Voice of Preaching the Gospel

vopg

تحدوني رغبة في هذا المساء أن أقف على قمة جبل عالٍ وأهتف بصوت يتردد في كل أرجاء الأرض:

إن يوم الحساب بات قريبًا، فتوبوا قبل فوات الأوان. لم تتولد هذه الرغبة عن فراغ، ولا هي صادرة عن هوس أو نزوة طارئةٍ خامرت نفسي، كما أنها ليست نتيجة لشعور بالسأم، إنما هي رغبة تأججت في صدري كما يتأجج بركان في أعماق جبل بعد أن لمست بصورة صارخة موقف اللامبالاة الذي يطغى على العالم اليوم الذي أضحى مستعبدًا للمادة، وللأنانية، وللمطامع الفردية.
ولست أقول هذا اعتباطًا، فإن جولاتي في عدد من البلدان في مشارق الأرض ومغاربها، وأحاديثي المتعددة مع فئات شتى من أبناء المجتمعات المختلفة فتحت عيني على هذه الحقيقة الرهيبة، التي هي في اعتباري، أخطر ما يمكن أن يتعرض له الإنسان ولا سيما في الحقل الروحي.
في رحلتي إلى شمال أفريقيا التقيت بشاب مفعم بالحيوية والنشاط تخرّج من الجامعة منذ سنتين، وخاض معركة الحياة العملية واضعًا نصب عينيه أن يرتقي سلم النجاح في أقصر وقت ممكن. وصرّح لي أن همه من دنياه أن يوفر لنفسه كل أسباب الرفاهية والراحة لأن ذلك من حقه، فقد كافح كثيرًا حتى نال إجازاته الجامعية، وحرم نفسه من مباهج الدنيا في ارتقاب تلك اللحظة الرائعة التي يغادر فيها أروقة الجامعة متسلحًا بتلك الشهادات التي، لا ريب، ستفتح له، أبواب المجد. والواقع أن أمله لم يخب، فقد استطاع أن يلتحق بإحدى كبريات الشركات في مدينته، وتعرّف، من ثمّ، على ابنة مدير الشركة التي حظي بإعجابها، وما لبثا أن تزوجا مما فتح أمامه كل باب مغلق في حقل الترقيات، ووجد نفسه، من ثمّ في مركز معاونٍ لنائب رئيس الشركة. وبعد أن أنهى حديثه سألته:
- وماذا تريد بعد ذلك؟
أجابني:
- المجال مفتوح أمامي، وما زال هناك متسع للترقية فإنني سأسعى للحصول عليها.
- وماذا بعد هذا؟
- ماذا تقصد؟
قلت له:
- لنفرض جدلًا أنك قد حصلت على كل ما تتوق إليه نفسك من هذه الدنيا فماذا بعد ذلك؟
حدّق إليَّ مليًّا وكأن غشاوة كثيفة أخذت تنقشع شيئًا فشيئًا عن عينيه، وغمغم:
- وماذا بعد ذلك؟ وماذا بعد ذلك؟ لا أدري، إنما…
فقاطعته قائلًا:
- ماذا يحدث لك لو واجهت الموت بعد ذلك؟
تسرَّب إلى محيّاه بعض الشحوب، وتمتم:
- الموت! إنني لا أفكّر بالموت.
- لماذا؟ أليس الموت جزءٌ لا يتجزأ من طبيعة الحياة؟ هل يمكنك أن تتهرّب منه؟
- ولكنني لا أسعى إليه.
- هذا صحيح، إنما هو يسعى إليك ولا مهرب لك منه.
غرق في صمت عميق، ثم تساءل:
- ماذا تستهدف من كل هذا الحديث؟
- يا صديقي، إنّ كل ما تسعى إليه في هذه الحياة من تقدُّمٍ، وترفٍ، وغنى، وجاه أمور يطمع فيها كل إنسان. وقد تتحقق لبعض الناس بطرق شرعية سليمة، كما إنها قد تتحقق للبعض الآخر بوسائل غير شرعية، وفي كلا الحالين عندما تصبح هذه الأمور هي الهدف والغاية في حياة الإنسان فإنها تغشّي ذهنه وقلبه عن الحقائق الأبدية الباقية.. قل لي يا صديقي أيّ شيءٍ يمكنك أن تأخذه معك إلى العالم الآخر؟ المال؟ الجاه؟ الرفاهية؟ وما قيمة كل ما سعيت من أجل الحظوة به في هذا العالم؟!
ولأول مرة شعرت بصوته يضطرب وهو يقول لي متحدِّيًا:
- هل معنى كلامك أن أنزع نحو الكسل فلا أجاهد في سبيل عيش أفضل؟
ابتسمت وقلت له:
- لا يا صديقي، إنني أُكبر فيك نشاطك واجتهادك ولكن أن تجعل جنون الحياة المادية هو الغاية الوحيدة لوجودك على الأرض وتنسى الحياة الأبدية بكل ما فيها من نتائج لا سيطرة لك عليها، فأمر خطير جدًا. ماذا يكون موقفك في يوم الحساب عندما تقف وجهًا لوجه أمام الله خالقك؟
فجأة نهض من مكانه بشيء من العنف وكأنه لا يريد أن يسمع حديثي وأجاب:
- عندما يحين الوقت أفكر بأمور آخرتي، أما الآن فإنني لا أفكر إلّا بأمور دنياي. ثم حيّاني وفارقني بخطى سريعة وكأنه يهرب من خطر يطارده.
بقيت في مكاني أتأمل في موقف هذا الشاب وساءلت نفسي:
هل يدري هذا الشاب متى يموت؟ وأيّ كارثة ستحلّ به؟ كيف يمكنه أن يضمن لنفسه البقاء حيًّا إلى عمر يتاح له فيه أن يجد الفرصة للتأمل في حياته الروحية واتخاذ قرار مصيريّ كهذا؟ ألا يطالع هذا الشاب الصحف ويقرأ في عمود الوفيات عن الذين اختطفهم الموت وهم في شرخ الشباب؟ لماذا يغفل الناس عن التفكير في مصيرهم الأبدي؟ لماذا لا تعتريهم الرهبة من القضاء الإلهي في يوم الحساب؟ لماذا كل هذه اللامبالاة؟
إن موقف هذا الشاب هو صورة حية عما يحدث اليوم في العالم، فالمادية قد استبدّت بجميع مرافئ حياتنا، وكبّلتنا بأغلالها الرهيبة؛ مباهج الدنيا ومسرّاتنا البوهيمية قد خدَّرت قلوبنا وعقولنا فاستسلمنا لها وفقدنا كل رغبة في أمور الأبدية. سعى الإنسان لكي يحجب عن قلبه الحقّ الإلهي وكأن الله لم يعد موجودًا.
في هذا المساء دارت جميع هذه الخواطر في رأسي، وتلاحقت المشاهد والصور في عينيّ، فأحسست بتلك الرغبة العنيفة تتوهج في صدري لأطلق تلك الصرخة الداوية لعلني أوقظ بعضًا من الغارقين في سبات اللامبالاة. ولكنني وقفت أمام خواء رهيب لأنَّ الحياة المادية أصبحت مهيمنة على عقلية الإنسان الذي غلَّفها بحجاب كثيف من العتمة وغدت أنظاره مغلقة في ظلمات المسارب الأرضية. لقد تجسد ابن الله لفداء المخلوق الذي أهلكته الخطيئة، وتحمَّل في جسده المنهوك عقاب فجور أثام البشرية ليهبها حياة أبدية مع المسيح.
إني أقول هذا لأن في صدري يختلج حب كبير، مصدره محبة المسيح التي لا توصف، لخلاص النفوس الضائعة.
ألا من موقظٍ يضمّ صوته إلى صوتي؟

المجموعة: آب (أغسطس) 2020

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

86 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10623806