Voice of Preaching the Gospel

vopg

الفرح الغريب... أغرب أنواع الفرح!  
كيف نفرح في تجاربنا؟
في غرّة الأصحاح الأول من رسالة يعقوب الرسول نقرأ هذه الآية الجليلة: "احسِبوه كلَّ فرحٍ يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة." (يعقوب 2:1)

ويقينًا أن هذا الحساب الغريب الذي يطالبنا به يعقوب حساب يدفع الإنسان دفعًا إلى التفكير! فهل يمكن أن تأتي الأفراح ملفوفَةً برداءِ التجارب؟ وهل يُمكن أن تتحوّلَ البئر التي طالما ملأناها بسخين دموعِنا إلى ينبوعٍ فيّاضٍ لأفراحنا؟ وهل يمكن أن تكون آلامُنا وأحزاننا وتجاربنا وسيلةً لسعادتنا؟! وكيف يمكن أن نفرح في تجاربنا؟ كيف يمكن للأمّ التي فقدت وحيدها، وللتاجر الذي خسر ماله، وللطالب الذي فشل في امتحانه، وللسيدة التي فقدت صحتها... كيف يمكن لهؤلاء أن يفرحوا في ظروفهم المؤلمة والحزينة؟! وأن يحسبوا هذه التجارب المتعدّدة المتنوّعة فَرَحًا، بل "كل فرح"؟
هناك عدّة دوافعٍ لو تأملناها، وفكّرنا في معانيها، لساعدتنا بنعمة الله على أن نحسب كلّ تجربة تمرّ بنا فرحًا حقيقيًّا في اختبارنا.

دوافعٌ للفرح في تجاربنا

1- التجارب هي امتحان لإيماننا
هذا ما قاله يعقوب الرسول: "احسبوه كلَّ فرحٍ يا إخوتي حينما تقعون في تجاربَ متنوّعةٍ، عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبرًا. وأما الصبر فليكن له عملٌ تامٌّ، لكي تكونوا تامّين وكاملين غير ناقصين في شيءٍ." فكل تجربة يقع فيها المؤمن الأمين هي امتحان لإيمانه. والامتحان يعني أن الله قد سجّل اسم ذلك المؤمن في عداد "طلبة مدرسته"، وأنه قد أعطاه "رقمًا للجلوس"، وأن أوراق أهليّته للامتحان صارت كاملة، وعليه فقط أن يجتاز الامتحان بنجاح... وما أجمل هذا الفكر الثمين الذي عبّر عنه الرسول بطرس قائلاً: "الذي به تبتهجون، مع أنكم الآن إن كان يجب تُحزنون يسيرًا بتجاربَ متنوّعة، لكي تكون تزكية إيمانكم، وهي أثمن من الذهب الفاني، مع أنه يُمتحنُ بالنار، توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح." (1بطرس 6:1-7) "أيها الأحباء، لا تستغربوا البلوى المُحرِقةَ التي بينكم حادثةٌ، لأجل امتحانكم، كأنه أصابكم أمر غريب، بل كما اشتركتم في آلام المسيح، افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضًا مبتهجين." (1بطرس 12:4-13) فالتجارب امتحان للإيمان، وهذا الامتحان يصفّي إيماننا وينقّيه كما تنقّي النار الذهب من كل زغل، ليصير ذهبًا خالصًا من كل شائبة وهذا يقينًا يدفعنا لأن نحسب التجارب فرحًا بل "كل فرح".
نقرأ في سفر التكوين عن قصة امتحان إبراهيم "وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ." وكانت مادة الامتحان "ذبح الابن الوحيد المحبوب"، وكانت معدات الامتحان "الحطب والنار والسكين"، وكان مقرّ لجنة الامتحان "جبل المريّا"، وقد اجتاز إبراهيم الامتحان بنجاح! لم يحاول أن يتباطأ، ولم يشكّ في مواعيد الله، ولم يسأل الله أن يشرح له سرّ هذا الامتحان الصعب العسير، ولكنه انطلق ووضع ابنه فوق المذبح بعد أن ربطه بالحبال، ووضع تحته الحطب، ولما وصل قمة النجاح سمع صوت السيد قائلاً: "لا تمدَّ يدَكَ إلى الغلام ولا تفعل به شيئًا، لأني الآن علمت أنك خائف الله، فلم تمسِكِ ابنَكَ وحيدَكَ عني." (تكوين 12:22) فهل هذا موقفك يا قارئي في تجاربك؟ هل تسلّم لله حتى في الابن الوحيد العزيز الغالي؟ هل نجحت "بامتياز" في تجاربك كما نجح إبراهيم؟! إن التجارب تُحسب "كلَّ فرحٍ" لأنها امتحان الله لإيماننا.

2- التجارب هي وسيلة تنقيتنا وتمحيصنا
نقرأ في سفر ملاخي هذه الآية المعزية: "فيجلس ممحِّصًا ومنقّيًا للفضّة. فينقّي بني لاوي ويصفِّيهم كالذهب والفضّةِ، ليكونوا مقرَّبين للرب، تقدمةً بالبرّ." (ملاخي 3:3) فما أحسن التجارب التي تنقّينا وتصفّينا من زغلِ العالم والجسد والخطية!
أرادت سيدة كريمة أن تفهم معنى هذه الآية فذهبت إلى "صائغ" وطلبت منه أن يشرح لها عملية تنقية الفضة، وتصفية الذهب... وأحضر الرجل كمية من الفضة ووضعها في "بوتقة" وأشعل النار تحتها وظلّ جالسًا ينظر إلى الفضة وهي تغلي فوق النار! كانت السيدة تكلّمه فيردّ عليها دون أن يحوّل نظره عن الفضّة... فلما لاحظت السيدة ذلك سألته: "لماذا لا تحوّل عينيك عن الفضّة؟" أجاب: "حتى لا تحترق يا سيدتي." سألَته: "ومتى توقِف النار عنها؟" أجاب: "عندما أرى وجهي فيها." وأدركت السيدة أن الرب حينما ينقّينا بالتجارب يجلس وقد ركّز عينيه علينا، وأنه يستمرّ في إشعال النار تحتنا حتى يرى وجهه فينا... وامتلأَتْ تعزيةً!
هناك عملية تسمّى عملية "التقطير الإتلافي للفحم الحجري" وتعني هذه العملية تسخين الفحم الحجري بمعزلٍ عن الهواء، وعندما يُقطّر الفحم في هذه العملية تقطيرًا إتلافيًّا ينتج منه غازات هي الهيدروجين، وأول أكسيد الكربون، وكبريتيد الهيدروجين، والميثان، وهذه كلها غازات قابلة للاشتعال، وكذلك ينتج منه غازات غير قابلة للاشتعال هي النيتروجين والأكسجين وثاني أكسيد الكربون. وتنتج منه كذلك سوائل هي السائل النشادري الذي يُحضَّر منه غاز النوشادر التي يستعمل في صناعة الثلج وكذلك بعض مركبات النوشادر مثل كبريتات النوشادر التي تستخدم كسماد... وكذلك قطران الفحم الذي بتقطيره تقطيرًا جزئيًا نحصل على البترول وحامض الفنيك والنفتالين، وبعض مواد أخرى وتتخلّف بعد التقطير مادة القار التي تستعمل في رصف الطرق... ومع هذا كله نحصل على فحم الكوك، وفحم المعوجات!
فانظر كيف صارت قطعة الفحم الحجري السوداء، مصدرًا لكل هذه البركات، إنها صارت كذلك بتسخينها بمعزل عن الهواء... ومرات يأخذ الله أحد أبنائه "ويقطره تقطيرًا إتلافيًا" ليتلف ما فيه من رذائل وليستخرج ما فيه من فضائل، وعندئذ تلمع شخصيته ويصبح إنسانًا مباركًا نافعًا في ملكوت الله.
وهذا موسى، بعد تخرّجه من معاهد الدراسة الفرعونية شعر في نفسه أنه قد صار شيئًا ضخمًا كبيرًا، فبدأ رحلة حياته العملية بقتل رجل وطمره في الرمل. ثم أخذه الله بمعزل عن الناس، فقطّره تقطيرًا إتلافيًّا ليتلف ما فيه من رذائل، وجعل منه شخصًا نافعًا في قيادة شعبه، وبعد أربعين سنة صار موسى شخصًا آخر، ليعرف بأنه لا شيء وأن الله هو كل شيء... ويقينًا أنه بعد أن وصل إلى مرتبة القيادة حَسَبَ تجاربه وآلامه وعزلته "كلَّ فرح".

3- التجارب هي الأشواك التي تحرس حديقة حياتنا من الخطر
عندما وصل الرسول بولس إلى قمة اختباراته كان معرّضًا لخطر الارتفاع والغرور، وهنا بدأت الأشواك تحيط بحياته، وكانت هذه الأشواك هي السياج الذي رتّبه الله لحراسة حديقة حياته من الخطر... اسمعه وهو يذكر اختباره قائلاً: "ولئلا أَرتفِعَ بفرطِ الإعلانات، أُعطيت شوكةً في الجسدِ، ملاكَ الشيطانِ ليلطمني لئلَّا أرتفعَ. من جهةِ هذا تضرّعتُ إلى الربِّ ثلاثَ مراتٍ أن يفارقني. فقال لي: [تكفيكَ نعمتي، لأنّ قوّتي في الضعفِ تُكمَلُ.]" ثم انظره كيف حسب تجاربه فرحًا واسمعه مهلّلاً: "فبكلّ سرورٍ أفتخرُ بالحريّ في ضعفاتي، لكي تحلَّ عليّ قوة المسيح. لذلك أُسرُّ بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح. لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قويٌّ." (2كورنثوس 7:12-10)
فافرح يا أخي في تجاربك لأنها السياج الحارس لحديقة حياتك واختباراتك، وكم من تجاربٍ سيّج بها الرب حول امرأة مسيحية قديسة اسمها مدام جيون فجعلها بشيرة القداسة في عصرها، وسيّج بها حول رجل عظيم من رجاله هو "دكتور جورج ماثيسون" فصارت كتبه تعزية للمتألمين. وما زال الرب يسيّج بالتجارب حول الكثيرين.

4- التجارب وسيلة رؤيانا الكاملة للرب
لا جدال في أن أيوب قد مرّ في تجارب مُرّة ومُحرقة... فَقَدَ أولاده العشرة في يومٍ واحد، فقَدَ صحَّته، فقدَ أموالَه، صارَ مثَلاً وهزأةً بين أصاغره وتجارب متنوّعة كهذه كانت كفيلة بضياع إيمان الرجل العظيم... لكن أيوب تمسّك بإيمانه وهتف في وجه المجرّب قائلاً: "الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركًا." ويقينًا أن أيوب كان يؤلمه أنه لا يفهم سرّ تجاربه، كان لسان حاله: "فهّمني لماذا تخاصمني؟" ولم يكن الرجل يدري أن هناك معركة كبرى دائرة بين الله والشيطان، وأنه هو "أرض هذه المعركة"، إلى أن وصل إلى نهاية المعركة، وسمع صوت الرب متكلّمًا إليه ورأى الرب... رآه في بهائه ومجده وحكمته السرمدية، وعندئذ انحنى في خضوع أمام الرب قائلاً: "اسمع الآن وأنا أتكلّم. أسألك فتعلّمني. بسمعِ الأُذُنِ قد سمعتُ عنك، والآنَ رأتْكَ عَيْني. لذلك أرفُضُ وأندَمُ في التراب والرماد." (أيوب 4:42-6) وهكذا رأى أيوب الرب وهو في آلامه وبلواه.
ومع أيوب نذكر الفتية الثلاثة الذين دخلوا الأتون لأجل الله، ولأجل تمسّكهم بإيمانهم به... وكان الأتون محمّى سبعة أضعاف... نارٌ ملتهبةٌ من كل ناحية، ولكن هذه النيران الرهيبة المحرقة كانت وسيلة حضور الرب الشخصي مع هؤلاء الفتية... اسمع كلمات الملك المتعجِّب: "حينئذ تحيّر نبوخذنصّر الملك وقام مسرعًا فأجاب وقال لمشيريه: [أَلمْ نُلْقِ ثلاثَةَ رجالٍ موثقينَ في وسط النار؟] فأجابوا وقالوا للملك: [صحيحٌ أيها الملك.] أجاب وقال: [ها أنا ناظرٌ أربعةَ رجالٍ محلولين يتمشّون في وسط النار وما بهم ضررٌ، ومنظرُ الرابعِ شبيهٌ بابنِ الآلهة." (دانيال 24:3-25) وهكذا كانت النيران هي الوسيلة التي متّعت الفتية برؤية الرب... فلا تحزن يا أخي... بل تطلّع وسط اللهيب المحرق الذي يحيط بك، هناك ترى الرب في بهائه وتحسب تجربتك "كل فرح!"

5- التجارب هي سبيل نوالنا إكليل الحياة إذا احتملناها
يقول الرسول يعقوب: "طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنه إذا تزكّى ينال [إكليل الحياة] الذي وعد به الرب لِلَّذينَ يحبّونه." (يعقوب 12:1) فإكليل الحياة هو كل من يحتمل تجاربه بتسليمٍ لمشيئة الرب، ومن عجب أن هذا الإكليل نفسه هو نصيب الشهداء الذين ماتوا لأجل المسيح! ففي سفر الرؤيا نقرأ الكلمات: "كنْ أمينًا إلى الموت فسأعطيكَ إكليلَ الحياة." (رؤيا 10:2) فكأن الرب يضع من يحتمل تجربته بتسليمٍ في مكان الشهيد الذي يرضى أن يموت لأجله! وهذا فكر ينبغي أن يملأ قلوبنا بالعزاء "لذلك لا نفشَلُ، بل وإن كان إنسانُنا الخارِجُ يفنى، فالداخل يتجدّدُ يومًا فيومًا. لأنَّ خفَّة ضيقتنا الوقتيّة تنشئ لنا أكثرَ فأكثرَ ثقلَ مجدٍ أبديًّا." (2كورنثوس 16:4-17)
حدّثنا رجلٌ من رجال الله بقصة عن والٍ، قبض عليه الثوار في ثورة سياسية، ووضعوه في السجن، وقيّدوه بسلسلة ضخمة آلمت جسده وتركت آثارها على معصميه، ثم تمكّن مولاه من الانتصار على الثوار وأخرجه من السجن وفكّ قيوده...
وسأله: "هل تألّمت كثيرًا من أجلي؟"
قال: "أجل يا مولاي!"
فسأله: "وأي شيء كان يؤلمك؟"
قال: "السلسلة الثقيلة يا مولاي!"
فأمر مولاه بإحضار السلسلة، وبأن توزن مقابلها كمية من الذهب الخالص وتُعطى للوالي... ونظر الوالي للميزان وهمس لنفسه قائلاً: "ليتهم زادوا ثقل سلسلتي لزاد الذهب المُعطى لي!"
هذا الكلام يتّفق تمامًا مع ما قاله بولس الرسول في كلماته: "فإني أحسِبُ أنّ آلامَ الزمانِ الحاضِرِ لا تُقاسُ بالمجدِ العتيدِ أن يُستعلنَ فينا." (رومية 18:8) هذا كله يدفعنا أن نحسب تجاربنا "كل فرح".
فيا قارئي المحبوب، احسب تجاربك كلَّ فرحٍ، فبعد قليلٍ جدًا سيأتي رب المجد، ويمسح بيديه الرقيقتين آثار الدموع، ويجبر القلب الكسير ويهبك إكليل الحياة.

المجموعة: شباط (فبراير) 2022

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

113 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10631686