Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور جون حدادفي هذا العالم، كما ذكرنا آنفًا، قد نكون جميعُنا في صحَّةٍ كامِلة، حيثُ لا ألم أو مرَض على الإطلاق. هذه الحالة المثاليّة تشبهُ تلك الكاملة في السَّماء حيث لا دموع ولا أحزان ولا أمراض.

حتى الموت، ألا وهو النتيجة الحتميَّة للمرض والخطيئة، لن يكون هناك فيما بعد. لكن في العالم الحاضر غير المكتمل أخلاقيًا ومعنويًا وجسديًا يوجد المرض والموت، لكنّ الله في حكمته الأزليّة في الخَلق والإبداع وضع عددًا من الأُطر التي تُؤمِّن الشِّفاء والعلاج الجسديّ والحماية من الأمراض ومن بينها دورٌ محوري للجهاز المناعي.
عندما خلق الله هذا العالم خلقه حسنًا وكاملاً بدون مرضٍ أو موت (تكوين 1)، فلماذا إذا ضرورة وجود الجهاز المناعي داخل جسم الإنسان والذي يمتلك إمكانية محاربة الأمراض التي قد تؤدّي إلى الموت؟ يعتقد الكثير من المثقّفين المسيحيين والعلماء على حدٍّ سواء أن أصول تطوّر الجهاز المناعي إنما تعود إلى أمورٍ ثلاثة:

أولاً: إن تطوّر الجهاز المناعي إنما يعود إلى فترة ما بعد السقوط – عنيتُ به سقوط الإنسان في الخطيئة. وبما أن هذا الجهاز معقّدٌ بحدِّ ذاته، فمن الصعب بمكان معرفة الحيثية والكيفية التي تطوّر بهما طبيعيًا وبيولوجيًا.

ثانيًا: إن الله بقدرته العجيبة خلق الجهاز المناعي في جسم الإنسان كما في أجسام الخلائق الحيوانية الأخرى بعد السقوط. وبما أن هذه الفرضية قد تكون ممكنة، إلا أن عملية الخَلق كما يُعلّم سفر التكوين كانت قد خُتمت في اليوم السادس وبالتالي فإنّ خلْق أنظمة جديدة ليس واردًا وإن كان ممكنًا بنظر الله الذي استراح من أتعابه في اليوم السابع.

ثالثًا: بما أن السقوط هو في عِلم الله السابق، فلربما خلق الله الجهاز المناعي البدائي ليتطوّر بعد السقوط إلى ما نعرف عنه بالعِلم الحديث في الإنسان المعاصر. وإذا اجتمعت هذه العناصر في تكوين الجهاز المناعي، فلا بدّ أن يد الله الخالق لها التدبير في القصد والحكمة وذلك للمحافظة على الحياة من الأمراض والموت.
لأولئك الذين يؤمنون بالخَلق، لا بدّ من وجود تفسيراتٍ كتابية متّزنة تتّفق مع الفكر العلمي الحديث ولا تتعارض مع المبادئ الإلهية في التكوين. إنّ أحد أهّم الأسئلة المطروحة حاليًا هو التالي: هل يلعب الجهاز المناعي دورًا فيزيولوجيًا ما يجعله غير منحصرٍ بالدّفاع فقط عن جسم الإنسان ضدّ الأمراض المنتشرة؟
أظهرت الدراسات العلمية أن الجهاز المناعي يُفكِّك الخلايا التي لم تعُد تؤدّي وظائفها على شكلٍ سليم في إشارة واضحة إلى ما يُعرف بالانتحار أو الموت الخلويّ – Cell Suicide/Death. فكلُّ خليةٍ أنهت وظيفتها البيولوجية ولم يعد بإمكانها الاستمرار بعملها بشكلٍ جيّد تُبرمج للدخول في إعادة التدوير الفيزيولوجية حيث أن مركّباتها يُعاد استخدامها في أماكن وأنسجة أخرى في الجسم، ولا شكّ أن الجهاز المناعي له الباع الطويل في تقدير وتنظيم هذه العمليات. إذًا نرى مما تقدّم أن هذا الجهاز ليس ضد الأمراض فحسب بل له وظائف فيزيولوجية أخرى هامّة أيضًا.
بعد تسليط الضوء على دور الجهاز المناعي الدّفاعي والفيزيولوجي، لا بدّ من الإشارة إلى عالم مميّز من الجراثيم أو الميكروبات المجهرية غير المؤذية. الجدير ذكره أن هذه الجراثيم ليست جميعها ضارّة كما يظن البعض. لقد تمكّن العلماء من رسم خارطة معقّدة لتوزيع أنواع الجراثيم المختلفة داخل جسم الإنسان في الفم، والمجاري الهوائية، والأمعاء، والجِلد، والتي لا تُسبّب الأذى على الإطلاق. فهذه الجراثيم متآلفة بشكلٍ رائع مع جسم الإنسان، فهي تؤدّي وظائف هامّة تساهم في حفظ الإنسان من الأمراض الفتّاكة التي تُسبّبها الجراثيم الضّارة. ومما يلفت النظر في الموضوع أن الجهاز المناعي لا يعتبر هذه الجراثيم خطرًا على جسم الإنسان بل يتآلف معها ولا يحاربها. إنما هذه الجراثيم "غير المؤذية" قد تتأثّر بنوعية الغذاء الذي يتناوله الإنسان وبفعالية الجهاز المناعي في حمايتها. فإذا تعرّضت خصائصها للانتهاك بسبب بعض الممارسات الفيزيولوجية، أصبحت هذه الجراثيم الجيدة عرضةً بدورها للفشل في أداء وظائفها مع الجهاز المناعي في الحماية والمقاومة البيولوجية.
لقد كان قضاء الله واضحًا وصريحًا عندما حدّد لأنواع الحياة كيفية الإكثار. يقول الكتاب المقدّس في سفر التكوين:
"وَبَارَكَهَا اللهُ قَائِلاً: أَثْمِرِي وَاكْثُرِي وَامْلإِي الْمِيَاهَ فِي الْبِحَارِ. وَلْيَكْثُرِ الطَّيْرُ عَلَى الأَرْضِ؛ وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ" (تكوين 22:1، 28)، مما شكّل عاملاً مؤثّرًا ساهم في الحفاظ على التوازن البيولوجي وتنوّعه. إن دور الجهاز المناعي الريادي في تنظيم عمل الجراثيم المفيدة وغير الضارّة إنما يدعونا لنُقدّر عِظَم عمل الله الخالق الكامل ويُظهر كيفية تعاون الأجهزة البيولوجية معًا في الحفاظ على صحّة الإنسان وحمايته من الأمراض المختلفة.
لا شكّ أن السقوط ساهم في العبث بهذا التوازن البيولوجي الرائع، لكن قدرة الله وسلطانه يتحكّمان بوظائف الجسم البشري ودور الجهاز المناعي بكلّ تشعّباته. فلماذا نُولي موضوع الصحَّة والطُّبّ ودور الجهاز المناعي أهميةً خاصَّة إلا للتأكيد على أنَّ الإنسان أُعطيَ نعمة التمتُّع بحياةٍ كامِلة خالية من الشوائب والأمراض تُمجِّد الله وتولِّد الراحة والطُمأنينة.

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2020

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

74 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10625271