Voice of Preaching the Gospel

vopg

هل الله يناقض نفسه؟ هل يغير أو يبدَل في أقواله؟ هل يتراجع عن أفعاله؟ فان كان يستطيع كل شيء، فكيف لا يقدر أن يفعل كل شيء؟

البراهين كثيرة التي تدل على قدرة الله المطلقة. لكن الذي يهمنا أن نجيب عن السؤال: لماذا لا يقدر الله أن يفعل كل شيء؟ أذكر هنا ثلاثة أمور لا يفعلها الله:

1– الله لا يحاول أن يقتحم إرادة الإنسان الحرة فيحترم حريته، وحرية اختياراته، ولا يرغمه على اختياراته. لماذا؟ لان الله بنفسه هو الذي أعطى الإنسان الإرادة الحرة، فقد قال لآدم يوم خلقه:" «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ.» (تكوين 16:2-17) لقد ترك الرب له حرية الأكل من عدمه. وكما نعلم انه أكل وسقط في الخطية. وإن كان الإنسان له الحرية في اختياراته فهو أيضًا مسؤول مسئولية كاملة عن نتائجها.
وقد أكد الرب هذا المبدأ لشعبه بقوله: "قد وضعت قدامك الحياة والموت، البركة واللعنة، أختر الحياة لكي تحيا." (تثنية 19:30) فإن كان الله في حكمته وإرادته ورضاه واختياره قد أعطى الإنسان هذه الحرية، فإنه لا يقبل على نفسه أن يجبر الإنسان في اختياراته، بل ترك له حرية الاختيار ليتحمّل مسؤولية ونتائج اختياراته وقراراته. فهذا ليس عجزًا منه بل احترامًا لمبادئه وإنسانيته. "فإن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة." (رومية 29:11)
وهذا يفسر لنا ما حدث في الناصرة، وطن السيد المسيح، فقد دخل المجمع وعلّم فيه، ومع أنهم بهتوا من تعاليمه، لم يكرّموه ويمجدوه ويشكروه، بل احتقروه وازدروا به وقالوا عنه: "مِنْ أَيْنَ لِهَذَا هَذِهِ؟ وَمَا هَذِهِ الْحِكْمَةُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى يَدَيْهِ قُوَّاتٌ مِثْلُ هَذِهِ؟ ... فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ." (مرقس 2:6-3) والعبارة "فكانوا يعثرون به" وردت في ترجمات أخرى "لم يريدوا أن يقبلوه، أو كانوا يشكُّون فيه." "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إلاَّ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أَقْرِبَائِهِ وَفِي بَيْتِهِ». لذلك "لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَ هُنَاكَ وَلاَ قُوَّةً وَاحِدَة." ليس هذا عجزًا منه، ولكنه لم يرِدْ أن يقتحم حريتهم وإرادتهم، ولم يقبل أن يرغمهم على قبوله.
والسبب الثاني الذي جعل المسيح لا يحاول أن يصنع ولا قوة واحدة في وطنه، هو لعدم إيمانهم، وكما ذكرنا آنفًا أن العبارة "كانوا يعثرون به" تعنى كانوا يشكون فيه، لذلك قد تعجب من عدم إيمانهم.
قال أحدهم: إن عدم الإيمان يقيّد يد الله فلا يقدر أن يعمل المعجزات، فالإيمان هو شرط عمل المعجزة، وحيث لا يوجد إيمان لا توجد معجزات، لان الإيمان هو الأداة التي يستخدمها الله لإجراء المعجزات في حياتنا.
أحضر رجل ابنه المصروع للتلاميذ فلم يقدروا أن يخرجوا الشيطان منه. ولما نزل المسيح من على جبل التجلّي أخرج السيد المسيح الشيطان من الولد. فسأل التلاميذ الرب يسوع على انفراد: لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه منه، فقال لهم يسوع: "«لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ." (متى 20:17)
إذًا، لماذا لم يقدر يسوع أن يصنع ولا قوة واحدة في الناصرة؟ ليس عجزًا منه، ولكن بكامل إرادته لم يرغمهم على قبوله واحترم حريتهم، وأيضًا لعدم إيمانهم.

2- الله لا يقدر أن يغيّر طبيعته
يقول الرسول بولس: "إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِينًا، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ." وهذا أيضًا ليس عجزًا منه أو عيبًا فيه، لكن إلهنا إله غير متغيّر، ليس إلهًا مزاجيًا، أو عشوائيًّا، بل إن إلهنا ثابت في صفاته، وكامل في طبيعته "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم والى الأبد." ويقول رجل الله موسى في مزموره: "يَا رَبُّ مَلْجأً كُنْتَ لَنَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ. مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ الْجِبَالُ أَوْ أَبْدَأْتَ الأَرْضَ وَالْمَسْكُونَةَ مُنْذُ الأَزَلِ إِلَى الأَبَدِ أَنْتَ اللهُ." ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "أَنْتَ يَا رَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَلَكِنْ أَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، وَكَرِدَاءٍ تَطْوِيهَا فَتَتَغَيَّرُ. وَلَكِنْ أَنْتَ أَنْتَ، وَسِنُوكَ لَنْ تَفْنَى."
إن الله لا يقدر أن يغيّر طبيعة محبته إلى كراهية للإنسان، لأن الله محبة. ولا يمكن لخطايانا وشرورنا أن تؤثر عليه فيبدّل أو يغيّر محبته نحونا. "محبة أبدية أحببتك، من أجل ذلك أدمت لك الرحمة." ويقول الرسول يوحنا عن يسوع: "كان قد أحبّ خاصّته الذين في العالم، أحبهم إلى المنتهى." إنه يحبنا وسيظل يحبنا، فلا يقدر ألا يحبنا. والسؤال، هل نحن نحبه كما أحبنا؟ لا يقدر الله أن يغير رحمته ورأفته وعطفه، بالرغم من جرم الإنسان وفساده الأخلاقي. يقول النبي يوئيل: "[ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم.] وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم، بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر." (13:2)
ولا يقدر الرب أن يمنع جوده وإحسانه وعنايته لنا، بالرغم من جحودنا وتذمّرنا وإنكارنا لعطاياه فيقول: "إنه من إحسانات الرب أننا لم نفنَ، لأن مراحمه لا تزول."
إن عدم أمانتنا وخياناتنا لا تستطيع أن تغير أمانته من نحونا. "إن كنا غير أمناء فهو يبقى أمينًا، لا يقدر أن ينكر نفسه." كما أن كثرة خطايانا وعدم استحقاقنا لا يُنقص مكيال نعمته قط، بل يقول: "ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًّا." (رومية 20:5) هذا ليس تصريحًا لنا لفعل الخطية، بل بالعكس يضعنا تحت المسؤولية أن نعيش حياة القداسة، ونمتنع عن الخطية، والمقصود هنا، أنه مهما كثرت خطايانا فنعمة الله كافية ووافية لتغطينا.
هذه أمثلة فقط على بعض صفات الله الكثيرة والمتعددة الثابتة والكاملة والمنسجمة معًا. وكما ذكرت آنفًا، إن إلهنا غير متغير قط. نحن نتغير، أمّا هو فلا يتغير في صفاته وطبيعته، فهو المحب والأمين والصادق والمحسن والمعطى، فهل نتكل عليه في كل لحظات حياتنا؟

3– لا يقدر الله أن يفعل شرًّا
أولًا: لأنه قدوس وبار. قيل عن الرب يسوع أنه: "لم يعرف خطية." (2كورنثوس 26:5) و"لم يفعل خطية." (1بطرس 22:2) و"لم يكن فيه خطية." (1يوحنا 5:3) والرب يسوع نفسه تحدّى اليهود والكتبة والفريسيين قائلًا: "من منكم يبكتني على خطية؟"
إلهنا القدوس قد جعلنا معه شركاء الطبيعة الإلهية فيقول: "قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية." (2بطرس 4:1) فقد ربطنا معه في طبيعته. ويريدنا أن نكون قديسين كما هو قدوس: "نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة." يريدنا أن نرتبط تمامًا معه بطبيعته من جميع نواياه: بمحبته، وتواضعه، وغفرانه، وخدمته... لأنه بقبولنا للرب يسوع، غرس الله فينا - إن جاز لي هذا التعبير – جيناته بذرة الحياة الجديدة التي منه، لأننا مولودون من الله، من فوق. "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ." (يوحنا 12:1-13) وضع فينا بذرة الحياة الجديدة، الخليقة الجديدة لأنه "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة." (2كورنثوس 17:5) فالله يريد أن يعيد لنا من جديد الصورة الأولى التي خلقنا بها - التي كانت قد تشوّهت بالخطية - لنكون مخلوقين بحسب الله في البر وقداسة الحق.
ثانيًا: لا يقدر الله أن يفعل شرًّا لأنه صالح. لا يصنع شرًّا قط للإنسان، بل دائمًا يصنع الخير للإنسان، فيقول: "لأنك أنت يا رب صالح وغفور وكثير الرحمة لكل الداعين إليك." (مزمور 5:86) ويقول أيضًا: "الرب صالح للكل ومراحمه على كل أعماله."
وهنا قد يتبادر سؤال في أذهان البعض: إن كان الله صالح ولا يفعل شرًّا، فلماذا نرى في العالم الشر، والفساد، والظلم، والألم، والأمراض، والأوبئة، والكوارث، والحروب... إلخ؟ والجواب: كل هذه المصائب والشرور ليست من نتاج الله ولا سبّبها الله، لكنها نتيجة لشر الإنسان وأفعاله الأثيمة، وخضوعه للأفكار الشيطانية التي توجّهه وتحرّكه للشر والفساد. أما إلهنا فهو إله محبة وسلام، هو صالح للكل.
وفي الختام نقول: الله قادر على كل شيء ولا يعسر عليه أمر، وغير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله. هذه حقيقة مؤكدة وثابتة، لكنه لا يقدر أن يعارض نفسه أو ينقض عهده أو يتراجع أو يبدِّل ما خرج من فمه، لا يقدر أن ينكر نفسه. إلهنا عظيم ومبارك، فما هو موقفنا من هذا الإله العظيم؟ هذه ثلاث نصائح:
1- اقبله ربًّا ومخلصا بالإيمان في حياتك. 2– ثق فيه واتّكل عليه تمامًا. 3– اشهد عن محبته لك وأمانته معك وعن صلاحه في حياتك، آمين.

المجموعة: شباط (فبراير) 2021

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

167 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10628749