Voice of Preaching the Gospel

vopg

أذكر في طفولتي كيف اتّسعت عيناي حين قرأت على بطاقة دعوةٍ لأحد الأعراس، السيّد فلان.. وعقيلته.

من أين أتت كلمة "عقيلة" الثقيلة على مسمعي؟ بحسب القاموس، نبدأ بالفعل "عَقِلَ" أي أدرَكَ وفَهِمَ بالعقل، و"العقل" هو ما يكون به التفكير والاستدلال وتركيب التصوّرات، وما به يتميّز الحَسَنُ من القبيح، والخير من الشرّ، والحقّ من الباطل. و"العاقل" هو المدرِك، مَنْ يستخدم العقل، والجمع عقلاء (وليس عاقلين). ومِنْ فِعْل عَقِلَ اشتُقَّت كلمة "عِقال" لأنه يحزم الكوفيّة على الرأس ويضبطها. "اعتقل" أي قبض على شخصٍ وسجَنَهُ، فهي تفيد الإمساك والسيطرة. أما كلمة "مَعقِل" فمعناها ملجأ وحصن. وأخيرًا نصل إلى "العقيلة" وهي الزوجة، وأطلق العرب عليها هذا الاسم لأنها تلازم البيت!
عرّف أحدهم "التعقّل" بأنه تحكّم الإنسان تحكّمًا كاملًا في العواطف والرغبات حتى لا يسمح لها إلّا بما يوافق القانون والمنطق السليم. وسنبحث في التعقّل بحسب ما نراه في كلمة الله المباركة.

1- التعقّل كأسلوب حياة
ذكر الرسول بولس 5 كلمات مشتقّة من العقل في رسالته إلى تيطس. وبعد أن حدّد التعقّل في الفصل الأول كأحد المؤهّلات التي يجب أن تتوفّر في الشيخ/الأسقف/القسيس، يطلب في الفصل الثاني "أَنْ يَكُونَ الأَشْيَاخُ (أي الرجال المتقدّمين في العمر) صَاحِينَ، ذَوِي وَقَارٍ، مُتَعَقِّلِينَ" ثم يوجّه الكلام إلى العجائز أي الشيخات لينصحن الحدثات بأنْ يكنّ متعقّلات، وبعدها يوجّه تعليماته لتيطس، "عِظِ الأَحْدَاثَ أَنْ يَكُونُوا مُتَعَقِّلِينَ". فالتعقّل مطلوب أولًا من القادة ثم من النساء والرجال الذين اجتازوا منتصف العمر الذي يُفترَض بهم التعلّم من الماضي، والصبر، وعدم الاستهانة بالخطيَّة، واستيعاب الآخرين، والعيش بسيرةٍ تليق بالقداسة، في رزانة ووقار، وصولًا إلى الشباب الذين هم مطالَبون أيضًا بالتعقّل. يُقال إن كريت كانت فيها مشكلة الإدمان على شرب الخمر لدى كبار السنّ في القرن الأول الميلاديّ، ولذلك أوصى ألّا يكون الشيخ مدمن الخمر، ثم أوصى الشيخات بألّا يكنّ مستعبداتٍ للخمر الكثير. وتأتي هذه الترجمة العربية للكتاب كالأقرب إلى الأصل اليونانيّ باستخدام كلمة ترتبط مع العبودية. فالخمر مشكلته مع العقل، وهو يستعبد الإنسان، لأنّ من يسكر تصبح تصرّفاته مقودةً بتأثير الخمر، يتكلّم بدون ضبط ويفضح الأسرار، يمشي بدون توازن، ويتصرّف بغباوةٍ وقد يتسبّب في أذيَّة الآخرين إذا قاد سيارةً مثلًا بسبب عدم قدرته على استخدام عقله في الالتزام بمساره والتوقّف إلخ... والإنسان المستعبَد للخمر، أو المُدمِن على أيِّ شيءٍ آخر مؤذٍ للصحّة، لا يستطيع أن يكون أبًا حسنًا أو أمًّا صالحةً، أو جَدًّا مؤثِّرًا أو عضوَ كنيسةٍ فعّالًا، أو ناجحًا في عمله، أو صديقًا مُخلصًا. نحن كمؤمنين مدعوّون للامتلاء بالروح القدس، لتصبح تصرّفاتنا مقودةً بالروح القدس بالمقارنة مع الخمر وتأثيره السلبيّ على الكلام والتصرّف. وفي الفصل نفسه يشرح ويقول، "وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ، مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ". هل نؤمن أنّ يسوع آتٍ عن قريب؟ هذا يساعدنا لكي نتعقّل ونتقدّس في انتظاره، "وكل من عنده هذا الرجاء به، يُطهّر نفسه." بعد أن تكلّم يسوع الموعظة على الجبل، قال: "من يسمع أقوالي ويعمل بها، أشبّهه برجل عاقلٍ بنى بيته على الصخر." (متى 24:7)
هل تواجه مشكلة في الغضب؟
الله يأمرنا أن نستخدم العقل دائمًا ونهدأ ولا نتسرّع، "تعقّل الإنسان يبطئ غضبه." (أمثال 11:19) كما يقول الحكيم، "مالكُ روحِهِ خيرٌ ممّنْ يأخذُ مدينةً." (أمثال 32:16) فالتعقّل يفيد حقًّا في كلّ جوانب الحياة.

2- التعقّل والكلام
مدح يسوع شخصًا يحاوره لأنه "أجاب بعقل". وقد تعرّض دانيآل في القديم لموقفٍ رهيبٍ حين عمل كأحد مستشاري الملك نبوخذنصّر الذي حلم حلمًا، فطلب من مستشاريه وحكمائه أن يقصّوا عليه الحلم ويفسّروه أيضًا وإلّا يُقتَلوا. ملكٌ غاضبٌ يريد أنْ يقتل معاونيه، ومنهم دانيآل. لكن مكتوبٌ عنه عندما أخبروه، "أجاب دانيآلُ بحكمةٍ وعقل... وطلبَ من الملكِ أن يعطيَهُ وقتًا فيبيّنُ للملكِ التعبيرَ." (دانيآل 14:2، 16) وخلال هذا الوقت كان يصلّي، وسأل أصدقاءه الثلاثة أن يصلّوا من أجله أيضًا. هل نُجيبُ بعقلٍ تحت وطأة الظروف القاسية؟ هل فاجأك أحدٌ بكلام يعسر تقبّله؟ قلْ له كدانيآل، أعطني وقتًا حتى أردّ عليك من جهة هذا الأمر.
كما يظهر التعقّل في قلّة الكلام، "كثرةُ الكلامِ لا تخلو مِنْ معصيةٍ، أمّا الضّابطُ شفتَيْهِ فعاقلٌ." (أمثال 19:10) وفي المقطع الذي أشرت إليه في تيطس، طلب أن تكون النساء متعقّلات غير ثالبات، أي غير نمّامات لأن التعقّل يكبحنا عن الثرثرة ونشر الكلام.

3- العقل والجمال
ما فائدة الجمال دون عقل؟ "خزامةُ ذهبٍ في فنطيسةِ خنزيرةٍ المرأةُ الجميلةُ العديمةُ العقل." (أمثال 22:11) وهذا ينطبق بالتأكيد على الرجال الذين يتمتّعون بجمال المظهر دون استخدام العقل كما كان أبشالوم ابن الملك داود الذي نقرأ عنه "ولم يكنْ في كلّ إسرائيل رجلٌ جميلٌ وممدوحٌ جدًا كأبشالوم مِنْ باطِنِ قدمِهِ حتى هامتِهِ لمْ يكنْ فيهِ عَيْبٌ." (2صموئيل 25:14) كما يفصّل الكتابُ في جمال شعره وكثافته، لكنّ أبشالوم الجميل تصرّف بغباءٍ فثار ضدّ أبيه، ومات كأحمق معلَّقًا بشعره الكثيف في البطمة. وبالمقارنة، نتذكّر أبيجايل الجميلة الفهيمة التي أنقذت داود من أن يرتكب الشرّ بحكمتها، فحضّرت الهدايا، وطلبت منه أن يحسب الخطأ عليها عوضًا عن زوجها الأحمق، وذكّرته بمعاملات الله الماضية، وألمحت إلى كفّ المقلاع الذي به انتصر على جوليات، ولا غرابة أنّ الكتاب قال عنها، "كانت المرأة جيّدة الفهم وجميلة الصورة"، فأبيجايل امرأة متعقّلة. ولذلك أجابها داود بقوله، "مباركٌ عقلكِ ومباركةٌ أنت." (1صموئيل 33:25) ما أحلى أن يقول الربّ لك ولي، "مباركٌ عقلك"!

4- العقل والحشمة
خلّص يسوع المجنون في كورة الجدريّين، وبعدها رآه الناس "جالسًا ولابسًا وعاقلًا" بعد أن كان عريانًا يصيح ويجرّح نفسه بالحجارة. ترِدُ كلمة التعقّل ملازمةً لكلمة الحشمة في أكثر من مرّة في الكتاب المقدس. فبولس يعلّم تيموثاوس أنّ الأسقف أو الشيخ أو القسيس يجب أن يكون عاقلًا محتشمًا، كما يطلب من النساء أن "يزيّن ذواتهنّ بلباس الحشمة مع ورعٍ وتعقُّل"، فالحشمة انعكاسٌ طبيعيّ لاستخدام العقل. لم يخلق الله أجسادنا للعرض وإنما لنمجّده فيها.

5- العقل في العبادة
نبوخذنصّر نفسه الذي ذكرته في قصة دانيآل، عاقبه الله على كبريائه، فصار يعيش بين الحيوانات إلى أن تواضع وانكسر أمام الله واعترف بسلطانه فقال، "رفعتُ عينيّ إلى السماء، فرجعَ إليّ عقلي وباركْتُ العليّ وسبّحْتُ وحمدتُ الحيَّ إلى الأبد الذي سلطانُهُ سلطانٌ أبديّ وملكوتُهُ إلى دورٍ فدَوْرٍ." (دانيآل 34:4)
وبولس عندما عالج موضوع التكلّم بالألسنة في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس شدّد على أهمية فهم ما نقول، "أصلّي بالروح وأصلّي بالذهن أيضًا. أرتّل بالروح وأرتّل بالذهن أيضًا." إذا كانت كلمات الترنيمة غير صحيحة فلا غرابة أن نجد صعوبةً في ترتيلها مهما كان لحنها جميلًا. ويدعونا الله للعبادة العقليّة في رومية 12، فنحن نعبد الله من كلِّ الفكر والذهن، والوصيّة الأولى هي أن نحبّ الرب إلهنا من كل الفكر.

كيف نتعقّل؟
ينمو الطفل الرضيع بواسطة الحليب، ونحن أولاد الله ننمو بكلمته فهي "اللبن(الحليب) العقليّ العديم الغشّ." (1بطرس 2:2). وكلامه يعقّلنا كما في المزمور 119 "أكثر من كلّ معلّمي تعقّلتُ، لأنّ شهاداتك هي لهجي... فتحُ كلامِكَ يُنير، يُعقِّلُ الجُهّال." (ع99، 130)
يكتب بطرس الرسول لنا نحن المؤمنين، "وإنما نهايةُ كلِّ شيءٍ قد اقتربَتْ، فتعقّلوا واصحُوا للصّلَوات." (1بطرس 7:4)
يجب أن نصلّي لكي "نعيشَ بالتعقّلِ والبرِّ والتقوى في العالمِ الحاضرِ، مُنتظرين الرّجاءَ المباركَ وظهورَ مجدِ اللهِ العظيمِ ومخلِّصِنا يسوعَ المسيحِ." (تيطس 12:2-13)

المجموعة: آب (أغسطس) 2023

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

177 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10624882