Voice of Preaching the Gospel

vopg

لست أريد أن يكون حديثي في هذه الفرصة عظة أو خطابًا، بقدر ما أرجو أن يكون عهدًا بيننا، وتذكيرًا لنا. ذلك لأننا في صخب الحياة المدنية، وفي زحمة المشاغل الدنيوية، يبدو أننا قد نسينا رسالتنا ومسؤوليتنا كمؤمنين، وأصبحنا – على أحسن الفروض – نعيش أنانيين نتمتّع بالشركة الروحية الجميلة معًا دون أن نخبر بكم صنع الرب بنا ورحمنا، ودون أن نربح نفوسًا للمسيح.

ولنذهب معًا أولاً إلى بحر الجليل حيث كان يسوع ماشيًا عندما أبصر سمعان الذي يقال له بطرس وأندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر، فإنهما كانا صيادين. "فقال لهما يسوع: هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس. فللوقت تركا الشباك وتبعاه." (متى 19:4) ولست أظن أن دعوة المسيح هذه كانت مفاجئة لهما، لأن المسيح لم يكن غريبًا عنهما. لقد كانا من تلاميذ يوحنا، وسبق أن شاهدا يوحنا وهو يشير إلى يسوع قائلاً إنه حمل الله وابن الله. والتقيا بيسوع وآمنا أنه المسيا. وهنا نراه يدعوهما إلى خطوة أخرى في طريق الحياة الروحية وهي الخدمة وحمل رسالة صيد النفوس وربحها له.
ثم التقى يسوع بأخوين آخرين هما يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما؛ ولما دعاهما للوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه. لكننا نلاحظ أن يسوع لم يقل لأولئك الرجال الأربعة: إن لي نظامًا لاهوتيًا معينًا، أو إن لي نظريات أخلاقية معينة أرجو أن نناقشها سويًا، ولكنه اكتفى بالقول "هلم ورائي." وقد جذبت هذه الكلمة أولئك التلاميذ. ولا شك أنهم جُذبوا إلى شخص المسيح الذي يفيض حبًا وعطفًا وحنانًا. إننا نعجب بيسوع عندما نسمع أقواله، وندهش له عندما نرى معجزاته، لكننا نحبه عندما ننجذب إلى شخصه.
والدعوة للخدمة هي: امتياز عظيم، والتزام خطير، وفن رفيع، ومكسب مجيد.

أولاً: الخدمة امتياز عظيم
إن امتياز الخدمة هو لجميع المؤمنين، وليس وقفًا على طبقة معينة. وقد اختار المسيح من بين تلاميذه هؤلاء الصيادين لكي يؤكد لنا أن خدمته ليست قاصرة على أصحاب العقول الضخمة أو الإمكانيات الجبارة، ولكنها امتياز وشرف حتى لأفقر الفقراء وأبسط البسطاء. فلم يكن هؤلاء التلاميذ من طبقة أرستقراطية. كانوا أناسًا عاديين. والله يختار جهال العالم ليخزي الحكماء، ويختار ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء، ويختار أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود. إننا لا ينبغي أن ننظر إلى خدمة الله باعتبارها شيئًا نمنّ به نحن على الله بل باعتبارها امتيازًا عظيمًا يمتّعنا الله به. وفي هذا يقول الرسول بولس: "لأنه إن كنت أبشّر فليس لي فخر."
إن المؤمن الحقيقي لا ينظر إلى الخدمة باعتبارها مجرد واجب يؤديه، بل إنه يعتبرها امتيازًا يحق له أن يتمتّع به. وإذا كانت المحبة هي أعظم قيمة في المسيحية، فإن الخدمة هي أعظم شرف. وخدمة صيد النفوس للمسيح هي أشرف أنواع الخدمات. وحتى إذا كان طريق الخدمة حافلاً بالإهانات والازدراء من الناس، فما أسعدنا عندما نُحسب مستأهلين أن نهان لأجل اسمه!
إن الدعوة للخدمة امتياز عظيم لأنها ترفع قدر حياتنا وتجعلها ذات قيمة، وترفع من قدر حرفة الحياة فتجعلها مجرد وسيلة لتحقيق هدف الحياة الأسمى.

ثانياً: الخدمة التزام خطير
إن المؤمن الحقيقي لا يستطيع أن يعيش بدون خدمة، تمامًا كما أنه لا يستطيع أن يعيش بدون تنفس. ولهذا يقول الرسول بولس: "لأنه إن كنت أبشر فليس لي فخر، إذ الضرورة موضوعة عليّ، فويل لي إن كنت لا أبشّر."
إن خدمة صيد النفوس للمسيح التزام خطير لأنه لا يوجد في العالم أهم من نفس الإنسان. قال فكتور هيجو: "يوجد أعظم من المحيط – السماء، ويوجد أعظم من السماء – نفس الإنسان." نعم، "لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟" بل أولم يأتِ ابن الله من السماء لكي يطلب ويخلص نفس الإنسان؟ لذلك كان ربح النفوس هو أهم رسالة، وأعظم خدمة في الحياة.
والخدمة التزام خطير قد يتطلب منا أن نضحي بحرفة الحياة كما فعل بطرس وأندراوس، وقد يتطلب منا أن نضحي إلى جانب حرفة الحياة بروابط العواطف الجسدية كما فعل يعقوب ويوحنا. وليس معنى هذا أن نتخلّى عن التزاماتنا وواجباتنا المادية أو الأسرية، ولكن معنى هذا أن يكون لدينا الاستعداد الدائم لطاعة الدعوة للخدمة ولتنفيذ مشيئة الله في الحال. وفي هذا يقول الرب: "إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضًا، فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا. ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا."
ولكن هذا لا يعفينا من مسؤولية صيد نفوس الأهل والمقربين وربحهم للمسيح. "إذًا نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله." ولنذهب إلى العالم أجمع ولنكرز بالإنجيل للخليقة كلها. هذا التزام كل مؤمن، وليس التزامًا قاصرًا على رجال الدين أو الخدام المفرزين.

ثالثاً: الخدمة فن رفيع
إذا كان صيد السمك حرفة تتطلب مهارة، فإن صيد النفوس فن يتطلب حكمة. ورابح النفوس حكيم. يتحدث الرسول بولس عن فن الخدمة وأسلوبها فيقول: "فإني إذ كنت حرًا من الجميع، استعبدت نفسي للجميع لأربح الأكثرين. فصرت لليهود كيهودي لأربح اليهود. وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس... صرت للكل كل شيء، لأخلص على كل حال قومًا." (1كورنثوس 19:9-22)
وليس معنى هذا أن يكون المؤمن في خدمته منافقًا يمشي مع كل تيار، بل أن يكون حكيمًا لبقًا يتفاهم مع كل واحد بقدر استطاعته، ويواسي كل واحد بقدر طاقته. وهو ما عبر عنه أحدهم بأنه "فن التوافق والانسجام مع الناس لربحهم للمسيح." وصياد النفوس لا بد أن يكون:
1- محبًا مضحيًا: فنحن نفشل في ربح النفوس إذا اقتصرت خدمتنا على المِيل الأول – ميل الواجب. لكننا ننجح في ربحها إذا كنا نذهب معها المِيل الثاني – ميل المحبة والخدمة والتضحية. "ولكنني لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله."
2- صبورًا مثابرًا: فصياد السمك يجب أن يكون صبورًا ينتظر بطول أناة وصبر إلى أن يُمسك الطعم بالسمكة فيجذبها إليه. وصياد النفوس يجب أن يقدم الرسالة، ويلقي الكلمة، وينتظر بصبر عمل روح الله في القلوب. وعندما نتعب الليل كله ولا نمسك شيئًا، فلنسمع صوت المسيح قائلاً: "اُبعدوا إلى العمق وألقوا شباككم للصيد."
3- متواضعًا منكرًا لنفسه: إن صياد النفوس الحكيم لا يمكن أن يُظهر ذاته أو يتفاخر بكثرة أو عظمة مواهبه، ولا يحاول تقديم نفسه للناس، لكنه يقدم لهم شخص المسيح. "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني." "ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص."
4- شجاعًا مقدامًا: إن صيد السمك عملية محفوفة بالمخاطر. وهكذا صياد النفوس يجب أن يدرك أن إعلان الحق الإلهي، وصيد نفوس الناس لله، قد يكلفه الكثير من المتاعب. ولكن إيماننا برسالتنا وثقتنا في إلهنا يجعلاننا شجعانًا لا تخيفنا المصاعب ولا تعطلنا عن خدمتنا.

رابعاً: الخدمة مكسب مجيد
يتساءل الرسول بولس في 1كورنثوس 18:9 قائلاً: "فما هو أجري؟ إذ وأنا أبشّر أجعل إنجيل المسيح بلا نفقة." ولكن بالرغم من أن بولس لم يكن يتقاضى أجرًا عن خدمته فإنه كان يسعد بها في ذاتها. فالمكافأة الحقيقية لقاء أي عمل ليس هو المال الذي يحصل عليه العامل، بل هو الرضى والراحة النفسية التي يشعر بها وهو يؤدي رسالته. وهل هناك فرح يغمر قلب المؤمن أعظم من الفرح الذي يشعر به عندما تستخدمه نعمة الله لإصلاح حياة محطمة، وهداية ضال إلى الطريق السوي، وشفاء قلب جريح منسحق، واجتذاب النفوس إلى المسيح؟!
وإذا كان الله يضمن لنا أجرًا لقاء كأس ماء بارد نقدمه لمن يحتاج إليه، فكم بالحري يكون أجرنا عن كل نفس نربحها للمسيح؟! وإذا كان أهل العالم يجاهدون من أجل مكافآت فانية، فإننا نشكر الله لأننا نجاهد وسنأخذ إكليلاً.
عندما قال بطرس ليسوع: "ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك. فأجاب يسوع وقال: "الحق أقول لكم: ليس أحد ترك بيتًا أو إخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولاً، لأجلي ولأجل الإنجيل إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان، بيوتًا وإخوة وأخوات وأمهات وأولادًا وحقولاً، مع اضطهادات، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية." (مرقس 28:10-30)
"والفاهمون يضيئون كضياء الجلد، والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور." (دانيآل 3:12)

ملاحظات ختامية
1- هلم ورائي: واستعدوا لتحمّل المشقات، فـ "للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه." "لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضًا أن تتألموا لأجله."
2- لنذهب إلى النفوس حيث هي ونصطادها: فلا يكفي أن نلقي شباكنا داخل جدران الكنائس والجمعيات بينما العالم حولنا يموج بالتعساء الذين لم يدخلوا بعد أية كنيسة. لنذهب إليهم. لنعمل معهم العمل الفردي. فبالعمل الفردي كسب أندراوس أخاه سمعان، وكسب فيلبس نثنائيل. وهكذا نستطيع نحن أن نربح كثيرين من أصدقائنا إلى المسيح.
3- لنستخدم كل وسيلة ممكنة: الصلاة، توزيع النبذ والكتب الدينية، عقد الاجتماعات الانتعاشية، المراسلة، انتهاز المناسبات كالجنازات وظروف المرض، القدوة الصالحة والمعاملة الطيبة، الوعظ، الصمت الذي قد يكون أحيانًا ألزم وأقوى أثرًا من الكلام... إلخ.
4- إن أعظم وأقوى كلمة مثيرة ومؤثرة في هذه الدعوة التي أمامنا هي كلمة "للوقت". فإن التلاميذ الأربعة عندما وُجّهت إليهم الدعوة للوقت تركوا شباكهم وتبعوه. وبهذه الكلمة "للوقت" يجب أن تتميّز طاعتنا للرب يسوع في كل ما يأمرنا به.
إن صوت يسوع اليوم يقول لكل واحد منا: "هلم ورائي." فهل يلبي كل منا هذا النداء ويقول: "هأنذا؟"
القس باقي صدقة جرجس

المجموعة: 2017

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

185 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10587581