Voice of Preaching the Gospel

vopg

بعد أكثر من مئة عامٍ على اختراع السيَّارة، لا تزال هذه الآلة تعمل على مصادر الطاقة المأخوذة من الفيول أو الديزل حيث تُسيَّر بواسطة ‏السوائل التي تجري داخل الأنابيب المصنَّعة.

هذا الإنجاز الهام قد لا يرقى بكلّ تقنياته إلى تعقيدات الجسم البشري ولا سيما ذلك القلب النابض ‏بالحياة والدماء التي يتم ضخُّها في كامل أنحاء الجسم بواسطة الشرايين – أو الأنابيب البيولوجية – لكي يعطيها الغذاء والحياة. يبدأ تكوين ‏القلب والشرايين والدورة الدمويّة خلال أسبوعين من بداية تكوين الجنين، وهذا يُساهم بمدِّ الجنين الصغير بالغذاء والحياة وهو ينمو مطمئنًا داخل ‏رحم الأم الفسيح. ‏

أثبتت الدراسات الحديثة أهمية الدَّم في بداية تكوين الإنسان وفي مراحل النمو المختلفة. فهذا السائل الغشائي يحمل بسلاسة رائعة ودقَّة ‏متناهية الأوكسجين والأغذية إلى خلايا الجسم المتنوعة وينقل منها النفايات السَّامة المتراكمة جرَّاء النشاطات الخلويّة المختلفة. وفي انسجام كامل ‏مع الاكتشاف العلمي الرائد هذا، يقول الكتاب المقدَّس عن هذا الأمر: "لَكِنِ احْتَرِزْ أَنْ لَا تَأْكُلَ الدَّمَ، لِأَنَّ الدَّمَ هُوَ النَّفْسُ. فَلَا تَأْكُلِ النَّفْسَ ‏مَعَ اللَّحْمِ." (تثنية 23:12)، ثم "لِأَنَّ نَفْسَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ، فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ، لِأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ ‏النَّفْسِ. (لاويين 11:17، 14). فإذا كان الدم يحمل بُعدًا مؤثِّرًا في الحياة واستمراريتها، فكيف يتمُّ إنتاج الدم وخلاياه الكثيرة؟ تبدأ رحلة الإنتاج مما ‏يُعرف بالخلايا الجذعيّة، حيث تبدأ بالانقسام التدريجي وإنتاج خلايا الدم المختلفة. هذه الخلايا بدورها تتأثّر بالبيئة الحاضنة وبإفرازات عدد من ‏الهرمونات فيستمرُّ إنتاجها وتدويرها حسب الحاجة الفيزيولوجية. لنأخذ مثالاً على ذلك إنتاج الكريّات الحُمر الناقلة للأكسجين والتي تتأثَّر ‏بكمية الأكسجين الموجودة في الهواء الذي يتنشّقه الإنسان. فكلما خفَّت كثافة الأوكسجين في الهواء، مثلاً في الجبال والأماكن المرتفعة نسبيًا، ‏زاد الطلب على الإنتاج وذلك للحفاظ على دورة الحياة في الدم لكي تستمرَّ بشكل طبيعي.‏

يُدهشني أنّ خلايا جسم الإنسان هي غالبًا ما تكون مُحاطة بشبكة من الشرايين المتصلة ببعضها البعض وبالأعضاء، مما يساهم في مدِّها ‏بالطاقة والغذاء. ومن هذه الخلايا، طبعًا، خلايا الدم الواهبة للحياة. الجدير ذكره أيضًا أنّ الأيض ‏Metabolic Activity‏ أو نشاط الخلايا ‏الفيزيولوجيّ ومن بينها الكريّات الحمر يعمل بشكل مستمر مما يُحتِّم تأمين الأكسجين والغذاء بشكل دائم. من أجل هذا السبب بالذات، فإن ‏خلايا الجسم البشري التي تُقدَّر بستين تريليونًا هي دائمًا محاطة بالشرايين. وكلما زاد نشاط الخلايا، كثر عدد الشرايين حولها لمدِّها بالطاقة ‏الضرورية لاستمرارية الحياة. صرخ المرنِّم في القديم متحدِّثًا عن عِظم أعمال الله قائلاً: "مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلْآنةٌ ‏الْأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ." (مزمور 24:104) ‏

منذ الأيام الأولى للتكوين – عنيت بتكوين جسم الإنسان – وحتى يوم مماته، نُدرك يقينًا أنّ الحياة هي في الدم. إنّ الكثير من العلماء ‏واللاهوتيين، على حدٍّ سواء، عندما أُذهلوا بدور الدم الجوهري في حياة الإنسان صرَّحوا واثقين أنه فعلاً ومن دون منازع نعمة الحياة التي لولاها لما ‏كانت ممكنة على الإطلاق. إن دم الإنسان الواهب للحياة هو نعمة إلهية وإنجاز معجزي يُذكِّرنا بشخص الربّ يسوع المسيح الشاهد الأمين – ‏له كل المجد – "وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الْأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الْأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الْأَرْضِ: الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ." (رؤيا ‏‏5:1) ‏

إن روعة الأداء الفيزيولوجي للدم الطبيعي وأبعاده في تأمين الحياة بأدقِّ تفاصيلها يشهدان عن قدرة الخالق الفائقة الوصف في تكوين جسم ‏الإنسان المتجانس والكامل. ويُشير أيضًا إلى دمِ المسيح الكفَّاري حيث يقول الكتاب: "بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلَا عَيْبٍ وَلَا دَنَسٍ، دَمِ ‏ٱلْمَسِيحِ." (1بطرس 19:1)، ذلك الدم الذي يستطيع أن يفتدي الإنسان من الخطية والآثام ويعطيه حياة أبدية مباركة – "إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ ‏أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ." (1يوحنا 9:1) إن روعة الخَلق وقوة الحياة في الدم يُعبِّران عن أسمى أعمال الله الذي أحبّنا ‏ووهبنا الحياة الأبدية في شخص المسيح المبارك وجعلنا ننتمي للكنيسة التي اقتناها بدمه (أعمال 28:20). 

ماذا يقول الكتاب المقدّس عن التبرُّع بالدم؟

يتكلّم الكتاب المقدّس بإسهابٍ لافت عن موضوع الدّم ودوره في حياة الإنسان وفي الممارسات الاجتماعية القديمة. من هذا المنطلق، هل ‏الأعداد التي وردت في العهد القديم (مثلاً في لاويين 10:17-14) والتي تتناول النهي عن أكل الدّم تعني أو تشمل أيضًا نقل الدّم من شخصٍ إلى ‏آخر! وأعني بنقل الدّم هذا التبرُّع لأغراضٍ طبية وإنسانية. إن ما يقوله الكتاب في هذا الشأن مهمٌّ جدًا كونه يحدّد الأطر السليمة والصحيّة للتبرُّع ‏بالدّم، والمعروف علميًا بمبدأ ‏Blood Transfusion‏.‏

غالبًا ما يعتقد الكثيرون أنّ القانون الكتابيّ بعدم تناول الدّم كغذاء تلقائيًا يعني عدم التبرُّع به أيضًا. إذا ألقينا نظرة على الأعداد التي تتناول ‏موضوع الدّم في الكتاب، نُدرك أن هذا لم يكن في قصد المشرّع آنذاك. فالوصية واضحة لجهة الامتناع عن الممارسات الوثنية للأمم الذين عاصروا ‏الشعب القديم والتي كانت تستخدم عبادة الأوثان والآلهة الغريبة.‏ ولما كانت بعضًا من هذه الممارسات مثل شُرب الدّم – دم الحيوانات – ‏بهدف حصول العابد الوثنيّ على قوةٍ جسمانية مادّية ما، أتى النهيُ الإلهيّ بالامتناع عن تناول الدّم.‏

نرى في إحدى التفسيرات الحديثة للكلمة الإلهية الواردة في سفر اللاّويين 10:17 أنّ وجه الربّ ضدّ أولئك الذين يمارسون هذا الفعل الوثنيّ، ‏مما يدلُّ على غضب الله المعلَن والأكيد (تكوين 4:9؛ مزمور 16:34؛ حزقيال 18:38؛ رؤيا 16:6). كانت العادات القديمة، ولا سيما القبلية منها، ‏مثل عبادة الأجرام السّماوية عند الوثنيين، تتضمّن ذبح الحيوانات وسفك دمها وأكل أجزاء من لحمها. فكان تناول الدّم خلال هذه الممارسات ‏يشير إلى الصداقة والأخوّة وعبادة الآلهة بهدف إرضائها. بالإضافة إلى هذه الأمور، كان يعتقد العابدون بأنَّ باستطاعة الدّم أن يمنحهم قوةً ‏خاصة جسدية وروحية فشكّلت جزءًا لا يتجزّأ من عقائدهم وممارساتهم. إن النهي الكتابيّ عن تناول الدّم يأتي إذًا في سياق الابتعاد عن هذه ‏الممارسات الوثنية التي لا تنسجم مع عبادة الله الحيّ الحقيقيّ (حزقيال 25:33-26؛ 1كورنثوس 15:10-22). ‏

جاء في سفر الأعمال 20:15 أيضًا أنّ مجمع أورشليم أمر بالامتناع عن نجاسات الأصنام، والزنا، والمخنوق، والدم‎.‎‏ فهذا العدد إذًا لا ‏يتكلّم عن عمليات نقل الدم ولكنه يتكلّم عن شرب الدم كعادةٍ وثنية كان الأمم يمارسونها، كما ذكرنا. فالموقف الذي فيه قيل هذا العدد هو ‏عندما ظهر بعض المتعصّبين المسيحيين من أصلٍ يهودي وطالبوا بأن المسيحيين من الأمم يجب أن يتهوّدوا فيختتنوا ويتبعوا الناموس اليهودي ‏وهذا أمر رفضته الكنيسة الأولى بإجماع الرسل والمشايخ بإرشاد الروح القدس. وبناءً عليه قرّر مجمع أورشليم بقيادة يعقوب وبحضور بطرس الرسول ‏وبولس الرسول والرسل والمشايخ أن يضعوا فقط ما هو المطلوب من المسيحيين من أصلٍ أممي وخاصة أهل غلاطية أن يمتنعوا عنه وهو ما يتعلّق ‏بنجاسات الأصنام (تكوين 4:9؛ لاويين 26:7؛ 10:17-11؛ تثنية 21:14). وهكذا نرى أن تعليم الكتاب المقدّس عن الامتناع عن هذه ‏الممارسات الوثنية – والتي لا شكّ أنها تحمل أبعادًا شيطانية – لا علاقة له لا من قريبٍ ولا من بعيد بمنطق وعِلم وأهمية التبرُّع بالدّم لأغراضٍ ‏إنسانية.‏

وبما أنّه لا يوجد تصريح كتابيّ واضح ومباشر لجهة التبرُّع بالدّم، فالأمر يعود إذًا لقرار الفرد الذي يُحدّده بُعده الاجتماعيّ والطبيّ والنفسيّ. إنه ‏لَحسَنٌ جدًا أن نمارسَ عاداتنا هذه بمسؤولية آخذين بعين الاعتبار البُعد الصحيّ والفائدة العامّة. إنّ أيّ ممارسةٍ تنبع من ضمير الفرد واستنسابيته ‏يجب أن تخضع بالأولى للفكر الإلهي وقصده للإنسان. وأيّ قرارٍ يتعلّق بالصحّة العامّة ينبغي أن يُمارَس بروح الصلاة وبتواضعٍ ناظرين إلى الربّ ‏شافينا، خاضعين للمشيئة الإلهية في مسح المرضى والضعفاء بمسحة الإيمان والرجاء (يعقوب 14:5-15).‏

المجموعة: أذار (مارس) 2020

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

250 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10632321