Voice of Preaching the Gospel

vopg

JosephAbdoإن سائل هذا السؤال لم يتلقّ جوابًا عليه. كان الجواب ماثلاً أمامه ولكنه لم يهتدِ إليه، سمعه وأبصره ولكنه أغلق مسامعه، وأغمض عينيه.
في محاكمة الرب يسوع المدنية أمام الوالي الروماني - مسلوب الإرادة - يقول الإنجيل المقدس:

"فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي».
قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «مَا هُوَ الْحَقُّ؟» وَلَمَّا قَالَ هذَا خَرَجَ أَيْضًا إِلَى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً." (يوحنا 37:18-38)
وفي عدد لاحق يتابع يوحنا البشير قائلاً: "فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ." (يوحنا 16:19)
حتى صار ذلك الحاكم شريكًا في أفظع جريمة عرفتها البشرية في كل تاريخها! لأنه لم يصغِ إلى الحق ولم يتعرّف على الحق، ولم يُقم الحق!
الحق كلمة صغيرة في مبناها ولكنها عظيمة جدًا في معناها، رهيبة في مضمونها، وذلك نكتشفه من خلال الصفات الأدبية لذلك المضمون العجيب.

1- فالحق ثابت لا يتغيّر ولا يتبدّل وإلا لما كان الحق حقًا في بعض الأوقات أو الظروف. فما يقرّه الحق اليوم لا يمكن أن يرفضه غدًا، والعكس صحيح، وإن كانت الشرائع الوضعية والتعاليم البشرية تتغيّر وتعدّل ولكن "الحق" ليس كذلك، فليس فيه مكان للمزاجية ولا إمكانية للمساومات!

2- الحق مقدس، بل هو أصل القداسة ونبراسها المضيء والذي لا يشوبه عيب ولا دنس، فهو طاهر لا يتطرّق إليه الرجس من قريب ولا من بعيد. فهو في قداسته فوق إدراك بني البشر وأعظم من تصوّراتهم.

3- الحق أزلي: فهو كائن قبل وجود الإنسان على وجه البسيطة، متأصّل في أعماق ما قبل الزمن، موجود في الله ومعه منذ الأزل! فلو افترض أحد أن الحق نشأ في وقت ما، فكأنه يدّعي أن الله لم يكن لديه حقّ قبل ذلك الوقت.

4- الحق أبدي: لا يعتق ولا يشيخ ولا يتلاشى، ولن ينتهي مفعوله في يوم من الأيام، بل هو باقٍ إلى الأبد.

5- الحق عادل: بل هو أصدق تعبير عن العدالة التامة، وأدقّ ميزان لتحريرها. وهو لا يتأثر بالأزمنة أو بالظروف ولا بالمراكز والأشخاص، ولا بالخلائق العليا مهما كان شأنها، فالعدل من أهم صفات الحق وأوضح صوره وتجليّاته.

6- الحق صالح: إن جميع الصفات الرائعة التي يتّصف بها الحق ترجع إلى صلاحه وبرّه ونقائه. وجميع الصفات السلبية بعيدة عنه ومتناقضة معه تناقضًا تامًا.

7- الحق كامل، وكماله مطلق لا حدود له ولا أبعاد. لا يدرك العقل سعة هذا الكمال، ولا يتسع له حتى الخيال!
فالحق ليس كلمة تقال، ولا فكرة تجول في الخيال، ولا منظومة "قانونية" تصوغها الأجيال، بل هو شخص فائق السلطان عظيم الكمال!
هذا ولا بدّ لنا في هذا المجال من التفريق بين "الحق" الشامل الذي نحن بصدده والذي هو صفة من صفات الله القدير واسمٌ من أسمائه، وبين "الحق" الحاصل والذي ينشأ من وضع معيّن أو علاقة خاصة. كحقّ الجنين في الحياة بمجرّد تكوينه في رحم أمه. وحق الإنسان بالحرية، ومالك الشيء باستخدامه والاستفادة منه، والبائع بثمن المبيع، والعامل بكسب أجرته، والمؤلف بملكيته الأدبية، إلى ما هنالك من سلسلة الحقوق الطبيعية أو الاجتماعية والأخلاقية والدينية والوضعية بكل أصنافها. والمشكلة التي تواجهنا هي أن لغتنا العربية لا تميّز بين هاتين اللفظتين.
فكلمة "الحق" مع الـ التعريف تشير إلى الله نفسه في وحدانية لاهوته وتطلَق على كل أقنوم من أقانيمه. يقول داود: "في يدك أستودع روحي. فديتني يا رب إله الحق." (مزمور 5:31) وهذا كلام نبوي استخدم العبارة الأولى منه الرب يسوع وهو على الصليب، ويقول الله على لسان إشعياء النبي: "فالذي يتبرّك في الأرض يتبرّك بإله الحق، وَالَّذِي يَحْلِفُ فِي الأَرْضِ يَحْلِفُ بِإِلهِ الْحَقِّ، لأَنَّ الضِّيقَاتِ الأُولَى قَدْ نُسِيَتْ، وَلأَنَّهَا اسْتَتَرَتْ عَنْ عَيْنَيَّ." (إشعياء 16:65)
وقد قال الرب يسوع: "أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي." (يوحنا 6:14) وهذه جميعها مترادفات، فليس من طريق آخر يؤدي إلى السماء سوى ابن الله النازل من السماء، وليس من حق آخر ترقبه الأحياء سوى الحق المطلق الوحيد الذي أوجد جميع الأشياء وتكلّم بالأنبياء. وليس من حياة أخرى مذّخرة للأمناء سوى حياة المخلص الذي أبطل الموت وأنار لنا الحياة والخلود بواسطة الإنجيل، صانع الفداء ومانح الرجاء.
وبهذا الاسم المبارك سُمي أيضًا الروح القدس. فقد قال الرب يسوع على فم يوحنا البشير: "وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ." (يوحنا 16:14-17)
لذا فإن بيلاطس قد أخطأ خطأً جسيمًا في سؤاله: "ما هو الحق؟" فلو عرف الحق الذي كان ماثلاً أمامه لكان عليه أن يقول: "من هو الحق؟" ولكان عليه أن يراعي الحقَّ ويخضع للحق ويعتبر الحق، ولكنه أخطأ في الفكر والاعتبار والسلوك، فصرف نفسه بعيدًا عن الحق! وهكذا فإن كثيرين في العالم اليوم يصعب عليهم معرفة الحق إما لأنه مخفى عنهم أو لأنهم يرفضونه، وكثيرًا ما يكون عدم معرفة الحق ورفض الحق متلازمين في الشخص نفسه وذلك لأسباب كثيرة منها:

1- عمل أجناد الشر الروحية في السماويات. فإن الشيطان وأعوانه يعملون ليلاً ونهارًا ليحجبوا الحق عن كثيرين كما يقول الرسول بولس: "الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ (الشيطان) قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ." (2كورنثوس 4:4) فالكتاب المقدس كله موضوعه المسيح والفداء، والشيطان يعمل بكل قوة للتشكيك به وتشويهه.

2- الرواسب والموروثات.
فكثيرون يبقون سجناء لما ترسب في أذهانهم من موروثاتهم القبلية، أو العرقية، أو العائلية، أو الدينية، لا يستطيعون التخلّص منها لكي يوجّهوا أنظارهم وقلوبهم إلى الحق.

3- البدع والضلالات،
وما أكثرها! فأصحابها يُعثرون كثيرين ويصدونهم عن معرفة الحق. ولكن كلمة الله تعلن بأن دينونة هؤلاء ستكون رهيبة. قال الرب يسوع: "وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ. وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ! فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ!" (متى 6:18-7)

4- الوثنية وغيرها من المعتقدات
فهناك من يؤمن أن الحجر أو المعدن أو الحيوان هو "إلهه الحق"، فيقدِّم له العبادة والسجود والخشية والتقدمات! وهناك من يعتقد أن "إلهه الحق" يتعدّى على الحق حين يشاء، فيضلّ أو يهدي ويظلم أو يعدل بحسب الظروف، يطالب بعمل الخير ولكنه يتغاضى عن القتل والفحشاء والخطف والرياء لغاية في نفسه. أو يأمر بها متى يشاء.

5- الأوهام والخرافات.
فرغم كل التقدّم العلمي والتفتّح الذهني وقد أصبحنا في زمن المعلومات، فإن كثيرين ما زالوا يؤمنون بخرافات وهمية لا وجود لها، لا يقبلها عقل ولا تتماشى مع إنسانية الإنسان، فكيف تتماشى مع روحانية الإله الحق؟

6- الرغائب والشهوات،
وهي تخلب القلب وتبلّد الحس وتميت الضمير. لذا فإن سليمان الحكيم يوصي قائلاً: "لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ وَلاَ تَحْسِدِ الأَثَمَةَ، لأَنَّهُ لاَ يَكُونُ ثَوَابٌ لِلأَشْرَارِ. سِرَاجُ الأَثَمَةِ يَنْطَفِئُ." (أمثال 19:24-20)

7- الكبرياء والاعتداد بالذات.
يظن البعض بأنفسهم أنهم أعظم من أن يخضعوا لأي تعليم أو اعتقاد، بل يجب أن يكونوا هم سادة على نفوسهم وأفكارهم. يقول سليمان الحكيم: "مَكْرَهَةُ الرَّبِّ كُلُّ مُتَشَامِخِ الْقَلْبِ. يَدًا لِيَدٍ لاَ يَتَبَرَّأُ." (أمثال 5:16)
عزيزي القارئ الكريم، هذه السباعية هي من العوامل الكثيرة التي تكبّل الإنسان وتمنعه من التعرّف على الحق، فتأسره في زنزانة لا يستطيع أن يفكّ نفسه منها، ولكن من يتغلّب على تلك العوامل هو الذي يطلب من إله الحق أن يعلن له الحق، فيتعرّف على الحقّ ويتحرّر. كما قال الرب يسوع: "إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ." (يوحنا 31:8-32)

المجموعة: نيسان (إبريل) 2019

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

205 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10624673