Voice of Preaching the Gospel

vopg

تتفاوت وجوه النفاق في المجتمعات المعاصرة كتفاوت الحياة الإنسانية والظروف المحيطة بها. فهناك نفاق اجتماعي، ونفاق سياسي، ونفاق أخلاقي، ونفاق ديني.

وفي كثير من الأحيان تتلاحم أوجه النفاق هذه بعضها ببعض حتى لا تكاد تفرّق بينها، فإذا بها مزيج مأساوي من هذه المثالب التي تنخر في جسم مجتمعاتنا، حتى أصبحت مظهرًا بارزًا من مظاهر حياتنا اليومية.
ويكفي المرء أن يتصفّح الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية ليعتريه إحساس عميق من "القرف"، بل قد ينتابه شعور يائس من جرّاء ما أصاب هذه المجتمعات من مفاسد وجنون. والنفاق قد يكون ظاهرًا مفضوحًا، أو قد يكون خفيًا ومستورًا. ولكن سرعان ما تلعب الظروف دورها فتكشف ما هو مستور، وتُبدي ما هو خفي.
ولكنني في هذه المقالة القصيرة أودّ أن أعالج موضوع النفاق الديني! أجل النفاق الديني، وهو في رأيي أخطر أنواع النفاق وأشرّها، ونتائجه أكثر تدميرًا، وإساءة للدين وللمؤمنين الأتقياء. والواقع أن لفيفًا كبيرًا من أصحاب المناصب الدينية والسياسية والاجتماعية يقعون تحت هذا التصنيف لأنهم في نفاقهم إما أن يتظاهروا بالتقوى، أو بخدمة المجتمع والوطن، بينما هم في الحقيقية لا يستخدمون الدين إلاّ لمصالحهم الشخصية، ويسعون في سبيل تحقيق مآربهم الأنانية. وهذه الحقيقة ليست جديدة، أو وليدة هذا العصر. هي قديمة قدم الإنسان ذي الطبيعة الساقطة. فما هي مظاهر هذا النفاق في مجتمعنا المعاصر؟

أولًا، عامل التسامح أو ما يدعى بـ Tolerance. وقد صنّفه دعاة التسامح كنقيض للتعصُّب. وهنا وجه الخطأ. إن مفهوم التسامح من حيث المبدأ فضيلة إن كانت تسعف على البناء الروحي والاجتماعي والأخلاقي شريطة أن لا تتعارض مع المبادئ الكتابية العقائدية. فمثلًا، لا يجوز التسامح في الكنيسة إذ تسرّبت إلى الكنيسة عقائد مخالفة للتعليم الكتابي. فالاعتقاد بإنسانية المسيح من غير الإيمان بألوهيته يشكِّل خطرًا جسيمًا على عقيدة ألوهية المسيح التي هي في أُسّ الدين المسيحي. وأكثر من ذلك، إن القول إن جميع الأديان متساوية في نظر الله وأنها كلّها تفضي إلى الخلاص هو قول يتناقض مع الإيمان المسيحي القائل "وليس بأحد غيره الخلاص". إن النزوع إلى التسامح في هذه الحالات هو مراءاة ومحاولة لهدم صرح الكنيسة وإفساد للعقيدة. وهناك أيضًا من يردد إن جميع الأديان تعبد نفس الإله الذي تنادي به المسيحية. ووجه الخطأ في ذلك أن جميع الأديان لا تؤمن بالتثليث المسيحي بل هناك من وصم المسيحيين بالكفر لأنهم يؤمنون بإله واحد في ثلاثة أقانيم. ومع كل ذلك، نرى بعض رجال الدين يؤكدون على أن جميع الأديان تؤمن بذات الإله الواحد الذي تؤمن به المسيحية، ومن يخالفهم بالرأي ويرفض قبول ادّعائهم هو متعصِّب، وضيِّق الأفق. إن مثل هؤلاء يريدون منّا أن نعيد صياغة كتابنا المقدس، ليتَّفِق مع تفسيراتهم وتعليلاتهم، وكأنما الوحي الإلهي قد أصبح خاضعًا لمشيئتهم وإرادتهم. أما غرضهم الحقيقي فهو الحظوة برضى "المتحررين" من أعضاء كنائسهم، والتمتع بالشعبية لدى أصحاب الطوائف الأخرى، علمًا أن أصحاب الطوائف الأخرى ليس لديهم الاستعداد التسامحي الذي يبديه رجال الدين المتعصرنين. هذا نفاق يقوم على الفريسية والمصلحة الذاتية.

ثانيًا، عامل التسامح يتعدّى العقيدة إلى الممارسة الأخلاقية؛ فإننا نرى أن عددًا من رجال الدين بل قادتهم قد تهاونوا في قبول كل ما هو شائن أدانه الكتاب المقدس، وانكبوا على اختلاق أسباب وتفسيرات لتبرير تلك التصرّفات التي هي رجاسة في عينَي الله. لقد أقاموا أنفسهم قضاة في محكمة الأخلاق العليا. ورفضوا القضاء الإلهي ظانين في أنفسهم أنهم أحقّ من الله في الحكم على مثل هذه المعائب. إن مثل هذه المواقف المخزية لا تحزن قلوب أصحاب الفضيلة فقط، ولكنها أيضًا تحزن قلب الله ولا تتّفق مع إرادته. والغريب في الأمر، فإن هؤلاء المتزعمين قد تخدّرت ضمائرهم وفقدوا حساسياتهم الروحية، وأخذوا يرون في الشذوذ الجنسي مثلًا، أمورًا عادية لا تستدعي التنديد أو التوبيخ، وتسَلّم فريق كبير من المأبونين مراكز دينية قيادية، وهكذا عشَّشت الخطيئة داخل جدران الكنائس ببركة هؤلاء الرؤساء. والويل، ثم الويل، لكل من ينتقد تصرفات هؤلاء القادة أو قراراتهم، فإنهم يصبحون عرضة للاضطهاد والاتهام بالتعصّب وعدم التسامح. بينما في الواقع أنهم هم الغارقون حتى آذانهم بالنفاق الأخلاقي الفاسد، بل إن الفضيلة أصبحت رذيلة في أعينهم، وأنني أكاد أجزم أنه لا فرق بين هؤلاء الغارقين في مستنقعات الرذيلة وبين أهل سدوم وعمورة. أقول هذا، ليس بفعل التعصب بل بناء على ما ورد في الكتاب المقدس وما أعلنه الوحي الإلهي. لقد أساء هؤلاء المنافقون لأنفسهم، وللآخرين، وللشهادة المسيحية التي تقوم على البر والقداسة. لم تعد أجسادهم ذبيحة حيّة مقدسة مرضية في نظر الله، بل أصبحت ذبائح شيطانية ملطخة بالنجاسة. هذا هو النفاق الأخلاقي الذي يقوم على التسامح كما يدّعي رجال الدين هؤلاء.

ثالثًا، عامل التسامح النفاقي أصبح في الواقع هو الشريعة التي يعتمدها هؤلاء المتحررون في كل ما لا يتّفق مع أهدافهم وخططهم، لا فرق في ذلك إن كانت الفضيلة قد انتحرت على مذبح الخيانة الزوجية، أو استسلمت الشبيبة إلى شهواتها الجنسية لا يردعها رادع؛ أو أنَّ مفهوم الزواج قد اعتراه الخلل وأصابه الاهتراء؛ كل هذه الأمور لا قيمة لها في نظر هؤلاء المتفذلكين. لقد ألغوا من قواميسهم لفظة "الخطيئة"، وأحلّوا محلها لفظة "الميول"، ومن يعترض على ذلك فإنه يتعرّض للويل والثبور وعظائم الأمور. وقد أسعف هؤلاء القادة المنافقين تجاوب الإعلام معهم، فتربّعوا على عروشهم يحرِّفون تعليم الكتاب ويسمِّمون عقول الناشئة، ويغوون قلوب أعضائهم الذين وثقوا بهم وصدقوهم. ولكن لا بُدَّ من يوم تنكشف فيه الحقائق عندما تتجلّى فيه قداسة الله، فلا يجد هؤلاء مناصًا من حكم الدينونة. ولكن لهم آذان ولا يسمعون، لهم عقول ولا يفهمون.

المجموعة: تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

128 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10625286