Voice of Preaching the Gospel

vopg

كاتب هذا المقال هو "الدكتور هوارد ماتزيك" أستاذ علم التشريح في جامعة كانساس، وهو يحلّل فيه علميًّا الآلام الجسدية التي اجتازها المسيح في طريق فدائنا.

قليلون من المسيحيين يقفون ليتأمّلوا الألم الذي قاساه المسيح والذي قال عنه بطرس الرسول: "فإن المسيح أيضًا تألّم مرّة واحدة من أجل خطايانا، البار من أجل الأثمة، لكي يقرّبنا إلى الله، مماتًا في الجسد ولكن مُحْيًى في الروح." (1بطرس 18:3)
هذه كلمات جميلة، تصوِّر خلاصنا الأبدي... وجمال الحبّ الذي صنع خلاصنا يظهر في عُمقه عندما نتأمّل بفهم الآلام الجسدية التي قاساها ربّنا.
ويستحيل تمامًا على الإنسان البشري المائت الخاطئ أن يدرك العذاب الروحي والعقلي الذي اختبره المسيح البار عندما صار لعنةً لأجلنا، ولكننا حين نستعرض الاكتشافات الأثرية والتاريخية، وخاصة معرفتنا لتركيب ووظائف أعضاء الجسم البشري، قد نستطيع أن نوسِّع إدراكنا للآلام الجسدية التي احتملها المسيح في حبِّه لنا "إلى المنتهى."
إن جسدَ المسيح ونفسَه، وحواسَه، وعواطفَه كانت إنسانية تمامًا، ويجب أن نذكر أنها كانت إنسانية تمامًا مثلنا "بلا خطية".

عذابٌ شديد
إن ذروة ساعات آلام المسيح الجسدية بدأت في بستان جثسيماني في الليلة التي قبل الصلب. إنه واضح من الكتاب المقدس أن المسيح تألم آلامًا شديدة في جثسيماني وتعذّبت نفسه بقسوة هناك... ولكن هل يوجد ما يدلّ على آلامه الجسدية؟!
إنه لأمر ذا مغزى أن لوقا الطبيب كان هو البشير الوحيد الذي سجّل في إنجيله هذه الكلمات: "وإذ كان في جهادٍ كان يصلّي بأشدّ لجاجة، وصار عرقه كقطرات دمٍ نازلةٍ على الأرض." (لوقا 44:22) وبينما نجد أن هذه الكلمات قد لا تعني أن عرق المسيح كان في الواقع قطرات دم (فربما كان لوقا يقارن بين حبات العرق وقطرات الدم) فإن ذكر لوقا للدم يبدو من خلاله أن المسيح قد أُصيب بهذه الظاهرة النادرة، المعروفة باسم Hemathidrosis وهي مكوّنة من مقطعين: Hema ومعناها دم، وThidrosis ومعناها عرق، فالكلمة كلها تعني "العرق الدموي".
والعرق الدموي يظهر تحت تأثير الجهاد العقلي الشديد، فالأوعية الدموية التي تغذّي غدد العرق تتّسع ويتدفّق الدم فيها، وأخيرًا تنفجر فتقذف دمًا مخلوطًا بالعرق... والعرق الدموي يجعل الجلد حساسًا للغاية بحيث أن مجرّد اللمس البسيط للملابس يصبح مؤلمًا.
يوجد عامل آخر يؤثر في حساسية الجلد هو توقّع الألم. كلّنا نشعر بالألم أكثر حدّة عندما نتوقّعه أكثر مما لو حدث دون توقّع. هذا مبدأ طبّقه الطغاة في كل العصور على الذين أمروا بتعذيبهم. إن لعقلنا القدرة على إدارة حواسنا، وإحساساتنا، سواء كانت ألمًا، أو رؤية، أو صوتًا، أو شمًّا، أو لمسًا، بحيث يزيد أو يقلّل من حساسيّتها للمؤثّرات.
ألا تستيقظ الأم المُحِبّة من نومها العميق حتى ولو كان طفلها لا يبكي، بينما لا يوقظها صوت ضجيج القطار المار إلى جوار بيتها؟
لقد كان المسيح يعلِّم أنه بعد قليل سيقاسي عذابًا جسديًّا رهيبًا، ونتيجة لهذا فإن حدَّة كلِّ ألمٍ جديد تعرّض له كانت تزداد شدّة.

لطمات حقيقيّة
نقطة أخرى يجب أن نضعها في أذهاننا، أن المسيح بلا شك كان مُتعَبًا جدًا، إن التلاميذ الذين رافقوه إلى جثسيماني لم يستطيعوا أن يمكثوا مستيقظين. أذكر أيضًا أن آخر غذاء تناوله قبل موته، كان في العلِّيَّة. إن المسيح الذي خانه يهوذا بقبلة كان ضعيفًا، مُتعَبًا، حسّاسًا للألم إلى درجة عالية، وخاصة لتوقّعه عذابًا أكثر يقع عليه.
قاده الذين قبضوا عليه أمام السنهدريم للمحاكمة، واتَّهموه بتهمة التجديف "حينئذٍ بصقوا في وجهه ولكموه، وآخرون لطموه." (متى 67:26) كانت هذه اللطمات حقيقيَّة، ولم تكن مجرّد "خبطات خفيفة"، ووسط هستيريا الجمهور التي اتّسعت وسيطرت، يمكننا القول بلا مبالغة إن المسيح لاقى الكثير من الضرب المؤلم.

الجلد
يحتّم القانون الروماني على أن يُحاكم كلّ من ارتكب جريمة تستحقّ الموت. وعلى هذا "ولمّا كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه، فأوثقوه ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطيّ الوالي." (متى 1:27-2) ولم يجد بيلاطس عِلَّة في يسوع، ولكنه إذ أراد أن يرضي المشتكين عليه "فحينئذٍ أخذ بيلاطس يسوع وجلده." (يوحنا 1:19) وعقوبة الجلد كانت تعني أن يُجلد المجرم بما لا يقلّ عن أربعين جلدة بسوطٍ متعدّد الأطراف في نهاية كل طرف عظمة من عظام الكعب تُسمّى Talus ذات مناخس، أو كرة من المعدن المسنّن.
وكان الشخص المحكوم عليه يُجرَّد من ملابسه ويُربط إلى خشبة، ومع كل جلدة تلفّ سيور السوط حول الجسد ممزّقة الجلد وتاركة آثارها العميقة المسمّاة "بالحبر"، وبغير شك أن الأطراف المدبّبة المعدنية كانت تغوص بعمق في اللحم، زد على ذلك الألم الرهيب الفائق التصوّر. إن يسوع قد فقد من تأثير الجَلدِ الكثيرَ من الدم.

إكليلٌ من الشوك
بعد هذا التعذيب الفظيع "ضفر العسكر إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه، وألبسوه ثوب أرجوان، وكانوا يقولون: [السلام يا ملك اليهود!] وكانوا يلطمونه." (يوحنا 2:19-3) "وكانوا يضربونه على رأسه بقصبة، ويبصقون عليه، ثم يسجدون له جاثين على ركبهم." (مرقس 19:15) وإكليل الشوك أحدث تهتكات شديدة في فروة رأسه وأي فردٍ قاسى من جرح في فروة رأسه يعرف كيف ينزف الجرح بغزارة، وذلك بسبب مرونة فروة الرأس التي تجعل الجروح تتمدّد، وتمنع الأوعية الدموية من الانقباض، ولهذا يتدفّق الدم بكميات كبيرة.
وغالبًا ما تدفَّق الدم على أماكن متعدّدة على وجه المسيح وظهره، فألصق شعره ببعضه وصبغ الرداء الأرجواني. واللطمات التي وجّهها إليه الجنود المتوحّشون أضافت ألمًا مبرحًا إلى آلامه الرهيبة... وبعد هذا الاستهزاء الوحشي "نزعوا عنه الأرجوان." (مرقس 20:15) وبغير شكّ أنهم نزعوا الثوب الأرجواني بقسوة وحشية، وألبسوه ثيابه. وفي هذه الأثناء كان الدم الذي رشح من تأثير الجلدات قد تجمّد والتصق بالثوب الأرجواني فكان نزع هذا الثوب سببًا لفتح الجروح وتجديد النزف.

الصلب
بعد ذلك أمروا المسيح بأن يحمل صليبه إلى مكان يُدعى "الجلجثة]. في هذا المكان كان ينفَّذ حكم الصلب في المجرمين... وكلّ مجرم كان ملزَمًا بأن يحمل صليبه، وكان الصليب من خشب خشن ثقيل يزن أكثر من مئة رطل، ولأن المسيح كان قد ضعف من كثرة ما نزف من الدم، فإن جسده المحطّم من الألم لم يكن كفؤًا لهذا الحِمل الثقيل. ولأن المنوطين بتنفيذ الحكم لم يرغبوا أن يفقدوا فريستهم سريعًا، سخّروا سمعان القيرواني ليحمل الصليب بقيّة الطريق.
وفوق جبل الجلجثة وضعوا الصليب، وأناموا المسيح فوقه على ظهره، وكتفاه فوق الخشبة العليا، ويداه مشدودتان عليها. وفي كلِّ يدٍ وضع الجندي الروماني مسمارًا غليظًا إلى خشب الصليب، وبهذا التصقت يداه بشدّة إلى الصليب، وحين اخترق المسمار اللحم، والعضلات، وأوتار العضلات، فُصِلَ العصب المتوسّط Median nerve وهو العصب الحسي الأساسي لليد.
ثم تقدّم عدد من الجنود القساة، وأمسكوا الصليب من أطرافه، ورفعوه، ورفعوا معه جسد المسيح، حيث وضعوه في مكانه المُعدّ، وثنوا ركبتَي المسيح قليلاً، ثم وضعوا ساقًا فوق ساق، وأنفذوا مسمارًا طويلاً واحدًا في الساقين معًا حتى خشبة الصليب، وهكذا علّقوا المسيح على الصليب الخشن، وتركوا الضحية المقدّسة ليموت هناك.

الموت
أحدث الصلب آلامًا مبرحة لا تُطاق، لأن الجسد كان معلّقًا على المسامير بواسطة اليدين، كما كانت العضلات الممتدّة من الصدر إلى اليدين مشدودة بقوّة، وهي عضلات هامة جدًا للتنفّس... وعلى هذا فإن الصلب منع التنفّس العادي، لأنه جعل الصدر مشدودًا، والتنفّس الضعيف قلّل كمية الأكسجين اللازمة للعضلات، وهذا بدوره أدّى إلى تجميع كمية متزايدة من حمض اللاكتيك Lactic Acid وتبع هذا تقلّص شديد في العضلات.
ولكي يخفّف المصلوب من ألم انفصال الأعصاب وتقلّص العضلات، يلجأ إلى رفع جسده مستخدمًا أظافر قدميه التي لا بدّ أن تحدث ثقوبًا في جلده، وبعد دقائق قليلة يصبح الألم في قدميه غير محتمل، ويرتخي الجسد مرة أخرى. ولقد احتمل المسيح هذا العذاب المؤلم ستّ ساعات ثم أسلم الروح.
والتعليل الطبي لهذا الموت الطبيعي السريع هو الاختناق Asphyxia إذ لم يعد جسده يحصل على الكمية الكافية من الأكسجين لاستمرار الحياة.
وعند الوفاة، فإن تقلّص العضلات، قد يؤدّي إلى تقلّص الجسد، وترتمي الرأس إلى الأمام، بسبب شدّ العضلات الممتدّة من الأيدي والصدر إلى الرقبة.
ويوحنا الذي راقب يسوع وهو يموت، كتب قائلاً إن يسوع أسلم نفسه للموت برضاه لأنه رأى أن كل شيء قد كمل "فلما أخذ يسوع الخلّ قال: [قد أُكمل]. ونكَّس رأسه وأسلم الروح." (يوحنا 30:19) وأضاف يوحنا أيضًا الكلمات: "لأن هذا كان ليتمّ الكتاب القائل: [عظمٌ لا يُكسر منه]." (يوحنا 36:19) ولكي يتمّ هذا الكلام، كان لا بدّ أن يموت المسيح قبل غروب الشمس كما قال البشير: "فأتى العسكر وكسروا ساقَيِ الأول والآخر المصلوب معه. وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه، لأنهم رأوه قد مات. لكن واحدًا من العسكر طعن جنبه بحربة، وللوقت خرج دم وماء." (يوحنا 32:19-34)

دمٌ وماء
لما كان سبت الفصح العظيم يبدأ عند غروب الشمس، فقد قصد كهنة اليهود أن تنتهي عملية الصلب قبل غروب الشمس، وكَسرُ ساقَي المصلوب يعجّل بوفاته، لأن المصلوب لن يستطيع بعد هذا أن يرفع جسده، لكي يتنفّس وبهذا يموت بسرعة من الاختناق. لكن المسيح كان قد مات، ولم يكن هناك داعٍ لكسر ساقيه وبهذا تمّ الكتاب.
ومع هذا فإن جنديًا طعنه بحربة في جنبه، وقد دفعها للأمام من تحت الضلوع ويبدو أنها نفذت إلى القلب مما يفسّر خروج الدم... والقلب محاط بغشاء هو الـ Pericardium وهو يفرز كمية قليلة من سائل مائي عملها "تزييت القلب"، وتحت تأثير الإجهاد الشديد قد تتجمّع كمية أزْيَد من هذا السائل وهذا ما يفسّر خروج الماء الذي ذكره يوحنا الرسول.
وخلال التاريخ، صُلِبَ أناس كثيرون، وبعضهم ضُربوا، وعانوا أنواعًا من الإذلال، وربما أُصيب البعض بالعرق الدموي واجتازوا عذابًا مريرًا، ومع ذلك فمن المشكوك فيه أن يكون قد حدث لكثيرين أو لأحد على الإطلاق، مثلما حدث للمسيح من أنواع العذاب المختلفة في الوقت القصير الذي تعذّب فيه مخلّصنا.
أضف إلى هذه الآلام، العذاب الذي لا يمكن تصوّره الذي اختبره المسيح في نفسه بحمله خطايا العالم.
نحن نعلم أن المسيح يقف وحده باعتباره "رجلُ أوجاعٍ ومختَبِرُ الحَزَن." (إشعياء 3:53)
حقًا إنه لا بدّ أن المسيح قد أحبنا كثيرًا – وما زال يحبنا!
إننا لا نستطيع أن نحبّه بذات الحب الذي أحبنا به، لكننا نستطيع أن نحبّه ونثق فيه ونخدمه في ملكوته، ونشترك معه في إتمام غرضه في فداء العالم الهالك، هذا الغرض الذي هو: "السرور الموضوع أمامه" والذي من أجله "احتمل الصليب مستهينًا بالخزي."

المجموعة: نيسان (إبريل) 2023

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

371 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10632084