Voice of Preaching the Gospel

vopg

إن الكتاب المقدس هو سجلّ الله التاريخي لعلاقته بالخليقة ولا سيما الإنسان.‏ فالله منذ الأزل بل من قبل تأسيس العالم ألّف هذا السجلّ، وخطط له،

ورسم تصاميمه لكي ينفّذه ويتمّمه وِفقًا لإرادته ونظامه الذي لا يخطئ. لهذا نرى الآية الأولى الواردة في مطلع سفر التكوين تبدأ بهذه العبارة: "في البدء خلق الله السماوات والأرض،" ولم تُستَهلّ بمبدأٍ فلسفي، أو بمنطقٍ عقلاني، لأن وجودَ الله أمرٌ بديهيٌّ، وعملية الخلق في نظامها البديع تولّدت عن هذه البداهة الإلهية لأن الله بطبيعته مبدعٌ وفنّان، ومتسلّط على كلّ ما يصدر عنه من خلقٍ ووجودٍ وتكوين.
ولا ريب أنّ خلقَ الإنسان كان قمّةَ إبداعه لأنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بما خطّط له في سجلّه الأبدي، ومن أبرز ما يعلنه الكتاب المقدس من تفاصيل هذا السجل هو ولادة المسيح المعجزية وما لها من انعكاسات إيجابية على الجنس البشري. لهذا، فعندما أقدم الله على خلق الإنسان صوّره وفقًا لمثالٍ معيّن هو "صورة الله ومثاله" تمييزًا له عن سائر المخلوقات ومن جملتها الملائكة. فصورة الله في الإنسان، هي في أساسها ملكٌ لله وحده، ولا يحقّ لسواه أن يشوّهها. هذه الحقيقة بذاتها كانت من أهم الحوافز التي دفعت الآب السماوي أن يرسل ابنه الأوحد إلى هذا العالم لكي يستردّ صفاء تلك الصورة التي تلوّثت بخطيئة الإنسان وتمرّده. وفي الوقت عينه كان تعبيرًا فذًّا عن عمق محبّة الله ورحمته على هذا المخلوق الذي فقد تلك العلاقة الحميمة التي كانت له مع بارئه، وإنقاذًا له أيضًا من مصير أبديّ رهيب.
لهذا، كان مجيء المسيح إلى العالم في تجسّده يستهدف خلاص الإنسان الساقط المصفَّد بأغلال الخطيئة والذي أصبح عبدًا أسيرًا للشيطان، ليحرّرَه ويردَّ له مكانته الأولى بفعل الفداء.
غير أن التضحيات المبذولة في تحقيق هذا الفداء هي تضحيات لا نظير لها في تاريخ الجنس البشري إذ كان على المسيح أن يتخلّى أوَّلاً عن أمجاده، ويتجسَّد "آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس." وهذه وحدها تضحية لا تُثمَّن - أكان في وسع الله أن يعفو عن الإنسان ويصفح عن إثمه وعصيانه من غير عملية الفداء - لا شك في ذلك، ولكنه لو أقدم على القيام بهذه الخطوة لناقضَ أحد أهمّ جوهرٍ من جواهر ذاته وهو العدل الإلهي. والله لا يناقض نفسه. ولكن، من هو الذي يتمتّع بالجدارة التي ترضي عدل الله وتحظى برضاه؟ في الواقع، لم يكن في طوق أحدٍ من البشر أو الملائكة أن ينجز هذا العمل التاريخي؟ كلا، "لأن الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله." أمّا المسيح فهو وحده البار الكامل الذي كان في استطاعته أن يتمّم عمل الخلاص الكوني. أكان الله عالمًا أنه سيأتي ذلك اليوم الرهيب الذي يضحّي بابنه ليكون فدية عن كثيرين؟ أكان هذا الحدث مدوّنًا في سجلّه التاريخي الذي أعدّه الله حتى قبل خلق هذا الوجود؟ بالتأكيد. وقد أكمل المسيح، ذلك الذي "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيءٌ مما كان." بصورة هزّت أركان السماء والأرض. فعمت البهجة الذين قبلوه، وتوافر الخلاص المجاني لكل من شرّع أبواب قلبه لسكناه. هذا ما يعلمه الكتاب المقدس ببيان بليغ، بل هو حق ثابت لا يشوبه الضلال أو الخداع. هو حقيقة أبدية خطّط الله لها، ويرتهن بها مصير الإنسان.
غير أن تجسُّد المسيح وفداءه رافقته مواعيد جمّة مدهشة لا يمكن أن يتعهد بها أي مخلوق بشري مهما عظم شأنه، واتسع نفوذه وامتدّ به العمر. وفي هذا المقال سأقتصر على ثلاثة مواعيد أسفر عنها ميلاد المسيح وفداؤه:

أولاً، بالإيمان بالمسيح وإدراك معنى تجسده وفدائه وقبولهما بقلبٍ مخلص يصبح قلب المؤمن موطناً لملكوت الله.
ورد في إنجيل مرقس الآية التالية: "قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ الملكوت."
فكيف يمكن للإنسان، أيّ إنسانٍ، أن يعرف سرّ ملكوت الله، إن لم يكن ملكوت الله قد "استوطن" في كل كيانه؟ بل إننا نقرأ في إنجيل لوقا 10:8 عبارة "أسرار ملكوت الله" لأنها لا تُحَدُّ ولا تُستقصى. وأكثر من ذلك، يعلن لنا لوقا البشير أيضًا بوحيٍ من الروح القدس: "لأن ها ملكوت الله داخلكم." (21:17)
وعندما يكون ملكوت الله في قلوبنا أو دواخلنا، فما هي الأسرار والأمجاد التي نعرفها؟
بكل بساطة هي أثمار الروح على الأرض، وكل ما ينتظرنا في السماء عندما نعود إلى موطننا السماوي. وما على المؤمن إلا الرجوع إلى سفر الرؤيا ليقرأ عن قبسات من هذه الأسرار التي لا يُعبّر عنها.

ثانياً، يصبح قلب المؤمن مسكناً أو هيكلاً للروح القدس
إن سكنى الروح القدس في قلب المؤمن هو حقيقة يتعذّر إنكارها لأنها ترتبط بحياة المؤمن وتصرفاته وأسلوب حياته في هذا العالم الذي نعيش فيه. فهو المرشد، والموبّخ على خطيئة، والمعزّي، والمقوّي، والمقدّس، وغيرها من خصائص النموّ المسيحي وجوهرها لأن حياتنا تصبح شاهدًا حيًّا على عمله فينا، وإليك بعض هذه الآيات التي يؤكد فيها الوحي الإلهي على فاعلية عمل الروح القدس في قلوب المؤمنين؛ جاء في رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 14:1 "احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا." وكذلك في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 16:3 "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟"
وأيضًا في الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس يقول: "فإنكم أنتم هيكل الله الحي، كما قال الله: [إني سأسكن فيهم وأسير بينهم، وأكون لهم إلهًا، وهم يكونون لي شعبًا.]"
إن الروح القدس الساكن فينا ما برح يعمل في المؤمن الفرد، والمجتمع المسيحي، والكنيسة، ولن يتوقّف لحظة واحدة حتى يجيء المسيح مرة ثانية لكي نملك معه إلى أبد الآبدين.

ثالثًا، يصبح المسيح رفيقنا الدائم في درب الحياة
إن المسيح في صعوده إلى السماء، لم يتخلَّ عن المؤمنين، ففضلاً عن إرسال الروح القدس فقد أخذ على نفسه عهدًا أن يكون ملازمًا لنا في الضيقات، والصعوبات، بل في كل أطوار حياتنا وظروفنا المتقلّبة. فهو عالم بكلِّ ما يتعرّض له المؤمن من مشكلات واضطهادات، واستشهاد، بل بكل ما تواجهه الكنيسة على مرّ العصور... ولكنها ستبقى منتصرة، مهما هاجمتها قوات الشر على مختلف أنواعها، لأن حضوره الإلهي في حياة الكنيسة قد أعرب عنه بقوله: "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها." ومعنى ذلك أن جميع القوى المعادية لن تحرز أي نصرٍ على الكنيسة المتجنّدة تحت لواء المسيح. ولعلّ أروع وعدٍ في هذا الصدد: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر." فهو معنا في هذه الحياة في أفراحنا وأتراحنا، بل إن محبته الغامرة التي جعلته أن يتجسّد لفداء الإنسان ما فتئت ثابتة، فها هو يقول في سفر الرؤيا، وبعد صعوده إلى السماء: "هنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشّى معه وهو معي." (رؤيا 20:3)
والمطّلع على الكتاب المقدس، ولا سيما سفر أعمال الرسل، يجد تحقيق هذا الوعد بصورة فعّالة في حياة بطرس ويوحنا، وبولس وسيلا الذين أُلقوا في غياهب السجون، ولكن في دجى الليل الحالك جاء ملاك الرب وفكّ قيودهم وأطلق سراحهم ليخرجوا إلى العالم ويكرزوا للخليقة كلها. فوعود المسيح كلها صادقة وأمينة، لم يُخلف بها قطّ، ولم يتهرّب منها. إنها كلها مدونة في سجله التاريخي الأبدي. وهو يدرك أيضًا قسوة التجارب التي نمرّ بها، وما نعانيه في عالمٍ ما برح الشيطان يعمل فيه. فقد تجرّب المسيح نفسه بكل صنوف تجاربنا، واستوعبها، وأدرك مراميها، وكما هو انتصر عليها وَعَدَ أيضًا أن يُنصرنا عليها.
وهكذا، لو لم يتجسّد المسيح ويعيش في عالمنا الموبوء، لوجدنا أنفسنا موغلين في ظلمات هذا الدهر، ومصيرنا الأبدي محتم في الجحيم. ولكنه بمولده، وصلبه، وقيامته، وغلبته على شوكة الموت، ورعب الهاوية، قد أصبح في مقدور كل مؤمن أن يغلب معه، ويتمتّع بجميع الامتيازات التي أعدّها الله لكلِّ مفدٍ بدم ابنه، وهي امتيازات بَصَمَتْ عليها يد الله في سجلّه ولا ناقض لها، فهل أنت اسمك مكتوب في سفر الحياة؟

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2019

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

59 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10625944