Voice of Preaching the Gospel

vopg

القداسة والمحبّة الأخويّة والكلمة النبويّة
تتمّة لمقال العدد السابق

2- المحبة الأخوية السماوية
إذن، بعد القداسة والطاعة والمسؤولية، ننتقل إلى المحبة الأخوية السماوية كما توصف في 1بطرس 22:1 "طهّروا نفوسكم في طاعة الحق بالروح للمحبة الأخوية العديمة الرياء، فأحبُّوا بعضُكم بعضًا من قلب طاهر بشدة."

فالله سكب محبته في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا. روح الله هو روح المحبة والقداسة: الآب والابن والروح القدس. وهو لا يسكبها إلَّا في قلوب طاهرة خالية من أيِّ شيء عدائي، ومجرَّدة من روح الخصام والعداوة. وإذا عدنا إلى الطبيعة نستطيع أن نعرف بالضبط ما هي مشكلة البشرية حولنا.
فهناك أمرٌ ما غير صحيح لا بل مهشّمٌ ومشتَّت حولنا. فلماذا كلَّما تقدَّم العالم بالعلم والحضارة والتكنولوجيا - وها هو قد وصل إلى المريخ - نجده يزداد شراسة؟! فليس هناك لأيِّ مخلوق على الأرض قوة تدميرية مثل الإنسان نفسه. وكلَّما تقدَّم تقنيًّا زادت معه أسلحةُ الدمار الشامل، وازدادت قدرتُه في الشذوذ والجنون الجنسي. أما في موضوع المحبّة فهو يتكلم هنا عن المحبة المضحِّية لأنَّه يحدّد نوعيتها: "تحبُّ الرب إلهكَ من كلِّ قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك، وقريبَك مثلَ نفسك." (لوقا 27:10) فمَن يقدر أن يحبَّ الله بهذه الطريقة سوى الذي انسكب فيه روح المسيح - روح المحبة والقداسة! وهكذا تختبر محبته عندما تختبر قداسته في حياتك. فتقول له: أبانا الذي في السماوات، ليتقدّس اسمك في حياتي. فهذه هي مشكلة العالم حولنا.
فمنذ عدة أشهر كان عيد المرأة العالمي والمرأة ما تزال حتى الآن مظلومة في العالم أولًا، وتعاني، ثانيَا، من التحرّش الجنسي وثم التعنيف. ويُقال بأنَّ أكثر من 50% من النساء في العالم إمَّا أنهنَّ تعرضْنَ للتعنيف أو للتحرّش الجنسي. وبحسب الإحصائيات مؤخرًا فإنَّ عدد النساء اللواتي تعرَّضن للتحرّش الجنسي فاقَ عدد اللائي عانيْنَ من التعنيف. إذن هناك مشكلة في العالم: الطبيعة العدائية والشهوانية. وهذه يقدر الله أن يغيّرها بعمل نعمته في "غسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس". وهنا يحثُّ الرسول بطرس على محبة بعضنا بعضًا من قلب طاهر بشدة. قال يسوع: "وصيةً جديدة أنا أعطيكم: أن تحبّوا بعضكم بعضًا. كما أحببتُكم أنا تحبون أنتم أيضًا بعضكم بعضًا. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كان لكم حبٌّ بعضًا لبعض." (يوحنا 34:13-35) نعم، عليك أن تحبَّ كل الناس، أن تغفر لكل الناس، حتى للَّذين يضطهدونك، أن تحترم كلَّ الناس لأنَّهم مخلوقونَ على صورة المسيح. ليس هذا فحسب بل أن تحبَّ الذين يختلفون عنك. يجب ألَّا يكون لديك تفرقةٌ عنصريَّة ولا جنسيّة ولا طبَقية لأيِّ شخص من دينٍ آخر أو من طائفةٍ أخرى لأن هذا مكروه لدى الله. والأهمّ من كلِّ هذا هو أن تحبَّ إخوتك الذين اختبروا الولادة الثانية؛ أن تحبّهم من قلب طاهر بشدّة كما يقول الرب "كما أنا أحببتكم".

أ- المحبّة المضحيّة التي لا تطلب ما لنفسها. فإذا كنت حقًا قد وُلدت ثانيةً من روح الله "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة." (1يوحنا 14:3) فمنَ المتوقَّع منك أن تحب َّإخوتك بقلب طاهر بشدة، أي بمحبة المسيح المضحِّية، أي أن تعطي بدلَ أن تأخذ، أن تتَّزر بمنشفة وتغسِل أرجُل إخوتك. أي أن تكون خادمًا لهم كسيِّدك. هذا هو مفهوم العضو في كنيسة المسيح، فهو ليس تابعًا لطائفة، بل للكنيسة التي هي جماعة المؤمنين وليس البناء. "بالمحبة اخدُموا بعضكم بعضًا." (غلاطية 13:5) لقد أسقطنا المستوى لدرجة كبيرة، وأصبح المؤمن فاترًا. حتى أن الله مزمعٌ أن يتقيَّأه من فمه. فنرى مثلًا أحد المؤمنين يأتي إلى الكنيسة ويعرض متطلّباته على الجماعة كأنه يقول: "اهتموا بي، أعطوني، دلّلوني..."
وأنت يا أخي، ما هو مطلوبٌ منك؟
قال الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية جون كندي لشعبه الذي أوصله إلى القمر: لا تسألوني ماذا ستفعل بلادكم لكم بل قولوا: ماذا ستفعلون أنتم من أجل بلادكم؟ نعم، من المفروض أن تعمل أنت من أجل إخوتك وتقوم بخدمتهم. فحين تزرع المحبة ستجد محبة لأنَّه عليك أنت أن تضبطَ ميزان حرارة المحبة في الكنيسة تمامًا مثل الـ Thermostat‎. إيتِ بأناسٍ مملوئين من روح الله لديهم محبة صادقة مضحّية. "بهذا قد عرفنا المحبة: أن ذاكَ وضع نفسه لأجلنا، فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة." (1يوحنا 16:3) إذن، يجب أن تضحِّي وأن تعطي. هذان هما مقياس المحبة في الكنيسة وهذا ما سيصنع انتعاشًا بالحق. أعطني مجموعة من الناس مستعدة أن تقدِّم وتضحّي وتموت لأجل إخوتها في الإيمان، فسترى كنيسة مليئة بالخير والبركات.

ب- المحبة العديمة الرياء: وقبل كل شيء يقول الرسول بطرس: "لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة، لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا." (1بطرس 8:4) لا تبحث عن العيوب أو تذمَّ الناس وتطعن بهم أو تلفِّق التُّهمَ ضدّهم. إذ يقول بولس في رسالته إلى تيموثاوس عن أمثال هؤلاء في آخر الأيام: "لأنَّ الناس يكونون محبّين لأنفسهم، محبين للمال... بلا حنوٍّ، بلا رضىً، ثالبين، عديمي النزاهة، شرسين، غير محبّين للصلاح، خائنين، مقتحمين، متصلّفين، محبين للَّذَّاتِ دون محبةٍ لله." (2تيموثاوس 2:3-4) فالله يدعوكَ - يا أخي – إلى مستوى أرقى إذ يقول: "لا تكونوا مديونين لأحد بشيءٍ إلّا بأن يحبَّ بعضُكم بعضًا." (رومية 8:13) لا دينَ هناك لأنّك مديون بدَيْن المحبة لإخوتك.
أذكر أثناء الحرب اللبنانية كيف كانت عائلتنا تمرُّ بظروف صعبة إذ كان والدي خارج مدينة بيروت. فجاء خصم والدي السياسي - الذي حاز وقتها على مركز سياسي كبير - وصار يهتم بنا ويقدّم لنا نحن الأولاد خدمات جمّة. فقلت له: لا أعلم كيف أشكرك. فأنت خصمُ والدي السياسي وتقوم بمساعدتنا... هل لأننا أولاده؟ قال: والدك يا ابني خلّص نفسي من الموت وأنا مديون له بحياتي، فكيف أرد ُّله هذا الدَّين سوى بأن أهتم بأولاده! نعم يا أخي هذا ما عملَه الرب: "لأنه إن كنّا ونحن أعداء قد صولحَنا مع الله بموت ابنه." (رومية 10:5) و"لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا." (رومية 8:5) لهذا علينا أن نردَّ الدَّيْن (دين المحبة) الذي علينا للرب عن طريق محبتنا وخدمتنا لأولاده.
ج- ثمر المحبة: حين يتكلم الرسول بولس في غلاطية عن ثمر الروح، فهو لا يتكلم عن تسعة أثمار بل ثمر واحد ذات تسعة وجوه. لماذا؟ لأن الفرح هو ابتسامة المحبة، والسلام هو طمأنينة المحبة، وطول الأناة هو صبر المحبة، واللطف هو لَياقة المحبة، والصلاح هو تعب المحبة، والإيمان هو أمانة المحبة، والوداعة هي تواضع المحبة، والتعفّف هو طهارة المحبة. هل هناك ثمرٌ في حياتك - لأنَّه من ثمارهم تعرفونهم يقول الرب؟ فإيَّاك أن تكون موضع عثرة أو أصلَ مرارة، وانتبه من برودة المحبة من حولك إذ يقول أنَّه في آخر الأيام تبرد محبة الكثيرين، فتصير في حالة من الصقيع الرهيب. "ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص." (متى 13:24)
حين أثلجت في هيوستن في مطلع العام الحالي، خرِبَتِ الدنيا، لماذا؟ فنحن غير معتادين على البرد والصقيع. هكذا أنت أيضًا يا أخي، حافظ على المحبة وابتعدْ عن كلِّ مَنْ يحبُّ الخصام ويخلقُ الشِّقاق واعرضْ عن هؤلاء وعاملْهم كالَّذين هم بلا ترتيب. فالمحبة ترى الآلام الخفيَّة للمتألّمين، وتسمع الآهات السرِّيّة للمحزونين، وتعطي بسخاء للمحتاجين، وتسرع لمساعدة المساكين من قلب طاهر يشعر مع الآخرين.

ثالثًا: الكلمة النبويّة الأبدية
هل أنتم مولودون من كلمة الله الحية الباقية إلى الأبد؟

أ- كلمة الله هي سلاحك: "الكلام الذي أكلِّمكم به هو روح وحياة." (يوحنا 63:6) فخبِّئها في قلبك كيلا تخطئ إليه. هي سيف الروح. ففي معركتك الروحية أنت تجاهد ضد إبليس، وضدّ الخطية، وضدّ الفساد. لذا اطلُبْ من روح الله أن يعطيك القوة لكي تعرف كيف تستعمل هذا السيف، سيف الروح كلمة الله الحية. ففي حربك الروحية يقول عنها: "لأن كلمة الله حيَّة وفعّالة وأمضى من كلِّ سيف ذي حدَّين." (عبرانيين 12:4) أجل، لأنَّك في الحَدّ الأول تحاربُ وتخترق العدوّ في الصميم وفي الحدّ الثاني تصيب نفسك.
قال مودي: "كلمة الله تبعدُكَ عن الخطية، والخطية تبعدُك عن كلمة الله." فهل تقرأها يوميًا وتخبئها في قلبك؟ يقال عنها: "مولودين ثانية، لا من زرع يفنى، بل ممَّا لا يفنى، بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد. لأنَّ: "كل جسدٍ كعشبٍ، وكل مجد إنسانٍ كزهرِ عشبٍ. العشبُ يبِس وزهرُهُ سقَطَ، وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد." العشب يزول أما هذا الزرع فتأثيره أبدي. البذرة الصغيرة حين تُزرع في الأرض تظنُّها قد ماتت. لكن إذا كانت التربة صالحة تعطي في النهاية ثمرًا. هكذا هي كلمة الله.
حاولَ علماء النبات الذين يعرفون تمامًا ما هي مكوّنات البذرة أن يصنعوا واحدة مثلها، لكنها لم تنمُ البتّة، لماذا؟ لأنَّها خالية من سرّ الحياة. تمامًا كالناس الكثيرين الذين كتبوا الكثير عن الحياة المثالية والمحبة ولكنَّ داخلَهم جافٌ ليس فيه حياة. فالكلمة المُعاشة فيها قوة الله التي تمنح الحياة.

ب- كلمة الله هي نورٌ لك: "سراجٌ لرجلي كلامك ونور لسبيلي." (مزمور 105:119) أنت معرّضٌ وفي كل يوم للبدَع الكثيرة والأفكار الخاطئة والمقاييس المختلفة لذا عليك أن تدرس الكلمة. قال الرب يسوع: "تضِلّون إذ لا تعرفون الكتب." (متى 29:22) أذكر أحد الأصدقاء المسنّين في لبنان كان يحملُ معه في جيبه المصباح اليدوي بشكل دائم في أيام الحرب. وكان يقول: أنا لا أترك منزلي دون أن يكون هذا المصباح الصغير في جيبي. وكنا نضحك جميعًا على ذلك. وعلى الرغم من ذلك إلا أننَّا جميعًا تمثّلنا به وصرنا نحمل في جيوبنا أيضًا المصباح اليدوي الذي ينير طريقنا حين تنقطع الكهرباء. هكذا كلمة الله: "تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها، كما إلى سراجٍ منيرٍ في موضع مظلم، إلى أن ينفجر النهار، ويطلعَ كوكب الصبح في قلوبكم." (2بطرس 19:1ب) وبقي هذا الصديق المسنّ يفعل ذلك حتى حين زار ابنه في إنكلترا. ولما حاول ابنه إقناعه بأنه لا حاجة له فيه لعدم انقطاع التيار الكهربائي في إنكلترا، لم يقتنع، فأخذه منه الابن عُنوةً وخبّأه في البيت. ومرة حدثت عاصفة ثلجية قوية لم يسبق لها مثيل انقطعت بسببها الكهرباء فراح يصرخ الأب ويقول: أين وضعتَ مصباحي اليدوي الذي أخذته مني يا ولدي... أين؟!
نعم يا صاحبي، لا تترك نفسك بدون هذا السراج لأنك يوم تفعل ستضلُّ الطريق.

ج- إن كلمة الله هي صوتُ الرب: الروح الذي يُحيي. فهو يؤكد لك مواعيده حين يقول: لا أهملك ولا أتركك... لا تخف لأني فديتك. دعوتك باسمك. أنت لي. فأنتَ عزيز ومكرّمٌ في عينيه. وهنا أختم بهذا الإيضاح عن أكبر مخترع وعالم معروف في كل العالم. إنه توماس أديسون. ففي بداية القرن العشرين صنع اختراعًا عظيمًا غيَّر التاريخ. لقد سجّل ألفًا وثلاثة وتسعين اختراعًا، حتى إن الصور المتحرّكة المستخدمة في التلفزيون اليوم ترجع أسسُها إلى اختراعه هو. هذا قال عنه مدير المدرسة الابتدائية يومًا لأمّه حين كان بعد صغيرًا: ابنك توماس معوّقٌ عقليًّا، خُذيه إلى البيت لا يمكنهُ أن يبقى هنا في المدرسة. وحين استفسر توماس من والدته عن السبب الذي فيه أُخرج من المدرسة وهو ابن الست سنوات، قالت له: يا حبيبي، يا ابني أنتَ بحاجة إلى أن أدرِّسك أنا في البيت لأنَّك نابغةٌ وذكيٌّ جدًا. وهكذا صار توماس أديسون مخترعًا عظيمًا. إنَّ الله سيفعل أشياء عظيمة في حياتك يا أخي. فتمسَّك بالكلمة لأنَّها تنمِّيك وتحميك لأنّها السلاح والنور، وصوت الرب الذي يرفعك في كل الظروف.

المجموعة: تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

252 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10623951