من حين لآخر، على خادم الإنجيل أن يأتي إلى موضع خلاء ليفكر ويتأمل في العالم غير المنظور. "وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ" (2كورنثوس 18:4). الآن دعنا نذهب معًا لنرى مناظر من العالم غير المنظور:
المنظر الأول في سفر أيوب، وقد تكرر مرتين:
"وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟ فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟ أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ. وَلكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ. ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ" (أيوب 6:1-12).
هذا المنظر يرينا ما يلي:
1- أن اجتماعات السماء يدور حديثها عن سكان الأرض.
2- أن عمل الشيطان هو الجولان في الأرض والتمشي فيها.
3- أن الله يتحدّى الشيطان بقديسيه الذين يتقونه.
4- أن الذين يتقون الله في الأرض أقلية لا يكاد يشعر بوجودها أحد. "أَيُّوبَ (وحده)... لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ".
5- أن الشيطان قابل تحدّي الله بادّعاء أن ديانة أيوب ديانة تجارية.
6- أن الشيطان لا يقدر أن يهاجم أحد قديسي الله إلا بسماح من الله.
7- أن هجوم الشيطان على القديسين رهيب ومخيف.
8- أن الكتاب المقدس موحى به من الله، فبدون وحي إلهي ما عرفنا شيئًا من العالم غير المنظور.
المنظر الثاني في سفر الملوك الأول
تحالف يهوشافاط ملك يهوذا مع أخآب ملك إسرائيل ليحاربا ملك آرام ويأخذا راموت جلعاد. وقال يهوشافاط لأخآب: "اسْأَلِ الْيَوْمَ عَنْ كَلاَمِ الرَّبِّ. فَجَمَعَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ الأَنْبِيَاءَ، نَحْوَ أَرْبَعِ مِئَةِ رَجُل وَقَالَ لَهُمْ: أَأَذْهَبُ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ لِلْقِتَالِ أَمْ أَمْتَنِعُ؟ فَقَالُوا: اصْعَدْ فَيَدْفَعَهَا السَّيِّدُ لِيَدِ الْمَلِكِ" (1ملوك 6:22).
لم يكتفِ الملك يهوشافاط بكلام هؤلاء الأنبياء، "فَقَالَ يَهُوشَافَاطُ: أَمَا يُوجَدُ هُنَا بَعْدُ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ فَنَسْأَلَ مِنْهُ؟ فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيَهُوشَافَاطَ: إِنَّهُ يُوجَدُ بَعْدُ رَجُلٌ وَاحِدٌ لِسُؤَالِ الرَّبِّ بِهِ، وَلكِنِّي أُبْغِضُهُ لأَنَّهُ لاَ يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ خَيْرًا بَلْ شَرًّا، وَهُوَ مِيخَا بْنُ يَمْلَةَ" (1ملوك 7:22-8).
وجاء النبي ميخا بن يملة "وَقَالَ: فَاسْمَعْ إِذًا كَلاَمَ الرَّبِّ: قَدْ رَأَيْتُ الرَّبَّ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَكُلُّ جُنْدِ السَّمَاءِ وُقُوفٌ لَدَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ. فَقَالَ الرَّبُّ: مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ؟ فَقَالَ هذَا هكَذَا، وَقَالَ ذَاكَ هكَذَا. ثُمَّ خَرَجَ الرُّوحُ وَوَقَفَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: أَنَا أُغْوِيهِ. وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: بِمَاذَا؟ فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ. فَقَالَ: إِنَّكَ تُغْوِيهِ وَتَقْتَدِرُ، فَاخْرُجْ وَافْعَلْ هكَذَا"
(1ملوك 19:22-22).
مرة أخرى نرى أن اجتماعات السماء اهتمامها الدائم يدور حول سكان الأرض.
وفي هذا المنظر السماوي نرى أن الأنبياء الكذبة، هم الذين يضع الشيطان روح الكذب فيهم... كما نرى الأغلبية من الأنبياء الذين عاصروا الملك أخآب كانوا أنبياء كذبة. نبي واحد صادق هو "ميخا بن يملة"، والباقون يتنبأون بوحي الشيطان. وهذا يدفعنا لطلب روح التمييز من الرب.
المنظر الثالث نقرأ عنه في 2كو 12 في كلمات بولس الرسول
"إِنَّهُ لاَ يُوافِقُنِي أَنْ أَفْتَخِرَ. فَإِنِّي آتِي إِلَى مَنَاظِرِ الرَّبِّ وَإِعْلاَنَاتِهِ. أَعْرِفُ إِنْسَانًا فِي الْمَسِيحِ قَبْلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. أَفِي الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ. اخْتُطِفَ هذَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. وَأَعْرِفُ هذَا الإِنْسَانَ: أَفِي الْجَسَدِ أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ. أَنَّهُ اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا" (2كورنثوس 1:12-4).
وفي هذا المنظر السماوي نرى أن بولس،
1- عرف المدة التي قضاها مع الرب قبل هذا الاختبار، "أربع عشرة سنة".
2- وأن هناك حياة في الجسد وحياة خارج الجسد... وهذا يؤكد أن الموت ليس آخرة حياة الإنسان.
3- وأن بولس اختُطف إلى "السماء الثالثة... الفردوس".
4- وأن بولس سمع خلال هذا الاختبار الفريد "كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا". والسبب أنه ليس في مفردات اللغات البشرية ما يعبر عن ما سمعه بولس... ولذا فبولس هو الوحيد الذي سمع هذه الكلمات.
المنظر الرابع في سفر رؤيا يوحنا
"وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ، وَحَارَبَ التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ وَلَمْ يَقْوَوْا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي السَّمَاءِ. فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ" (رؤ 7:12-9).
في هذا المنظر نرى الحرب التي دارت أو ستدور بين ميخائيل وملائكته والتنين وملائكته.
ونعرف أسماء الشيطان مجتمعة، فهو:
1- التنين العظيم
2- الحية القديمة التي سكنها الشيطان واستخدمها في غواية حواء
3- إبليس
4- الشيطان
5- الذي يضلّ العالم كله
6- المشتكي على القديسين (رؤ 10:12).
ونعرف أن وجوده في السماء جعل السماء غير طاهرة في عيني الرب (أيوب 15:15).
ونرى نهاية الشيطان، الطرد من السماء، ثم يلقى في بحيرة النار ليبقى هناك إلى أبد الآبدين (رؤيا 10:20).
فيا خادم الإنجيل، هل استمتعت معي بهذه الرحلة التي رأينا فيها مناظر من العالم غير المنظور؟
شريكك في الخدمة المقدسة
القس لبيب ميخائيل
