هذه الرسالة هي الأولى لسنة 2010.. ولذا فهي رسالة ذكريات وتطلعات.. أما الذكريات فهي ترتبط بالعام الماضي، وأما التطلعات فهي ترتبط بالعام الجديد.
أولاً: الذكريات
اجلس مع نفسك، وراجع ما حدث في العام الماضي في حياتك.. جلس داود الملك مع نفسه يذكر أحداث سنة كاملة في حياته، ووجد أن الرب تعهّد الأرض وجعلها تفيض بالخيرات، وأن "سواقي الله ملآنة ماء" ، فأمسك بعوده ورنّم: "كللت السنة بجودك وآثارك تقطر دسماً" (مزمور 9:65 و11).
رأى داود الملك أن الرب كلل السنة الماضية بجود الغفران
فقد غفر الرب خطاياه التي ارتكبها في حماقته واعترف بها له..
ويقيناً أن الله كلّل سنتك الماضية بجود الغفران، والغفران هو النعمة التي لو تمتّع بها بهوذا لأضحى على رأس قائمة الرسل... ولو حُرم منها بطرس لأضحى في مكان يهوذا.
رأى داود الملك أن الرب كلل السنة بجود الإحسان
يقول إرميا النبي: "إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ" (مراثي إرميا 22:3-23).
ويقول بولس الرسول: "لأَنَّنَا كُنَّا نَحْنُ أَيْضًا قَبْلاً أَغْبِيَاءَ، غَيْرَ طَائِعِينَ، ضَالِّينَ، مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَائِشِينَ فِي الْخُبْثِ وَالْحَسَدِ، مَمْقُوتِينَ، مُبْغِضِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا. وَلكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (تيطس 3:3-5).
أي إحسان أعظم من إحسان الله الذي خلصنا من الغباء، والضلال، والعبودية للشهوات المختلفة، والخبث، والحسد، والبغضة، وولدنا ثانية لرجاء حي لميراث لا يفنى ولا يتدنّس ولا يضمحلّ.
رأى داود الملك أن الرب كلّل السنة بجود التعزية في الأحزان
كتب بولس الرسول للقديسين في كورنثوس قائلاً:
"مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ. لأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ الْمَسِيحِ فِينَا، كَذلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضًا"
(2كورنثوس 3:1-5).
من منا لم يمرّ في تجارب وأحزان خلال العام الماضي؟! لكن الله الذي عنده العزاء لكل أنواع الضيقات والأحزان.. كلّل السنة بجود تعزيته لنا في الأحزان. فاذكر جود الله في السنة الماضية.. جود الغفران.. وجود الإحسان.. وجود التعزية في الأحزان.
ثانياً: التطلعات
الآن وأنت تبدأ العام الجديد، تطلع إلى ما أعدّه لك الله فيه. قال الرب لشعبه وهو على أبواب امتلاك الأرض التي وعدهم بها:
1) "لأَنَّ الأَرْضَ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا لَيْسَتْ مِثْلَ أَرْضِ مِصْرَ الَّتِي خَرَجْتَ مِنْهَا، حَيْثُ كُنْتَ تَزْرَعُ زَرْعَكَ وَتَسْقِيهِ بِرِجْلِكَ كَبُسْتَانِ بُقُول"
(تثنية 10:11)
في أرض مصر عاش الإسرائيليون حياة العبودية والمشقة "كُنْتَ تَزْرَعُ زَرْعَكَ وَتَسْقِيهِ بِرِجْلِكَ"... لكن الرب أعطاهم أرضاً ليست مثل أرض مصر.. فالعام الجديد لن يكون عام العبودية، والتعب، والمشقة، والاتكال على المجهود البشري، لكنه سيكون مختلفاً تماماً، وهذا أول ما يجب أن تتطلّع إليه كخادم للإنجيل.
2) "بَلْ الأَرْضُ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكُوهَا، هِيَ أَرْضُ جِبَال وَبِقَاعٍ. مِنْ مَطَرِ السَّمَاءِ تَشْرَبُ مَاءً" (تثنية 11:11)
ستدخل عاماً جديداً.. تختبر فيه الحياة في الجبال والبقاع.. ستجد في بعض الأوقات أنك مرفوع على الأذرع الأبدية، قلبك ملآن بالفرح، وحياتك تظهر فيها قوة الروح القدس.. أنت تعيش في هذه الفترة على الجبال، وتغنّي مع كاتب المزمور مردّداً: "أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ، مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي! مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. لاَ يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلُّ. لاَ يَنْعَسُ حَافِظُكَ. إِنَّهُ لاَ يَنْعَسُ وَلاَ يَنَامُ حَافِظُ إِسْرَائِيلَ. الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ الْيُمْنَى..."
(مزمور 1:121-8).
وحين تكون عائشاً على الجبال.. افتقد المحتاجين إلى نعمة الله.. افتقد الشباب الذي أضلّته المدنيّة بكل مباهجها.. افتقد البنات اللواتي يسرن في طريق الانحراف، وقد فقدن كل مقوّمات العفاف.. افتقد الأسر التي انتشرت فيها الخيانات الزوجية، وحالات الطلاق.. لتكن خدمتك وأنت في اختبار الحياة فوق الجبل خدمة حماية شعبك والذين في دائرة خدمتك من التدهور والانحراف.. فخدمة الحماية في هذه الأيام التي تفقد فيها الكنائس عدداً غير قليل يتركونها ليتبعوا ديانات أخرى، أصبحت مسئولية كل خادم للإنجيل لا سيما الذين ارتفعوا إلى اختبار الحياة فوق الجبال.
لكن السنة الجديدة ستكون أرض "بقاع"، أو بعبارة أخرى أرض وديان.. وحين تدخل اختبار الحياة في الوديان ستشعر بالفشل، والإحباط، وسيسمح الرب لك أن تختبر الحياة في الوادي لتتكّل عليه وحده، ولكي لا يرتفع قلبك.
فهناك وادي البكاء (مزمور 6:84)، وهناك وادي الخيانة (هوشع 15:2)، وهناك وادي ظل الموت (مزمور 4:23)، وهناك وديان أخرى...
والسنة التي أنت داخل إليها سنة جبال، ووديان، وكما تنتعش وتفرح بالحياة فوق الجبال، فستكتئب وتحزن أثناء الحياة في الوديان... لكن الدرس الذي يريد الرب أن يعلّمك إياه أن الحياة فيها الحلو والمرّ، الفرح والحزن، النجاح والفشل... لكن في مختلف الظروف فهي سنة.. من مطر السماء تشرب ماء.. فهي لا تتكل على الموارد الأرضية بل على الموارد السماوية.
3) "أَرْضٌ يَعْتَنِي بِهَا الرَّبُّ إِلهُكَ. عَيْنَا الرَّبِّ إِلهِكَ عَلَيْهَا دَائِمًا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ إِلَى آخِرِهَا"
(تثنية 12:11)
هذا وعد جميل للسنة الجديدة.. فهي السنة التي ستختبر فيها العناية الإلهية، فالإله الذي يعتني بصغار الغربان التي تصرخ، وبالعصافير، سيعتني بك، وطوبى لمن يعيش تحت عناية ورعاية الرب.
وهي السنة التي ستكون تحت عيني الرب "عَيْنَا الرَّبِّ إِلهِكَ عَلَيْهَا دَائِمًا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ إِلَى آخِرِهَا ".
وعين الرب الراعية تعني الإرشاد "أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ" (مزمور 8:32).
وعين الرب الساهرة تعني الحفظ "احْفَظْنِي مِثْلَ حَدَقَةِ الْعَيْنِ. بِظِلِّ جَنَاحَيْكَ اسْتُرْنِي" (مزمور 8:17).
وعين الرب الساهرة تعني الحماية ”أَحَاطَ بِهِ وَلاَحَظَهُ وَصَانَهُ كَحَدَقَةِ عَيْنِهِ“ (تثنية 10:32).
فيا خادم الإنجيل، في بداية هذا العام الجديد قف وقفة ذكريات، ووقفة تطلعات.. اذكر جود الرب، وتطلع إلى الحياة في العام الجديد... وكل سنة وأنت في صحة، وبركة وسلام.
والرب يباركك.
شريككم في الخدمة المقدسة
القس لبيب ميخائيل
