Voice of Preaching the Gospel

vopg

القس بسام بنورةتمرّ الأيام، جيل يمضي وجيل يجيء، ومع هذا تبقى قصة ميلاد الرّب يسوع المسيح، أقدس وأعظم وأجمل قصة في التّاريخ: فهي قصة افتقاد السّماء للأرض.

قصة المحبّة الأبديّة والسامية التي تملأ قلب الله نحو جنسنا البشري. إنها قصة تجسّد الله ومجيئه إلى عالمنا في شخص طفل المذود: ربّنا ومخلصنا الوحيد يسوع المسيح. فمهما طال الزمان، ومع بداية الألفيّة الثّالثة للميلاد، فإن قصة ولادة الرّب يسوع - له المجد - من القدّيسة المباركة والمطوّبة مريم العذراء، كانت وستبقى أكثر قصّة روعةً وإشراقًا في مسيرة الحياة. فـنور الميلاد ما يزال ساطعًا، بل يزداد تألّقًا في عالمٍ يسقط يوميًّا في مستنقع الرذيلة والفساد.
وفي هذه الأيام التي نحتفل فيها بعيد الميلاد المجيد، عيد ميلاد الرّب يسوع المسيح له المجد، يجدر بنا أن نتوقّف لنعطي صاحب العيد كل الشكر والتسبيح والمجد الذي يستحقّه. كذلك يجدر بنا أن نتأمل في قصة الميلاد من خلال النظر في إجاباتٍ لسبعة أسئلة رئيسيّة تتعلق بهذا الحدث الجليل، وهذه الأسئلة هي: من؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟ ولمن؟ وماذا؟

أولًا: من هو المولود؟
أظهر الملاك هويّة طفل المذود وحقيقته عندما أعلن خبر الميلاد للرّعاة حين قال لهم إنّ المولود هو المخلّص والمسيح والرّبّ (لوقا 11:2). كذلك قال الملاك للقدّيس يوسف إنّ الطفل هو [عمّانوئيل] الّذي تنبّأ عنه النّبي إشعياء (إشعياء 14:7)، أي إنّه [الله معنا] (متى 23:1). فالمسيح هو الله الذي جاء من السّماء ليكون معنا، ويخلّصنا، ويكون الرّبّ والسيِّد على حياتنا، إذا قبلناه بالإيمان في قلوبنا وحياتنا.
نقرأ في سفر إشعياء النبي 6:9 "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلَهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السّلام." نجد هنا خمسة أسماء عظيمة للمسيح: فهو عجيب، ومشير، وأيضًا الله القدير، وأب الأبديّة، ورئيس السّلام. وهذه جميعها أسماء الله بالذّات. كذلك نقرأ في يوحنّا 1:1 "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ." ويضيف في عدد 14 "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا". أي إنّ المسيح هو الله الأزلي الّذي تجسّد بصورة إنسان.
حقًّا إنك يا طفل المغارة هو الله الأزلي القدير مع الآب والرّوح القدس. فأنت هو الخالق (كولوسي 15:1-16)، ومعلن الحق (إشعياء 1:42)، والأزلي (ميخا 2:5)، والحاضر في كلّ مكان (متى 20:18)، والعليم، (يوحنّا 17:21)، وربّ الحياة والموت (أعمال 59:7)، وديّان العالم (أعمال 42:10).
هذا هو طفل المغارة، إلهنا القدير، يأتي متواضعًا إلى عالمنا. يأتي مجسِّدًا لمحبّة الله، وداعيًا النّاس جميعًا إلى التّوبة وإلى حياة القداسة والتّقوى ومخافة الله.

ثانيًا: لماذا وُلد المسيح؟
يقدّم لنا الله في الإنجيل المقدس إجابات عديدة عن سبب مجيء المسيح إلى عالمنا، ومن هذه الإجابات:
1. جاء المسيح إلى العالم ليتمِّم الفداء والخلاص وذلك بالتكفير عن خطايا الجنس البشري بدمه الكريم الذي سفكه على الصّليب. نقرأ في 1تيموثاوس 15:1 "صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا." كذلك نقرأ في سفر النّبي إشعياء 4:53-6 أن المسيح "مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا... وَالرّب وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا."
2. جاء المسيح ليعطي الإعلان الكامل والنهائي والشّامل عن الله. أي أن من يريد أن يعرف الله وإرادته، فعليه أن يأتي إلى المسيح (راجع عبرانيّين 1:1-2 ويوحنا 9:14).
3. جاء المسيح ليكمِّل ناموس الله ويتمِّم النبوّات (راجع متّى 17:5). فعندما ندرس سيرة المسيح، نجد أن كلّ ما عمله كان لكي تتمّ أقوال الله على ألسنة أنبيائه في العهد القديم.
وُلد المسيح إنسانًا كاملًا في مذود بيت لحم، وفي ميلاده ظهرت محبّة الله. فهو المحبّة المتجسِّدة. وقد ظهرت أعظم صور المحبّة في الصّليب، عندما تمّم المسيح مطالب عدالة الله ومات بدلًا عنا. فالمسيح وُلد ليموت من أجلنا ليعطينا حياة، وحياة أفضل (يوحنا 10:10).

ثالثًا: كيف وُلد المسيح؟
وُلد الرّب يسوع من القديسة المباركة مريم العذراء، وهذه الحقيقة المجيدة تعتبر واحدة من أقدس معجزات وعجائب الله. نقرأ في إشعياء 14:7 قول الله "وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ." وهناك مراجع أخرى في الكتاب المقدس تؤكد على حقيقة الحبل العُذري (متى 18:1-25). لقد حبلت القديسة مريم بالطفل يسوع وهي عذراء، أي بدون زرع بشري بل بقوّة الروح القدس الفائقة للطبيعة. وهذه الحقيقة الكتابية هي ركن من أركان العقيدة المسيحية الرّاسخة.
تذكّرنا حقيقة الحبل العُذري أن المسيح هو الله الأزلي الذي وُلد بلا خطية، وبالتالي فهو إنسان فريد في تجسّده ومولده. فالحبل العُذري دليل قويّ على سلطان الله على قوانين الطّبيعة. كذلك فإن الحبل العُذري دليل على عمل الروح القدس في حياة القديسة مريم العذراء، حيث أن الله اختارها من بين نساء العالم أجمع ليتمِّم من خلالها ولادة المخلص. كذلك فالحبل العُذري يذكّرنا أن الخلاص هو عمل فائق للطبيعة ولا يتمّ بالجهود البشريّة بل بمبادرة السّماء. فالخلاص نعمة وعطية من الله. فالله القدوس قادر أن يعطي ولادة روحية جديدة للخطاة.

رابعًا: متى وُلد المسيح؟
نقرأ في غلاطية 4:4-5 "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النّاموس، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النّاموس، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ." نجد هنا أن الرّب يسوع وُلد في "ملءِ الزّمان" أي في الوقت المحدّد والمعيّن والمرتّب من الله: فقد وُلد المسيح في زمن الله، في زمن انتشار ما سُمِّي أيامها بسلام روماPax Romana حين ساد نفوذ قياصرة روما على العالم القديم، وربطت الطّرق بين أجزاء الإمبراطوريّة الرّومانيّة. وسادت اللّغة اليونانيّة كلغة الفلسفة والدّين والتّعامل اليومي، بحيث كان الوقت مناسبًا جدًا لانتشار الإنجيل. كذلك وُلد المسيح في زمن ازدادت فيه مظاهر الانحطاط والفساد والشّرّ والخطيّة، إلى جانب مظاهر التّديّن الزائف. أيضًا وُلد المسيح في وقت التهبت فيه المشاعر وتأجّجت العواطف شوقًا لمجيء المسيح المنتظر.
وُلد المسيح في أيّام أعظم أباطرة روما، وهو أغسطس قيصر (لوقا 1:2)، وعندما كان الوالي الرّوماني كيرينيوس يدير شؤون سوريا الكبرى (لوقا 2:2)، وفي نفس الوقت كان هيرودس الكبير ملكًا على فلسطين، ولكن تحت سلطة روما. لقد هيّأ الله الظروف المناسبة لولادة الرّب يسوع، وجاء يوحنا المعمدان ليعدّ الطّريق (لوقا 76:1) داعيًا النّاس إلى الاستعداد لميلاد المسيح، مخلّص العالم.

أسئلة بشريّة وإجابات سماويّة
أعلن نبي الله ميخا في القرن الثامن قبل الميلاد أن المسيح سيولد في مدينة بيت لحم، حيث نقرأ: "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ... فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ." (ميخا 2:5) وهي نفس المدينة التي وُلد فيها الملك والنبي داود (1صموئيل 1:16-13) وفعلًا تمّت النبوّة، ووُلد الرّب يسوع في بيت لحم (متى 1:2-6، لوقا 4:2، 15)، أي وسط الشّعب القديم الذي كان يعرف كلمة الله والنبوّات وينتظر ولادة المسّيا المنتظر.
لقد اختار الرّب يسوع في تجسّده وولادته أن يقدِّم لنا أجمل وأرقّ صورة من صور التواضع والوداعة، إذ اختار بيت لحم التي كانت في أيامه أصغر مدن فلسطين. كذلك عند ولادته وضعته أمّه القديسة مريم العذراء في مذود، أي إن الرّبّ وُلد في مغارة أو إسطبل للحيوانات وليس في قصرٍ أو بناية فخمة، وهذه صورة مثالية لمنتهى التواضع والبساطة، بحيث أن خالق كل الكون وصاحبه يولد في مكان بسيط للغاية ليكون لنا أفضل مثالٍ على الإطلاق.

سادسًا: لمن أُعْلِنت بشارة الميلاد؟
اختار الله بحكمته الفائقة أن يعلن خبر الميلاد لجماعتين مختلفتين من النّاس وهم:
1. الرُّعاة: كان النّاس يعتبرون الرعاة جماعة محتقرة ومنبوذة ونجسة بحسب الطقوس الدينية التي كانت شائعة في أيام ولادة المسيح. فقد كانوا فقراء يعيشون على هامش المجتمع. أما نظرة الله فكانت ولا تزال تختلف عن موازين البشر، فقد اعتبرهم الله جديرين بالبشارة، بحيث كانوا أول من سمع نشيد الميلاد الملائكي الرائع: "الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السّلام وَبِالنّاس الْمَسَرَّةُ." (لوقا 14:2) يجب أن نلاحظ هنا أن الرعاة كانوا أيضًا من شعب الله القديم الذي انتظر مجيء المسيح، وهم يمثّلون كلَّ إنسان استقبل ميلاد الرّب يسوع بفرحٍ وقام بنشر الخبر بين النّاس.
2. المجوس: أَشار النبي دانيآل في العهد القديم إلى المجوس باعتبارهم جماعة العلماء والمنجِّمين الذين كانوا من ضمن حاشية ملوك بابل (دانيآل 20:1؛ 2:2؛ 7:4؛ 7:5)، حيث اهتم المجوس بدراسات الفلك والنجوم وكتب النبوّات. وعند ولادة الطفل يسوع، أظهر الله لجماعة من مجوس المشرق نجمًا فهموا منه أن المسيح الملك قد وُلد (متى 1:2-12). أي أن الله اختار أيضًا جماعة من الأثرياء الوثنيين ليخبرهم بولادة الطفل يسوع.
يحب الله جميع النّاس، لذلك جاء المسيح لخلاص الجميع بدون تمييز. ومنذ لحظة ولادته أعلن الله الخبر لشعبه القديم مُمَثَّلًا بالرعاة، وللأمم الوثنية البعيدة عن الله، مُمَثَّلةً بالمجوس. كذلك جاء المسيح لخلاص الفقراء والأغنياء، فالجميع بحاجة إلى الخلاص.

سابعًا: ماذا كانت ردود الفعل عند ولادة الرّب يسوع؟
جاء الرعاة مسرعين لرؤية طفل المذود. ويخبرنا الإنجيل المقدس أنهم لما "رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هَذَا الصَّبِيِّ." (لوقا 17:2) كان الرعاة أوَّل المبشرين في التّاريخ. كذلك مجوس المشرق فرحوا فرحًا عظيمًا "وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ وَرَأَوُا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا." (متى 11:2) فالمجوس سجدوا لطفل المذود وقدّموا له هدايا ثمينة جدًّا.
أما هيرودس الملك فقد اضطرب، وامتلأ خوفًا وغضبًا، لذلك تآمر بسبب شروره وأنانيته على قتل الطفل يسوع (متى 3:2، 16).
واليوم إذ نحتفل بهذه الذكرى المجيدة، كيف ستكون ردّة فعلنا؟ هل نستقبل الطفل المولود ونعطيه مكانته الحقيقية بصفته مخلّصًا وربًّا وسيِّدًا على حياتنا؟ هل نسجد له ونعبده ونقدِّم له حياتنا كأغلى هدية؟ هل نبشِّر باسمه مثل الرعاة القدماء؟ أم نرفضه بسبب خطايانا وفسادنا مثل هيرودس؟!
يريد الرّب يسوع، صاحب الميلاد، أن يولد اليوم في قلوبنا، فهل نقول له: آمين، تعال أيُّها الرّب يسوع؟

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2019

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

246 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10627736