Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخت أدما حبيبيأكتبْ حين تتألم، واكتبْ حين تبكي، واكتبْ حين تحزن. واكتب حين تفرح، وحين تنجح، وحين تُفلِح. فالكتابة تعبيرٌ صادق يفصح ويبوح عمّا يجري في أعماق الإنسان.

وعن طريق الكتابة يدوِّن المرء ما يعاني منه من مشاعر وأفكار يتخبَّط في خِضمّها، وقد تكون على تناقضٍ كبير في أحيان كثيرة فتولّد تنازعًا متوتّرًا بين العقلِ والخلقِ والإبداع عنده، ويعاني تحت وطأتها من مرارةٍ حقيقيةٍ في عقله الباطن، من غير أن يدري أحدٌ بحالِه.
والآن، هل تعاني مع أفكارك؟ أو تصارع مع ضميرك؟ أو تتألّم من جرّاء فشلٍ ما؟ أو هل تشعر بالذنب؟ أو تشعر بالقلق يقضُّ عليك مضجعَك ويسلبُ منك نومك وراحتك؟ وكذا سعادتك؟ لكنَّك، على الرغم من كل ذلك تحاول إخفاء الأمر في أقبية سريرتك وبين حنايا ضلوعك، متظاهرًا بأنَّ كلَّ شيء على ما يُرام! وليس بالإمكان أفضل ممَّا كان!
أسئلة معبّرة فعلًا عن الواقع الذي يعيش فيه الإنسان كلُّ إنسان، أو ربما يجتاز به الواحد منا لفترة ما في حياته. لكن كثيرًا ما يكون لهذا الواقع وقعًا شديدًا على البعض من أفراد الإنسانية، فيرزح تحت ثقله وربما تصل به إلى درجة أن يطلب فيه الخلاص والمناص لكنَّه لا يجدهما. فيلجأ عندها إلى حلٍّ يظنُّه الأوحدَ أو الأفضل، ممّا يعرّضه إلى ما لا تُحمَدُ عُقْباه! وهذا بالضبط ما فعلتْه في نفسها إحدى الأيقونات الشهيرة في حقل الأزياء.
فمَن منا لا يعرف المصمّمة الشهيرة (كيتي برونساهان سبيد Katy Bronsahan Spade) هذه الأيقونة المعروفة في حقل الأزياء والموضة؟ الفتاة التي تحدَّرت من عائلة ذات الأصل الإيرلندي التي قطنت في مدينة كانساس، في الولايات الوسطى في أميركا. هذه كانت واحدة من خمس بنات لوالدَيْن هما فرانك وجون Frank and June. لم يخطرْ قطُّ على بال كيتي يومًا ما بأن تعمل في حقل التصاميم والأزياء. لا بل إنَّ دراستها الجامعية كانت في حقل الإعلام والصحافة. لكن بعد أن تعرَّفت على آندي، زوجها فيما بعد، زرع فيها هذه الفكرة الذكيَّة والخلَّاقة. وبعد تخرُّجها من جامعة أريزونا، انتقلت لتعيشَ في مانهاتن نيويورك، وبدأت بالعمل كمساعدة في مجلة (Mademoiselle أي الشابة) حيث كان عليها أن تقوم بجمع حقائبَ يد متنوعة من أجل تصويرها للمجلة. لم يخطر ببال كيتي بأنَّها ستصبح هي وزوجها شركاء - وفي غضون سنين عديدة 1993 - لأكبر شركةٍ عملاقة للأزياء والتصاميم تحملُ اسم "كيتي سبيد" في نيويورك. وفي هذا الحقل برَعتْ كيتي في تصاميم حقائبِ اليد المتنوعةِ الألوان للسيدات والتي امتازت بالبساطة والرونق والعمليَّة في آنٍ واحد، فضلاً عن كل ما يلزم السيدات من إكسسوارات ليكتمل مظهرُهنَّ في المجتمع. وأصبحت كيتي تدير هذه الشركة العملاقة مع زوجها من شقتها في نيويورك بادئ ذي بدء. وحين باعا هذه الشركة بعد عشر سنوات بلغت قيمتها 92 مليون دولار. لكنها انقطعت عن العمل حين أنجبت ابنتها بيتريس وارتأت أن تظلَّ إلى جوارها في كل مراحل طفولتها الأولى. وانخرطت فيما بعد بكل نشاطات المدرسة وتعرّفت على الكثير من الأمهات اللاتي شهدْنَ عنها بأنها صديقة صدوقة ولكنهن أكَّدن فيما بعد "الحدث" بأنهنَّ لم يعلَمْن قطُّ بأنَّها تعيش ألـَمًا حقيقيًا في داخلها. إلى أن وقع ما لم يكن في الحسبان.
نعم، لقد اقدمت كيتي سبيد على الانتحار، وملأتْ صورها المجلات والجرائد وصفحات التواصل الاجتماعي. ففي الساعة العاشرة صباحًا وفي الخامس من حزيران 2018 الماضي، وإثرَ مجيء الخادمة إلى بيت كيتي، وجدتْها في سريرها جثة هامدة من دون حراك. لقد انتحرت بصمتٍ عن عمرٍ يناهز الخامسة والخمسين، لأنها كانت تخفي ألمًا دفينًا لم تعُدْ تحتمله على الرغم من وسائل العلاج المتنوعة التي قُدِّمت لها. أما آندي زوجُها فصرَّح لمجلة "الناس" People Magazine - June 25, 2018 يومَ وفاتها بأنَّها كانت تعالَج من مرض الاكتئاب المزمن والقلق اللَّذين كانا يقُضَّان عليها مضجعها. وأخيرًا سلّمت نفسها لبراثنِ الموت كيما تريحَها من معاناتها المريرة. كان زوجها آندي قد انفصل عنها ليعيش في شقةٍ خاصة به قريبة من بيتهما. بينما كانت ابنته ذات الثلاثة عشر ربيعًا تتنقّل للسُكنى بينه وبين أمها كيتي في الأشهر العشرة الأخيرة. قال آندي: "كنت وبيتريس على اتصال معها في الليلة التي سبقت انتحارها، وكانت كيتي تتمتّع بمعنويات جيدة. وهذا ما حزَّ في نفسي أكثر. لأننا بقينا على صداقة وتواصل مستمر كعائلة."
أجل، لقد صُعق الكثيرون يومَها لانتحار هذه المصمّمة العالمية. ورثاها العديدون، وما زال الناس يتكلّمون عن تصاميمها المبدعة. وحصلْتُ أنا نفسي يومًا، على حقيبة يدٍ قيّمة من تصميمها قبل وفاتها، كهديةٍ ثمينة من أصدقاء لي. وما زلنا نسمع عن كثيرين وكثيرات وخاصة من الأوساط الفنيَّة العريقة، الذين يُقدمون على انتزاع حياتهم من أجسادهم. فاليأس قد وصل بهم إلى درجة مخيفة رهيبة بحيث لم يعدْ للأمل في الحياة التي يحيَوها ولا قيدَ أُنُملة.
وعلى إثر ذلك، صرَّحت مراكزُ الحدّ من هذه الأمراض في تقرير لها بأنَّ نسبة الانتحار في الولايات المتحدة هي في ارتفاع مستمر وإلى حدٍّ مخيف. وأنه بين عامي 1999 و2016 ارتفعت نسبة عدد المنتحرين بمقدار 30 بالمئة في نصف عدد الولايات. وأن عمر المنتحرين ك كيتي سبيد وأنتوني بوردين الذي يتراوح ما بين 55- 64، وصل إلى ثالث أعلى نسبة، إذ يبلغ العدد 18 منتحرًا لكل 100 ألف أميركي. واعتبر التقرير أنّ القلق هو العامل الرئيس والمسبِّبُ الأول للأمراض العقلية. وللإجابة عن السؤال، ماذا ينبغي أن نفعل للحدّ من هذه الحالات، يقول التقرير: "التكلُّم مع الذين يعانون من هذه الأعراض، وإبداء التعاطف معهم، ومن ثمَّ تشجيعهم على البوح والإفصاح عمَّا يعتملُ في صدورهم من آلام ومعاناة لأناس مختصين للقيام بمساعدتهم فيما بعد."
في صعوباتِ الحياة ومنعطفاتها الخطيرة، في أفراحها وأتراحها، في وُفرتها وشحِّها، وفي تناقضاتها الكثيرة، تحتاجُ النفسُ البشرية إلى كتفٍ تستندُ عليه، وإلى مناجاةٍ مع خالقها الذي وإن كانتْ لا تراه، لكنّه أبدًا موجود ليمدَّ يد العون والمساعدة لكلِّ من يطلبه. حتى ونحن نجتاز في أحلك الساعات، بعيدًا عن كل إنسان ومهما كان قريبًا، في ساعات الوحدة والألم، هناك بصيصُ نور يبزغ من خالقِ النور وحده، الله القدير الذي تقول عنه كلمة الله: "عاضد كلّ الساقطين، ومقوّم كل المنحنين... الرب بارٌّ في كل طرقه ورحيمٌ في كل أعماله. الرب قريبٌ لكل الذين يدعونه، الذين يدعونه بالحق". (مزمور 18:145)
إن الله خالقنا ينتظر لكي يسمع صوتَ أنين النفس وحشرجاتِ الفؤاد، وهو حاضرٌ ليمدَّ يده لينتشلَها ممَّا هي فيه من أنين. فهل تلجأ النفس البشرية إلى خالقها وباريها لتلقي بأثقالها عليه وبأحمالها المضنية عند قدميه؟ لا ترتاح النفس البشرية المعذَّبة إلا حين تعود وترجع إلى الذي يدرك تمامًا معاناتها. وهو لا شكّ يسمع لصوت الإنسان كائنًا مَن كان. فهل ندعوه في حيرتِنا وفي آلامنا وهل نسلِّمه كلَّ ما يعتملُ في نفوسنا؟
أما نحن المؤمنين الذين اختبرنا حضرتَه في حياتنا، وصار لنا شركة معه عن طريق الرب يسوع المسيح الفادي، أفلا نشعر أحيانًا وكأنَّ الله بعيد عنا؟ بالطبع، لأننا ما زلنا في هذا الجسد وما فتِئنا معرّضين لأنين النفس. وأحيانًا نقع تحت تأثير الخوف والقلق ممّا يضمره لنا الغدُ. تقول كلمة الله المقدسة الحية هذه الآيات التي كانت سبب تشجيع لي أنا شخصيًا في حياتي، والتي فاه بها الرب يسوع المسيح لتلاميذه مرةً: "من منكم إذا اهتمَّ – أي قلق- يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدة... لكن اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذه كلّها تُزاد لكم. فلا تهتموا للغد، لأنَّ الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره." (متى 27:6 و33)
وقال أيضًا لهم: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر." (متى 20:28ب) فهل نستوعب حقًا قوة هذه الكلمات المُحيِيَة؟ وندرك حضوره في حياة كلِّ من آمن به شخصيًا فصار له المحب، والمعين، والصديق، والطبيب، والمعزّي، والمقوّي؟ وهذه الحضرة الإلهية مع خالقنا من خلال الفادي المسيح، هي حياة الملكوت التي نعيشها معه، هي حضرةٌ دائمة وغير معرّضة للانتهاء أو التغيير. لماذا؟ لأنه هو وحده الذي لا يتبدَّل ولا يتغير. "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد." (عبرانيين 8:13) حتى ولو شعرنا بالوحدة أو العزلة أو بالفشل والإحباط، فإننا لسنا وحيدين. لأنه هو معنا.
فهل تفصحُ عن مكنونات قلبك؟ وهل تبوح بأفكارك ومشاعرك؟ وهل تخط ُّ بيَراعك على القرطاس ما تحمله في قلبك من أحاسيس دفينة؟ وهل تتَّجه بعدها إليه تعالى لتبّثه شؤونك وشجونك؟ ومهما كانت؟ لأنه وحده لا شيء يستحيل عليه! وهو الوحيد الذي يمنحك الرجاء والأمل من جديد. ولن يعود الألمُ دفينًا عند ذاك بل مُعلَمًا لدى خالقك وصانعك وهو وحده الذي يستجيب لدعاك.

المجموعة: أيار (مايو) 2019

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

387 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10628610