Voice of Preaching the Gospel

vopg

شباط February 2005

ينظِّم الإنسان العصري حياته بدقة تامة، ويقسِّم أوقاته بكل إتقان وترتيب. يرسم للحاضر مخططات واسعة، ويضع للمستقبل خطوطاً عريضة، ويخط البرامج النظامية لتجعله جباراً أمام مهامه ومسؤولياته العظام. فهو ينشد الأفضل، ويمسك بدقة الأهم بحسب اقتناعه وتقديره. فلكل يوم عمل مُعَدّ، ولكل أسبوع برنامج محضّر، ولكل شهر بل لكل سنة أهداف واسعة النطاق بعيدة المدى تتناول جميع مرافق الحياة وتشعّباتها، فحياته مليئة بالمشغولية وأيامه تتمخض تعباً وكداً واجتهاداً.

 

هذا الإنسان، المبدع الحاذق، صاحب الفكر الثاقب والنظر البعيد المسمر في لوحة الطموح، يعمل لحاضره الدنيوي جاداً مجتهداً، ويهتم لمستقبله الزمني مترجياً متفائلاً. هذا الإنسان، قد يواجه في المستقبل خطراً داهماً رغم اهتمامه الحيوي، وتنظيمه المنسق، وتخطيطاته الواسعة! أجل! ذلك لأنه أسقط الله من حساباته، وداس القيم الروحية، وأهمل مستقبله الأبدي، أو على الأقل سطَّر موضوع علاقته بالله - الذي يجب أن يأخذ مركز الصدارة بين مسؤولياته واهتماماته - في أسفل البرنامج بخط صغير باهت لا يلفت النظر ولا يثير الاهتمام، وهكذا انقلبت المقاييس الصحيحة، وانزلق الإنسان عن مفهوم قصد الله بوضعه القاعدة الذهبية القائلة: "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره"، فارتقت المواضيع التافهة عرش الصدارة في حياته ووجوده، والأمور الحيوية الجوهرية أصبحت نسياً منسياً، فإذا بالجسد يفضَّل على الروح، والأمور الأبدية تتقهقر لتحتلّ مكانها الأشياء المادية الفانية.

فعظمة الإنسان هو أنه مخلوق خالد – فان، يتكون من عنصرين أساسيين: روح خالدة وجسم مضمحلّ، نسمة من الله وقبضة من التراب. وسرّ العظمة في هذا الكائن كامن في روحه الخالدة وليس في جسده الترابي الفاني. وامتيازه الرفيع على سائر المخلوقات الحية هو وجود حلقة اتصال بينه وبين الله غير المنظور. فيعبده ويؤسس شركة روحية معه، وبالتالي يقرر مصيره الأبدي حراً مختاراً.

أما أن يهمل الإنسان قيمته وغاية الله من وجوده، أو أن يضع متطلباته الروحية في أسفل القائمة، بينما يجب أن يكون مركزها الأول والرئيسي، فهذا تعدٍّ سافر على الروح وانتقاص لكرامة الإنسانية الحقة، إذ أن الإنسان لا تتكامل شخصيته إلا بروح وجسد.. جسد بلحمه، ودمه، وعظامه.. وروح بقيمها، وسموِّها، وذاتها الكامنة، وامتيازاتها المجيدة كما خلقها الله. فحينما ندلّل الجسد على حساب الروح، أو نمتهن حقوق الروح تحيُّزاً لنزوات الجسد، هذا يولّد نقصاً في إنسانيتنا لا يعوَّض، وفراغاً في كياننا البشري لا يمكن سدّه بوسائل أخرى.

فيسوع المسيح الذي أخلى نفسه مشتركاً بالناسوت البشري، عظّم قيمة الإنسانية الصالحة باتحاده بها، معتزّاً بلقب "ابن الإنسان" الذي أطلقه على نفسه مراراً وتكراراً، وعاش مثال الإنسان الكامل ينمو نمواً متوازياً بالروح والجسد أمام الله والناس، وبهذا أيضاً ترك لنا مثالاً كي نتبع خطواته.

فعلينا اليوم، في عصر انعكست فيه المفاهيم الروحية والاجتماعية، وطغت موجة المادة على أفكار الجميع فأنستهم واجباتهم تجاه نفوسهم الثمينة الخالدة، واجبنا أن نستعيد المركز الصحيح الذي وضعنا الله فيه، ونتمتّع بحالة روحية سليمة.

لنرفّع قيمنا، ونعيد النظر في أهدافنا، لننظّم برامجنا الحياتية من جديد ونحوّل غاياتنا نحو مفهوم حقيقي سامي، ولنرتب لوائح اهتماماتنا المشوّهة.

لنصنّف الأهم قبل المهم، ونفضّل الجوهري على الثانوي، لنقدّر الروح الخالدة حق قدرها، ونعتبرها أعظم وأثمن من الجسد الزائل، ونعطي الأمور الأبدية الأسبقية على الأمور الزمنية الفانية. فتُسَدّ حاجاتنا الأساسية، ونتمتّع بإنسانية مثالية كاملة.

المجموعة: شباط February 2005

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

213 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10555005