Voice of Preaching the Gospel

vopg

في هذا المقال القصير أودّ أن أتحدث عن وزنة المحبة التي هي جزء لا يتجزّأ من الحياة المسيحية بل الصفة الغالبة على نسيج العلاقة المسيحية في الكنيسة وخارجها. وهي لا تقتصر على أعضاء الكنيسة فقط بل هي صفة ملازمة حيّة في عمل الرعاية، بل إن شئت، هي ضرورة حتمية في حياة راعي الكنيسة وفي خدمته.

وأرغب هنا أن ألقي بعض الأضواء على هذا الاصطلاح الهام لنتعرّف على طبيعة المحبة الحقيقية التي تختلف كليًا عما ألفه الناس من صيغ المحبة أو مفاهيمها.
ورد في رسالة يوحنا الأولى 7:4-10 ما يلي: “أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا.»
مع أن هذه الرسالة موجهة إلى الكنيسة بعامة، فإن لها مغزاها العميق في حياة الرعاة الذين يحملون في قلوبهم مسؤولية الخدمة بين أعضاء كنائسهم الذين أصبحوا جسدًا واحدًا في المسيح على الرغم من خلفياتهم الاجتماعية، والدينية، والاقتصادية، والعلمية وربما السياسية أيضًا. ولا ريب أن مثل هذه المهمة تقتضي جهودًا جبارة للعمل على خلق جوٍّ من الاتحاد والانسجام بين أفراد الرعية.
إن جميع كتّاب العهد الجديد بإيحاء من الروح القدس قد أشاروا إلى هذه الخاصة الروحية التي يمكن أن تتجسّد فعلاً حيًا في حياة الخادم وفي نموّ الكنيسة، لأن الكنيسة المجردة من المحبة هي كنيسة ميتة لم تثبت في المسيح: «نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة، لأننا نحب الإخوة. من لا يحب أخاه يبقَ في الموت. كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس.» (1يوحنا 14:3-15)
إن أعضاء الكنيسة يتمثّلون عادة براعيهم، والناس كما جرى المثل العربي «على دين ملوكهم.» لهذا تقع على أكتاف الرعاة مسؤولية كبرى في ممارسة هذه المزية التي هي من أبرز أثمار الروح لأن المحبة تدوم إلى الأبد. وكما يقول الرسول بولس عن ثمار الروح: «وأعظمهن هي المحبة.» ففي السماء بعد الموت لا رجاء، لأن الرجاء يكون قد تحقق، ولا إيمان، لأن الإيمان قد أصبح يقينًا، أما المحبة فهي التي تتصف بالديمومة؛ والسبب: لأن الله محبة.
لهذا على الراعي، في الدرجة الأولى، أن يكون المثل الأرضي الأعلى للمحبّة في كنيسته. وهنا ألمع إلى أبرز خصائص هذه المحبة المقدسة التي يجب أن تتألق في حياة الخادم ومن ثمّ في سلوك ومواقف المؤمنين الأعضاء:

1. هي تلقائية
أي إنها تعبّر عن نفسها بصورة تلقائية لأنها متولدة عن الطبيعة الجديدة التي صارت لها في المسيح. فكما أن من شأن الوردة أن يضوع عبيرها في الفضاء من غير جهد أو إرغام، فإن المحبة المسيحية هي نظير هذه الزهرة الحية. إن الإنسان المؤمن بالمسيح أصبح خليقة جديدة لأنه مولود من فوق، فالخليقة القديمة بكل ما فيها من شر وفساد قد مضت «وهوذا الكل قد صار جديدًا» ومن جملتها رائحة المسيح الزكية. إن المحبة في حياة الإيمان هي تلقائية وإعلان صارخ عن انتصار الحياة على الموت. وتجليها في حياة الراعي هو أبلغ شاهد على عمل الروح القدس في حياته، ومصدر تشجيع للكنيسة.
ورد في سفر الرؤيا 4:2 ما قاله الملاك إلى راعي كنيسة أفسس، بعد أن عدّد ما يتمتّع به من صفات: «ولكن عندي عليك: أنك تركت محبتك الأولى. فاذكر من أين سقطت وتب، واعمل الأعمال الأولى...» إن فقدان المحبة في حياة الراعي، وبالتالي في خدمة الكنيسة هو بادرة من بوادر الموت الروحي.

2. هي عملية
المحبة المسيحية الحقيقية هي محبة عملية. والمحبة العملية ذات وزن ثقيل لأنها لا تقوم على الكلام الهراء، أو تتحوّل إلى طبل أجوف ذي ضجيج من غير أن تجدي. ولقد ضرب لنا الرسول يوحنا مثلاً في رسالته الأولى 17:3 «وأما من كان له معيشة العالم، ونظر أخاه محتاجًا، وأغلق أحشاءه عنه، فكيف تثبت محبة الله فيه؟»
هذه الصورة تنبر عن مواقف عملية في حياة الإيمان المسيحي. إن الله لا يطالبنا بالمحبة الجوفاء، بل يدعونا راعيًا ورعية أن نكون عمليين في محبتنا، وصادقين في الإعراب عنها. ومن هنا، فإن موقف الراعي في مثل هذه الظروف يترك أثرًا كبيرًا في نفوس الأعضاء إذ يكون هو قائدهم في ميدان المحبة العملية. ولا تقتصر المحبة العملية على الظروف المالية، بل تتَّسع لكل مناحي الحياة من زيارة المرضى والتعزيات، والتشجيع، والمشاركة العملية في أحزان الآخرين وغيرها من الأحوال التي تستدعي معاضدة كل من يحتاج إلى معاضدة.

3. هي متسامية
أي إنها تسمو فوق الحزازات. إن محبة الراعي للرعية تستوجب أن تكون شاملة للكل وحتى للذين يضمرون له بعض الجفاء. إن المسيح أحب خاصته إلى المنتهى، وأعضاء كل كنيسة مؤمنة هم خاصة الراعي، وعليه أن يكون مفعمًا بالحب لا يميِّز بين عضو وآخر. فالمحبة المتسامية هي محبة بنّاءة تسعى دائمًا للتوفيق والتوحيد وتأليف القلوب، وتقوية أواصر الإخوة المسيحية. لا يجوز للراعي قط أن يكون طرفًا في الخلافات التي قد تنشب بين أعضاء كنيسته. فبالإضافة إلى رسالة التوبة والخلاص التي يحملها، ويكرز بها، فهو أيضًا داعية محبة لتقوية بنيان جسد المسيح المقدس. وحين يصبح الراعي طرفًا في النزاع تنهار أسس المحبة التي تقوم عليها الكنيسة.
إن المتأمل في حياة المسيح على الأرض لا يجد حالة واحدة كان فيها المسيح طرفًا في أي نزاع نشب بين تلاميذه بل كانت مواقفه جميعًا
مواقف تسعى لترميم ما ساء من علاقات، ومصدر سلام. كان حكمًا مقسطًا شملت محبته الجميع حتى أعداءه الذين صلبوه.

4. هي واعية
أي ليست عمياء أو متحيّزة. من شأن كل راعٍ أن يكون واعيًا لكل ما يدور في كنيسته من أحداث ومنازعات، أو خلافات عقائدية أو أخلاقية وغيرها من الأمور التي يمكن أن تنخر في شجرة الكنيسة. وعليه — في هذه الحالات — أن يتخذ مواقف تقوم على أساس كتابي وليس على آراء شخصية؛ فالراعي المخلص هو من يحمل على منكبيه مسؤولية المحافظة على مصداقية كلمة الله وعلى كل ما يمجد الرب إلهه، ودستوره في ذلك هو الكتاب المقدس.
إن مثل هذه الظروف تتطلب كثرة من الصلاة والاسترشاد بعمل الروح القدس. لهذا على الراعي أن يتخذ مواقف حق مهما كانت مؤلمة أحيانًا ولو كانت ضدّ أعزّ الناس إليه، لأن طاعة الرب تأتي أولاً في حياة الراعي كما في حياة كل مؤمن. لا تعني هذه المواقف الحازمة أن الراعي قد فقد محبته تجاه من أساؤوا إلى الخدمة، ولكن مهمته في هذه الحالة، هي في المحافظة على نقاء الكنيسة من شوائب الفساد التي أخذ يتسرّب إليها وفقًا لما نصّ عليه الكتاب المقدس.
إن الوعي هنا وعيٌ روحيٌ وكتابيٌّ يقوم على المسؤولية التي عهد بها الرب إليه في خدمة الكنيسة التي يرعاها.
ولكن في جميع ظروفنا هذه، كرعاة، علينا أن نظلّ متمسكين بالمحبة التي ولدنا فيها كخليقة جديدة ونمارسها لأنه الله محبة.

أخوكم في الخدمة،
صموئيل عبد الشهيد

المجموعة: 2016

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

66 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10607857