستان الثاني هو بستان جثسيماني، والبستان الثالث هو بستان يوسف الرامي.
لقد مات يسوع الناصري، وذهب يوسف الرامي المشير الشريف وطلب من بيلاطس جسد يسوع، وبعد التأكد من أن يسوع قد مات، أمر بيلاطس بإعطاء جسد يسوع ليوسف، وكان يوسف تلميذًا ليسوع، ولكن خفية بسبب الخوف من اليهود.
والآن، وقد ملأت الحسرة والأسى قلب يوسف الرامي ونيقوديموس - الذي جاء إلى يسوع ليلاً - امتلأَا شجاعة، وأخذا جسد يسوع ولفّاه بكتان أبيض، وأعدّاه للدفن. "وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ." (يوحنا 41:19-42)
لقد اضطرب اليهود... فها هو يسوع المسيح قد مات، ودُفن في قبر يوسف الرامي الجديد، ولكن ضمائرهم الثائرة أقلقتهم فذهبوا إلى بيلاطس وقالوا: "يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!» فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ.»" (متى 63:27-65)
وهكذا أخذ أعداء المسيح أمرًا بحراسة القبر حتى يأمنوا تمامًا لوجود جسد المسيح في ذلك القبر، وأن أحدًا لا يستطيع أخذه من ذلك القبر. ويقينًا أنهم حرسوه بكل يقظة وانتباه، فقد ختموا القبر بالختم الروماني، ثم وضعوا جنودًا رومانيين لحراسة القبر بالتناوب بحرص شديد.
يسوع المسيح مات! إنه دُفن في قبر وقد خُتم ذلك القبر، وحرسه الجنود الرومانيون.
إنها رسالة اليقين بفراغ القبر
تأمّل ثانية في الرسالة التي أعلنها الملاك في ذلك اليوم السعيد، صباح القيامة المجيد.
لقد كانت رسالة دقيقة جدًا: "لا تخافا أنتما." (متى 5:28)
وكانت رسالة محزنة تفتِّت القلب: "فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ." (متى 5:28) وكانت رسالة مفسّرة: "ليس هو ههنا لأنه قام." (6:28) وكانت رسالة معزية: "هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ." وكانت رسالة ملهمة: "وَاذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ."
لقد كان القبر فارغًا، وأجمعت الدلائل كلها على أن يسوع ليس فيه، ولقد قال بعضهم إن تلاميذه جاؤوا وسرقوه ليلاً وهذا شيء لا يمكن أن يقبله العقل بعد كل ما عُمل من احتياطات لحراسة القبر، وحتى أعداءه لم يقبلوا هذه الإشاعات المفتعلة.
لقد قرّر الجنود الرومان أن القبر صار فارغًا. وعلم قادة اليهود أن القبر صار فارغًا. وقالت الملائكة: "ليس هو ههنا." إن القبر فارغ!
النساء اللواتي ذهبن، قررن برؤية العين أن القبر فارغ.
التلاميذ قرروا أن القبر فارغ
إنه ليس في القبر – لأنه قام كما قال. وعلامة الاستفهام الكبرى قد تحوّلت إلى هتاف النصرة. فالقبر الفارغ كان دليلاً حاسمًا على حقيقة القيامة. لقد قال يسوع المسيح إنه سيقوم من الأموات. وهنا وعد اللاهوت: "بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل." (مرقس 28:14)
لقد قام من الأموات ورآه تلاميذه... لقد تحدث إليهم وسبقهم إلى الجليل كما قال تمامًا.
وهذا هو السبب الذي من أجله يمكننا أن نرنّم بكل أصواتنا: بالألتو Alto، والسبرانو Soprano، والتينير Tenor، والبايس Bass بأن المسيح قام! وهذا هو اليقين الذي سيعلن من ألوف المنابر في جميع أنحاء الأرض، بل هذا هو اليقين الذي يدفع كل مسيحي لأن يهتف: "هللويا! المسيح قام!"
