"هل يغيّر الكوشِيُّ جِلدَهُ أو النَّمِرِ رُقْطَهُ؟" (إرميا 23:13)
في هذه الآية من إرميا نلمس المستحيل من سؤالٍ استنكاري؛
فالكوشي الذي من بلاد الحبشة، لا يستطيع أن يغيّر لون جلده الأسود. كما أن النمر لا يستطيع أن يغيّر رقطه.
إلا أننا نرى تحقيقًا لهذا المستحيل في الآيتين التاليتين حيث يقول الوحي: "إذًا إن كان أحدٌ في المسيح فهو خليقةٌ جديدة." (2كورنثوس 17:5) "هأنذا أصنع كلَّ شيءٍ جديدًا." (رؤيا 5:21)
1- المستحيل
هل يستطيع الإنسان بقوَّته ومجهوده، أو بعلمه وتقدُّمِه، أن يغيِّر من طبيعته (أي أن يجعل نفسه بلا خطية)؟! هل يستطيع أن يصبح تمامًا كما أراده الله؟
إن صيغة التساؤل في إرميا 13 تُظهر لنا استحالة ذلك تمامًا، كما يستحيل على الكوشي أن يغيّر لون جلده، كذلك الإنسان لا يستطيع أن يجعل نفسه صالحًا. إلّا أن الإنسان يرفض هذه الحقيقة. وقد ظهرت حركة تُسمّى "العصر الجديد" تنادي بأنّ كلَّ إنسانٍ ما هو إلا إلهٌ صغير في داخله. ومتى أطلق القوّة الكامنة داخله فهو يستطيع أن يُصلح نفسه عن طريق الإله الذي فيه. هو لا يحتاج إلى مخلّص. لكن، هل يستطيع الميِّت أن يقيمَ نفسه أو أن يعمل صلاحًا؟ كلّا، الإنسان الساقط لا يستطيع إلا أن يفعل الخطية. إن الإنسان ليس خاطئًا لأنه يفعل الخطية، بل إننا نفعل الخطية لأننا خطاة.
إن آلاف الأعوام التي عاشها الإنسان في الخطية، جعلت الخطية تتأصَّل كشجرة، وكل فرع من فروعها يصبح جذرًا لشجرة جديدة تتكاثر وتمتدّ. وكلّما أخطأنا مرّة كلّما أصبحت الخطية أكثر سهولة. من المستحيل أن يغيّر الكوشي جلده أو يغيّر الإنسان طبيعته، فقد ماتت هذه الطبيعة بالخطيئة. إذن كيف يتصرّف الإنسان؟
2- تحقيق المستحيل
يقدّم الله للإنسان وسيلة لتحقيق هذا المستحيل من محبته وبنعمته. ففي سفر الأعمال الأصحاح 8 نقرأ عن الوزير الكوشي وزير كنداكة ملكة الحبشة. كان راجعًا من أورشليم، هذا الكوشي تغيّر، ولكن ليس بقوّته، كان يقرأ عن المسيح... عن صلبه وكفّارته وذبيحته وهو لا يعلم: "مثلَ شاةٍ سيق إلى الذبح وكخروف صامتٍ أمام الذي يجزّه فلم يفتح فاه."
ويأخذ روح الله فيلبس من السامرة إلى أورشليم ليرافق مركبة الوزير الحبشي ويسأله: "ألعلّكَ تفهم ما أنت تقرأ؟" فأجاب: "كيف يمكنني إن لم يرشدني أحد؟" وهنا فتح فيلبّس فاه وبدأ يعلّمه. كلّمه عن المسيح وعن كفّارته وفدائه... وهنا تغيّر الكوشي! تغيّر قلبه وفكره وطبيعته الشريرة إلى طبيعة جديدة... تحقّق فيه ما قاله بولس: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة." تحقّق المستحيل! تحقّق بكفارة المسيح وبقوّة صليبه.
يعطينا المسيح مركزًا في الحياة، فهو ينقل مركز الثقل في حياتنا من الإنسان إلى الله... فتدور حياتنا حول الله وحول قدرته، ومحبّته وكفّارته. ويعطينا هذا المركز الجديد، وهذا الهدف الجديد لأن محبة المسيح تحصرنا.
"إن كان أحد في المسيح"، أي إن المسيح هو الجوّ الذي نحيا فيه! وأيضًا يعطينا كائنًا جديدًا يسكن فينا. "مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ."
يعطينا المسيح نظرة جديدة للحياة. نرى كلَّ شيءٍ في صورة جديدة، رغم وجودها كما هي لأننا نراها بصورة مختلفة، بمنظار الله كأنها حلقة متّصلة به.
3- مسؤولية الإنسان
هل يغيّر الكوشي جلده؟ نعم، ولكن ليس بقوَّته بل بكفّارة المسيح. إلا أنه رغم وجود طبيعة جديدة، فإن الإنسان يتعرّض للخطية لعدة أسباب:
1- وجود الطبيعة القديمة... وإن كان قد تغلّب عليها روح الله فآثارها باقية.
2- العادات الشريرة والسيّئة التي عشنا فيها... آثارها باقية أيضًا.
3- لأننا في عالمٍ وُضع في الشرير... ليس الإنسان وحده الذي سقط بسقوط آدم بل الطبيعة كلّها سقطت... فنحن نعيش في عالمٍ ساقط.
نعم، انتصر المسيح على العالم والشيطان والخطية لكن لا تزال هناك جيوب للمقاومة في هذا العالم... تقاومنا وتصارعنا... ولكن شكرًا لله فنحن في المسيح منتصرون، بل أعظم من منتصرين، وإن كنا نعيش في العالم.
4- التحقيق الكامل
العالم ليس لائقًا لحياة مقدّسة لخليقة جديدة، ولذلك نجد أن الله الجالس على العرش يقول في سفر الرؤيا: "ها أنا أصنع كل شيء جديدًا" وهذا هو التحقيق الكامل لهذا المستحيل.
"إن كان أحد في المسيح" يتغيّر ليس فقط جلده بل قلبه وحياته.
إن كان هناك من يشعر بأنه عاجز عن إصلاح نفسه فهذه هي الخطوة الأولى لتحقيق هذا المستحيل.
إنها دعوة لكل من يؤمن في قلبه، أن يعترف بفمه وأن يطلب الغفران بدم المسيح. وأن يعيش ويجاهد ضدّ الخطية ويكرّس حياته للتقوى... ثم ينتظر الرجاء المبارك في حياة أبدية مجيدة تتحقّق لنا في المسيح بحسب وعده.
* * * * *
